درع الفرات تخطف الانظار , ولبنان بين التعطيل والمحاصصة يترنح

 

السفير :

 

التمهيد السياسي والمدفعي للغزو التركي كان قد بدأ منذ ايام. وربما ليست صدفة ان دبابات رجب طيب اردوغان عبرت الحدود السورية نحو مدينة جرابلس بهذه الطريقة الاستعراضية، قبل ان يستقبل ضيفه الاميركي نائب الرئيس جو بايدن. دمشق تدرك الان، كما أنقرة، ان «الكانتون الكردي» الافتراضي، والذي تأججت نيرانه من الحسكة قبل ايام، تعرض الان، في جرابلس، الى عملية بتر قاضية.
ارتكبت القوى الكردية مجددا الخطأ التاريخي ذاته. المراهنة على صراعات القوى الدولية والاقليمية للمبادرة الى مشروع المستحيلات، بقضم ارض وافتراض اقامة دولة منفصلة، في لحظة يظنونها مناسبة. مفاوضات الحسكة في الايام الماضية، اظهرت محاولة هذه القوى استغلال انهاك الدولة السورية في ظل حرب الاعوام الستة، لفرض «سيادة» بديلة. ذهبت المقاتلات الجوية السورية الى اقصى الشمال الشرقي السوري لتقصف «المشروع» بعدما تعالت اللهجة. بالامس، عبرت الدبابات التركية الحدود، لا باسم محاربة تنظيم «داعش» فقط، وانما لوأد مسعى الانفصال الكردي. وفي كل الحالات، المقتول هو السوري.
لكن «الخطر» الذي ركزت عليه انقرة وهي تطلق دباباتها ومدفعيتها وسلاحها الجوي، لم يكن وليد الامس. «المشروع» الكردي كان يتبلور تدريجيا منذ سنوات، بعدما ساهمت أنقرة كما غيرها من العواصم، في ضرب الدولة المركزية في دمشق. فلماذا اختارت تركيا هذا التوقيت لتنفيذ هجومها؟ بعد نحو شهر على الانقلاب الفاشل ضد اردوغان. وبعد الفتور، ولا نقول الانكسار، الذي اصاب العلاقات مع الحليف الاميركي، والغربي استطرادا. وبعد التطبيع الذي تسارع بين انقرة وموسكو، وبعد التنسيق المكثف بين الايرانيين والاتراك، ولهذا اصبح من الممكن للقوات التركية ان تعبر الحدود لعمل عسكري واسع، بتناغم مع اللاعب الروسي الاساسي في المشهد السوري، ومع تكرار تركي للعبارة الذهبية: حفاظا على وحدة وسيادة الاراضي السورية!
أنقرة تتفضل علينا الان بالقول ان لنظام الرئيس بشار الاسد مكانه الى طاولة المفاوضات للحل السوري. كررت هذه العبارة مرارا خلال الايام القليلة الماضية. دمشق التي كانت اتهمت ميليشيات الاسايش الكردية في الحسكة بانها الجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني، تدرك تماما ان الهاجس التركي الاول مرتبط بالمشروع الكردي المفترض، وليس بـ «داعش».
ومهما يكن، فان العملية العسكرية التركية تشكل غزوا صريحا مهما كانت اهدافه، وحتى لو قال الاتراك لاحقا انهم بتروا عبر جرابلس الكانتون الكردي في الصميم. كما لا بد من ملاحظة الاشارة السورية الى ان استبدال ارهابيي «داعش» بارهابيين من فصائل مسلحة اخرى، ليس حلا لمواجهة الارهاب. اما الملاحظة الاخرى التي يجب التوقف عندها، فهي ان معركة حقيقية لم تحصل في جرابلس، ولم يعلن رسميا عن سقوط أي قتيل تركي في التوغل العسكري، ولم تندلع اشتباكات تذكر في داخل المدينة التي كان يفترض تخليصها من «داعش». لا بل ان التقارير تشير الى ان مقاتلي التنظيم غادروا المدينة، وهناك من ردد انهم غادروا منذ ايام ... الى تركيا!
