قصة النفط والغاز في لبنان قديمة جدا وتعود لعهد الإنتداب الفرنسي الذي حكم لبنان في الربع الأول من القرن العشرين.
 

تعطلت بعدها خطط الإستثمار في هذا القطاع لإرتفاع كلفة الإنتاج ونوعيته والحرب الأهلية اللبنانية، وأولى الإكتشافات سجلت في منطقة تربل بالشمال وحفرت آبار لاحقا في منطقة يحمر وعدلون وسحمر وعبرين في البترون.
إلا أن هذه الإكتشافات لم تستثمر ليغلق الملف ويعاد فتحه عام 2002 مع شركة سبكتروم البريطانية  والتي قامت بمسح ثنائي الأبعاد وأكدت وجود نفط كذلك قامت شركة جي. أي . أس النروجية بمسح ثلاثي الأبعاد وأكدت وجود أكبر الكميات النفطية مقابل ساحل العبدة في الشمال.
المسح توقف بسبب ما شهده لبنان من موجة إغتيالات وحرب تموز  لتقوم شركة P.G.S بمسوحات ثلاثية الأبعاد في العامين 2006 و 2007  ووضعت إحتمال إمتلاك لبنان لحوالي 8 مليارات برميل نفط.
إلا أن الحدث الأبرز والذي جعل ساسة لبنان يهتمون بالملف هو ما أعلنته شركة نوبل للطاقة الأميركية عام 2010  بعد فحوص زلزالية ثلاثية الأبعاد وأكدت فيه نتائج مسوحات شركة P.G.S  وتحدثت عن إكتشاف حقل للغاز هائل يسمى فيتان يحوي ما لا يقل عن 16 تريليون قدم مكعب من الغاز في منطقة دولية بين حدود فلسطين المحتلة وقبرص بحسب تقرير للجزيرة.
في العام 2012 تم مسح أكثر من 70% من مياه لبنان وتحليل 10% منها وأشارت التقديرات الأولية أن لدى لبنان 30 تريليون قدم مكعب من الغاز و 660 مليون برميل من النفط السائل بحسب ما أفاد موقع الجيش اللبناني.

إقرأ أيضا : جنبلاط يهزّ الإجماع: صفقة على النفط

خطوات قام بها لبنان في مجال النفط:

بعد هذه الإكتشافات الكبيرة ، أنجز لبنان عدة خطوات للتجهيز والحضور في عالم النفط والغاز خصوصا أن شركة سبكتروم جيو البريطانية أعلنت عن إمتلاك لبنان إحتياطات نفطية قيمتها 140 مليار دولار وتشير تقارير أخرى أن الرقم يرتفع إلى ما بين ال 400 و 500 مليار دولار.
أولى هذه الخطوات كانت عام 2010 عندما أنجز قانون النفط وفي 2011 تم إنجاز مراسيم النفط وأنشأت غرفة المعلومات وفي 2012 تم تعيين هيئة قطاع النفط وأطلقت في العام 2013 المناقصات وشاركت حوالي 46 شركة من كبرى شركات العالم فيها لكن العدد إستقر على 4 فيما بعد بسبب المشاكل السياسية في لبنان والصراع على الحصص  وإنخفاض أسعار النفط العالمية .
ودخل لبنان في زوبعة سياسية بين حكومتي الرئيس  نجيب ميقاتي والرئيس تمام سلام أخر الإنطلاقة في المناقصات والتشغيل وشب خلاف بين الرئيس نبيه بري والتيار الوطني الحر على أولوية تلزيم البلوكات وهو ما جرى حله لاحقا في الربع الأخير من العام 2016 بعد الإتفاق الذي تم بين وزير الخارجية جبران باسيل والرئيس نبيه بري.
في بداية العام 2017  أقرت الحكومة اللبنانية مرسومي النفط والغاز المتعلقين بتقسيم المياه البحرية الخاضعة للولاية القضائية للدولة اللبنانية إلى مناطق على شكل رقع ودفتر الشروط الخاص بدورات التراخيص في المياه البحرية ونموذج إتفاقية الإستكشاف والإنتاج.
وسيعطى الأولوية لجهة التلزيم للبلوكات الجنوبية 8و 9 و10 أما البلوكين الآخرين فسيكونان في الوسط والشمال بحسب ما أفادت جريدة الجمهورية.
وأرجىء البحث في البنود المتعلقة بالنظام المالي والأحكام الضريبية المتعلقة بالنشاطات البترولية ولدرس وتخطيط مشروع قانون متعلق بالموارد البترولية في الأراضي اللبنانية بحسب ما أعلنت جريدة النهار عن مصادر وزارية تابعت تفاصيل الجلسة بالأمس.
ومن شأن ما قام به المجلس الوزاري اليوم أن يطلق الخطوات التتفيذية لعملية المناقصات المتوقفة منذ عام 2013.

