كثير ما ذكر رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع أن حزبه قريب جدا لطريقة عمل وعقيدة حزب الله من حيث التمسك بالعصب الطائفي ومشروع المقاومة المختلف التوجهات كخلفية لإنطلاق عملهما السياسي أو من حيث التنظيم الداخلي والهيكلية الإدارية للحزبين.
 

وعلى الرغم من ذلك، شاب العلاقة بين حزب الله والقوات اللبنانية الكثير من المطبات التي عرقلت قيام أي حوار بناء بين الطرفين وسببت حالة العداء بينهما بكل ما تعنيه الكلمة.
فالحزبان مختلفان من حيث الرؤية للبنان والدولة والكيان ولا يمكن أن تجد أي مشترك بينهما يمكن التأسيس والبناء عليه.
لكن هل حقا هذا التباعد والنفور موضوعي وواقعي أو مبالغ فيه من قبل الطرفين؟
الجواب يأخذنا إلى رواسب الحرب الأهلية وما نتج عنها من نظرة سلبية لا تزال موجودة في وعي مسلمي لبنان بشكل عام إتجاه القوات حين تحالفت مع إسرائيل ، وإن كان للقوات حينها أجوبة كثيرة على التساؤلات حول هذا الموضوع إلا أنها لم تستطع تغيير النظرة الإسلامية لها حتى عام 2005.

الحريري يكسر القاعدة:

في 2005 وبعد إغتيال الرئيس رفيق الحريري ونزول الشعب اللبناني إلى الشارع في 14 آذار، كان وجه جديد للبنان يرتسم عنوانه البارز التلاقي بين المسيحيين والمسلمين.
والموضوع الحساس في حينها كانت العلاقة بين القوات والحريري والذي جهد الأخير في جعلها علاقة وطنية أصبحت اليوم طبيعية في معظم الشارع السني.
على الضفة الأخرى، كان حزب الله ومشروعه يبتعد عن القوات للإختلاف الجوهري في أهدافهما ويذهب لحليف مسيحي هو العماد ميشال عون.
ومن وقتها لم يطرأ أي تغيير أو محاولة للتقارب بين حزب الله والقوات اللبنانية بإستثناء بعض الإشارات.

أولى الإشارات:

أولى هذه الإشارات كانت دعوة أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله للعودة إلى مشروع ال 10452كلم2 وهو مشروع الرئيس بشير جميل وسمى نصر الله  حينها بشير جميل بالإسم ونعته بالشيخ.
كانت دلالة واضحة وقوية دغدغت حينها الكتائبيين لكنها تركت شيئا ما عند القوات كونهم أقرب لتعاليم بشير جميل وهذا الشيء لم يؤسس لأي حوار فعلي وجدي.
جاءت إشارة أخرى في جلسات الحوار التي نظمها الرئيس نبيه بري في 2006 وجلس حينها السيد نصر الله والدكتور جعجع على نفس الطاولة وتصافحا وتبادلا التحية حتى جاءت حرب تموز وحصل ما حصل.

إشارات جدية:

في عامنا الحالي شهدت الأمور تطورا بين الطرفين وشكل ميشال عون كمرشح مشترك بين الطرفين للرئاسة الأولى فرصة لأن يمتدح السيد نصر الله القوات اللبنانية.
ولم يتوقف عند حد المديح بل ذهب إلى إعتراف واضح ولأول مرة بحيثية القوات اللبنانية على الساحة اللبنانية ودورها ومركزها وأبدى إحترامه لهذه الحيثية، ولكن الأهم هو قول نصر الله في سياق كلامه عن القوات اللبنانية أنه لا يوجد خصومة أبدية في لبنان مع أي كان.
كانت رسالة من نصر الله للقوات بطبيعة الحال وقابلتها القوات بوصف خطاب نصر الله حينها بأنه كان إيجابيا .

إقرأ أيضا : السيد نصر الله... نبرة هادئة ولغة مختلفة


مع هذا، تبقى رسائل حزب الله إتجاه القوات مستمرة وآخرها وأكثرها وضوحا ما قاله رئيس المجلس السياسي في حزب الله السيد إبراهيم أمين السيد من بكركي عند سؤاله عن إمكانية الحوار مع القوات في العام المقبل فأجاب:" نحن منفتحون حول هذا الموضوع والظروف في لبنان تحتم علينا هكذا نوع من التواصل" ورد مصدر في القوات للجمهورية على كلام السيد بأنه " كلام إيجابي وهو محط ترحيب ولكن للأسف نقاط الإختلاف مع الحزب كبيرة جدا".

إقرأ أيضا : القوات ترد على كلام إبراهيم امين السيد

عراقيل ونقاط مشتركة:

ولا شك أن الرد القواتي يحمل معان وإشارات يمكن التأسيس عليها فأي حوار بين أي طرفين هو بالنهاية من أجل إزالة هذه الإختلافات وهي بحاجة إلى نقاط مشتركة يمكن البناء عليها منها أن الطرفين يمسكان بالعصب الطائفي في الشارع  عند الشيعة والموارنة ما يعطيهم إمتياز القوة في نظام الطوائف اللبناني ويضاف إلى ذلك مساهمتهما في إيصال ميشال عون للرئاسة الأولى.
أما العراقيل فهي فعلا كثيرة لكنها غير مستحيلة وأهمها النظرة الوجودية للبنان الدولة والكيان والإستراتيجية الدفاعية خصوصا المقاومة ودورها وصلاحيات عملها والتي تحفظت القوات على بندها في البيان الوزاري الأخير ومشاركة حزب الله في القتال بالحرب السورية.
أمام هذه المشهد وفي ظل الغزل المتبادل بينهما ، ثمة إحتمال كبير بأن نشهد في العام 2017 تقاربا وحوارا بناء بين حزب الله والقوات اللبنانية.
لكن هناك أسئلة تخيف حلفاء الطرفين.
فماذا عن موقف التيار الوطني الحر وتيار المستقبل وحركة أمل من هكذا تقارب؟
وماذا عن السنة المتحالفين مع حزب الله والذين يكنون العداء لسمير جعجع؟
هو حقل ألغام يحتاج إلى جهد متكامل من الطرفين لتنظيفه والتأسيس لشيء ما قد نراه في العام المقبل.