اذن، الكردي هو المستهدف الاول في العمل العسكري. اما الاهداف الاخرى بعد جرابلس، فلن تتضح سوى بعد انجلاء غبار المعركة الاستعراضية الحالية، وستحتم مراقبة جموح اردوغان وحساباته في ضوء الوقائع الجديدة التي فرضت عليه خلال الاسابيع الاخيرة الماضية، وما اذا كان سيسعى الى فرض «المنطقة الآمنة» التي طالما نادى بها، وما اذا كانت القنوات ستفتح بينه وبين دمشق، سواء عبر رعاية موسكو او طهران، لا عبر واشنطن بالتأكيد. وبهذا المعنى، بدت المبالغة الاميركية في التعبير عن دعم الغزو التركي، بل والمشاركة فيها وتأمينها جويا، محاولة اميركية للتأكيد على سيطرتها على مشهد الشمال السوري، وهو هدف تبدو حساباته اكثر تعقيدا مما تعتقده واشنطن حتى الان.
فماذا عن الوقائع الميدانية؟
سيطرت فصائل سورية «معارضة» مدعومة من تركيا على جرابلس بعد ساعات على اعلان انقرة غزوها تحت اسم «درع الفرات» بهدف إزالة المخاطر الناجمة عن تنظيم «داعش» والمقاتلين التابعين لحزب «الاتحاد الديموقراطي» الكردي عن حدودها.
وقال القيادي في «فرقة السلطان مراد» احمد عثمان لوكالة «رويترز» إن «جرابلس باتت محررة بالكامل»، الامر الذي أكدته «حركة نور الدين زنكي» مشيرة الى «انسحاب داعش الى مدينة الباب»، فيما أشار مدير «المرصد السوري لحقوق الانسان» رامي عبد الرحمن إلى أنه «لم يكن هناك اي مقاومة تذكر من قبل من تبقى من مقاتلي داعش» في جرابلس.
العملية العسكرية التركية بدأت، فجرا، بقصف مدفعي وجوي مكثف على مواقع «داعش» في جرابلس، وشاركت مقاتلات أميركية في توجيه الغارات الجوية إلى جانب الطائرات الحربية التركية. ولاحقا، دخلت قوات خاصة تركية الى محيط المدينة السورية، لتفتح ممراً آمنا للقوة الأساسية التي تدعمها مدرعات وطائرات حربية.
مواقع تابعة لـ «المعارضة» السورية المسلحة عدَّدت الفصائل المشاركة في العملية، ونقلت عمن سمتها بمصادر عسكرية تأكيدها أن «أكثر من 1200 مقاتل سوري يتبعون لفصائل فرقة الحمزة، وفيلق الشام، والسلطان مراد، وحركة أحرار الشام الإسلامية، وحركة نور الدين الزنكي، وجيش التحرير، وصقور الجبل، والجبهة الشامية، أقاموا معسكرات مشتركة مع القوات الخاصة التركية على مدار الأسبوع الماضي».
وأوضحت قناة «خبر تورك» أن ما بين 10 و15 دبابة دخلت الأراضي السورية واتجهت نحو جرابلس، فيما أفادت قناة «سي إن إن تورك»، عن دخول مقاتلات تركية من طراز «إف – 16» الأجواء السورية خلال العملية العسكرية، مشيرة إلى أن هذه الخطوة تعد الأولى من نوعها بعد حادثة إسقاط القاذفة الروسية «سو 24» فوق الأراضي السورية في تشرين الثاني الماضي.
أما صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، فذكرت أن مدربين عسكريين أميركيين وطائرات من دون طيار في قاعدة «إنجرليك» جنوبي تركيا تقدم دعما لأنقرة في حملتها.
وقال مسؤول أميركي، طلب عدم كشف هويته، وكان على متن الطائرة التي اقلت بايدن إلى أنقرة، في تصريح لوكالة «رويترز»، إن «الولايات المتحدة ستقدم غطاءً جوياً للقوات التركية المشاركة في العملية»، مضيفاً «نريد مساعدة الاتراك على تخليص الحدود من وجود تنظيم الدولة الاسلامية».
