الاشتباك العسكري والسياسي انتقل من الجبهة الجنوبية مع إسرائيل إلى الجبهة الشرقية الشمالية مع سوريا، وفي هذا المضمار الشائك تختلف وجهة نظر الرئيس المتحالف مع حزب الله ووجهة نظر الرئيس الحريري بما لا يقاس.
 

سمة عهد الرئيس عون..التعايش القلق
أولاً: التعايش، coexistence
غالباً ما يُطلق مفهوم التعايش على طرفين يضطرّان للسكن معاً، أو التواجد والاختلاط معاً، لذا يذهب البعض إلى استبدال مفهوم التعايش ب"التساكن" أيضاً، والتساكن بين رجل وامرأة هو حالة اضطرارية لا ترقى إلى مستوى الزواج، ويبقى هامش كبير من الحرية الفردية قائماً بين المتساكنين. ويقع التعايش في الغالب بين مجموعتين أو قبيلتين أو طائفتين أو تيارين سياسيّين أو أكثر.
وفي لبنان حيث تتعايش طائفتان مسيحية وإسلامية، وتُبدعان أنواعاً عدة من التعايش السياسي، بدلاً من التناحر والتدافع، رغم ظهور بعض مظاهرهما من حين لآخر . وتتنوّع صيغ التعايش من "الميثاق" إلى "الصيغة اللبنانية" وصولاً إلى وثيقة "الطائف"، وهي توافقات تُعوّض اللّحمة الوطنية المفقودة أو الموعودة، أو ما يطمح إليه من يسعون للحصول على نعمة "المواطنية"، بدل أوصاف ونعوت الطائفية والمذهبية والفئوية.
ثانياً: تعايش اليمين واليسار في فرنسا
انتُخب الرئيس الراحل فرنسوا ميتران رئيساً لفرنسا عام ١٩٨١ عن اليسار الفرنسي لمدة سبعة أعوام، إلاّ أنّ اليسار خسر الانتخابات التشريعية عام ١٩٨٦، وحاز اليمين على الأغلبية في الجمعية، وكان الرئيس ميتران بين خيارين: الاستقالة أو تعيين رئيس وزراء يميني، واختار الرئيس أن يخرج بخطاب للشعب الفرنسي قائلاً: لقد اخترت التعايش مع اليمين، وعيّن جاك شيراك رئيساً للوزراء، وفي أول جلسة لمجلس الوزراء، بدا ميتران متجهّماً ، ولم يصافح أحداً من الوزراء، وسادت بعد ذلك فترة من الاضطراب السياسي أطاحت بإنجازات الولاية الأولى لميتران كالغاء حكم الإعدام، وزيادة الرواتب، وفرض ضرائب على الرساميل، وتخفيض سنّ التقاعد. 
ثالثاً: رئاسة عون وحكومة الحريري: التعايش القلق
في بداية عهد الرئيس عون يبدو التحالف الرئاسي- الحكومي قلقاً جداً، لا بل محفوفاً بالمخاطر، فهو ليس تحالفاً بين يسار ويمين، أو بين الطائفتين المسيحية والإسلامية، أو بين نهجين متقاربين، بل هو تحالف ظرفي جداً، تحكمه المصالح والمطامح الفردية، وتشوبه التباسات عدة، فهو يعد بمرحلة إصلاح وتطهير بواسطة الطبقة السياسية التي عاثت فساداً وخراباً في مؤسسات الدولة، ولا يمكن لأي عملية إصلاح أن تتُم إلاّ باجتثاث هذه الطبقة، وهذا ضربٌ من المُحال، أمّا مواضيع السيادة والاستقلال وحصرية السلاح الشرعي، فهي ألغامٌ خطرة جدا ولا يمكن الاقتراب منها في ظل وجود السلاح "الشرعي" لحزب الله، والمُشرّع منذ الإنسحاب الإسرائيلي عام ٢٠٠٠ بحجّة المقاومة، في حين أنّ الاشتباك العسكري والسياسي انتقل من الجبهة الجنوبية مع إسرائيل إلى الجبهة الشرقية الشمالية مع سوريا، وفي هذا المضمار الشائك تختلف وجهة نظر الرئيس المتحالف مع حزب الله ووجهة نظر الرئيس الحريري بما لا يقاس، وهذا قد يطيح بالحكومة عند أي منعطف أو عقبة، اللهم إلاّ إذا تمّ التوافق على رمي الإصلاح والتغيير، ومعهما طروحات السيادة والاستقلال وحصرية السلاح في أقرب سلة مهملات ، والانصراف إلى جني المكاسب وتوزيع الغنائم، وهو المتاح والاسهل تناولاً في ظل غياب الأجهزة الرقابية، وعطالة المجلس التشريعي، وفساد الأجهزة التنفيذية ، والأهم من كل ذلك قصور المعارضات الشعبية وهُزالها، وتوزّع ولاءاتها بين الطوائف والمذاهب والزعامات والأحزاب التي فقدت دورها والتحقت بالطوائف والمذاهب، ولا يبقى بيد هذا الشعب سوى الصبر على المكاره، والله مع الصابرين ،إذا صبروا.