مشاكل وصعوبات تواجه لبنان:

لكن هذه الخطوات التي قام بها لبنان  لا يمنعه من الإصطدام بعدة مشاكل وصعوبات في المستقبل وأبرزها قضية الفساد المستشري في الإدارات العامة والمحاصصة الطائفية والتي أطلت برأسها منذ البدء بملف هيئة قطاع النفط والتي أنشأت على أساس طائفي وبالمداورة بين جميع الأعضاء الست في كل عام.
إضافة إلى ذلك لم يتطرق البحث بوضوح  لإنشاء صندوق سيادي يضمن حقوق الأجيال القادمة ولم يتم إنشاء شركة وطنية مختصة بالموضوع.
وهناك عامل خارجي أيضا يتهدد هذه الثروة ويتمثل بإسرائيل التي بدأت التنقيب ومتهمة بمحاولات لسرقة ثروات لبنان من البلوكات القريبة للحدود البحرية مع فلسطين المحتلة، وهي مشكلة يعاني منها لبنان مع قبرص أيضا، ولأجل تحديد وترسيم هذه الحدود، فمن المحتمل أن يدخل لبنان في مسارات قانونية دولية و طويلة .
وماذا عن التحول في هوية وفلسفة الإقتصاد اللبناني؟
هل ستعتمد الدولة على سياسات تشجع فيها الإستثمار بالقطاعات الإنتاجية كالصناعة والزراعة أو أنها ستكمل في الإستثمار بالقطاع الخدماتي في ظل إنخفاض أسعار النفط العالمية.
وماذا عن الدين العام والأولويات في المرحلة المقبلة خصوصا أن شركات التنقيب لن تبدأ بالإستخراج إلا بعد حوالي 6 سنوات من بدء عملية التنقيب ومن المقدر أن يتجاوز الدين العام فيها  عتبة ال 100 مليار دولار.
وذكر في شروط المناقصات ضرورة توظيف ما يفوق ال 70 % من اليد العاملة اللبنانية، والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل يمتلك لبنان اليد العاملة الفنية والتقنية الكافية للتشغيل بقطاع النفط أو أن الشركات ستضطر لإستيراد يد عاملة أجنبية.
فسياسات الحكومات السابقة وأدائها كفيلة بإعطاء نظرة سوداوية عن ما ينتظر لبنان جراء عدم تبني هذه الحكومات إستراتيجية واضحة ومتكاملة للنهوض الإقتصادي والإستفادة من هذه الثروة الوطنية وحمايتها.
قد يكون الرئيس سعد الحريري يمتلك رؤية جديدة مختلفة لكن إعتراضات النائب وليد جنبلاط على الموضوع توحي بأن عقلية الإحتكار والإستئثار في هذه الطبقة السياسية ما زالت كما هي حتى في هذا القطاع الحساس.
والخوف كل الخوف أن يتحول لبنان إلى عراق ثاني مليء بالثروات لكنه فاشل بسبب الفساد المستشري فيه والمحاصصة الطائفية فتحول النفط فيه إلى لعنة.

إقرأ أيضا : مقررات جلسة مجلس الوزراء.. إقرار مرسومي الأملاك البحرية والنفط

حلول ممكنة:

لكن هذه السلبية الطاغية على ملف النفط والغاز يمكن تجاوزها في حال تخلت هذه الطبقة السياسية عن المحاصصة الطائفية ووظفت المواطن الكفوء والخبير وفكرت وطنيا لا طائفيا أو مذهبيا.
وأيضا إذا ما إعتمدت الحكومة اللبنانية إستراتيجية واضحة ورؤية كاملة للنهوض الإقتصادي والإستفادة بطريقة مستدامة لا تضر المواطن أو البيئة وتكفل حقوق الأجيال القادمة وتشجع على الإستثمار في القطاعات الإنتاجية مستفيدة من البحبوحة المالية التي ستوفرها هذه الثروة.
فليس مهما أن نستخرج هذه الثروة لتمتلأ جيوب الطبقة السياسية، بل المهم هو تحسين حياة المواطن اللبناني وتأمين الكهرباء والمياه وباقي الخدمات الأساسية.
وعسى ألا يصيبنا المرض الهولندي عندما إستيقظت هولاند في 1950 على كارثة نضوب الآبار النفطية وغياب القطاعات الإنتاجية.
مع هذا فإن حلم النفط لن يبصر النور قبل العام 2020 كما توقع الخبير النفطي الدكتور مصطفى دهيبي.