اردوغان
أعلن أردوغان أن عملية «درع الفرات» تستهدف إزالة المخاطر الناجمة عن تنظيم «داعش» وحزب «الاتحاد الديمقراطي» الكردي. أردوغان أكد استعداد أنقرة «لأخذ زمام الأمور في يديها في حال اقتضت الضرورة ذلك من أجل حماية سلامة الأراضي السورية»، مصراً على أن «الشعب السوري هو من سيقرر مصير بلاده»، معلناً استعداد بلده لاتخاذ خطوات مشتركة مع التحالف الدولي وروسيا بشأن سوريا.
وتابع «منذ البداية لم يكن لدينا نية أخرى سوى تقديم العون الخالص إلى أشقائنا السوريين الذين تربطنا بهم روابط تاريخية قوية، ولم نفعل إلا ذلك».
وشدد أردوغان على أن تركيا «لن ترضى بالمكيدة التي يُراد تنفيذها في سوريا، ولن تقبل بفرض الأمر الواقع، سنستخدم جميع إمكانياتنا لحماية وحدة الأراضي السورية، بما في ذلك تولي الأمر بشكل فعلي في حال الضرورة، نحن مصرون على أن تُدار تلك الدولة (سوريا) بإرادة شعبها».
وقال أردوغان إن تركيا ستتخذ الخطوات اللازمة من أجل مستقبلها، ومن أجل أمن وسلام «إخوتنا السوريين»، مشيرا أن تركيا أبلغت قوات التحالف، والولايات المتحدة، والدول الأوروبية، وروسيا، استعدادها لاتخاذ خطوات مشتركة في المنطقة.
وتوجه أردوغان إلى «الدول التي تدعم التنظيمات الإرهابية»، في تلميح واضح إلى الدعم الأميركي لـ «وحدات حماية الشعب» الكردية المنضوية تحت لواء «الاتحاد الديموقراطي»، وشبهها بمن يمسك رمانة سحب منها مسمارها.
يلديريم
أكد رئيس الوزراء التركي بن علي يلديريم أنه لا يُمكن تجاهل النظام السوري إذا أردنا التوصّل إلى حلّ في سوريا لأنه أحد الاطراف. وأضاف: «سيكون السوريون في جرابلس فلا أطماع لنا في الأراضي السورية».
وقال خلال مؤتمر صحافي مع بايدن في أنقرة، إن تركيا والولايات المتحدة توصلتا إلى اتفاق بعدم جواز انتقال قوات حزب «الاتحاد الديموقراطي» و «وحدات حماية الشعب» إلى المناطق الواقعة غرب الفرات في سوريا، داعياً واشنطن لإعادة النظر في دعمها لـ «وحدات حماية الشعب» الكردية للحيلولة دون زيادة الخطر.
وقال يلديريم أن الحفاظ على وحدة أراضي سوريا وتشكيل حكومة تمثل جميع أطياف المجتمع السوري مبدآن مهمان لحل الأزمة، موضحاً الحاجة لإيجاد حل مشترك لإنهاء الأزمة في سوريا.
بايدن
أكد بايدن أن قوات «الاتحاد الديموقراطي» و «وحدات حماية الشعب» لن تحصل على أي دعم من الولايات المتحدة في حال انتقالها إلى غرب الفرات، قائلاً إن «واشنطن لن تقبل بحل وسط بشأن أمن الحدود التركية ووحدة سوريا»، مضيفاً أن الجانب الأميركي أبلغ بذلك الجهات المعنية في سوريا».
وأضاف «قلنا بوضوح ان هذه القوات لن تعبر مجددا النهر» مشيراً بذلك الى «قوات سوريا الديموقراطية» التي يشكل المقاتلون الاكراد القسم الاكبر منها.
بدوره، قال نائب رئيس الوزراء التركي نعمان قورتولموش «تجري العملية ضمن الأطر القانونية، وبموافقة المجتمع الدولي والتحالف، لضمان أمننا القومي وضمان وحدة الأراضي السورية». وأضاف أن أنقرة لن تسمح لوحدات حماية الشعب الكردي السورية بالسيطرة على منطقة جرابلس، ولا على الـ «911» كيلومتراً من الحدود مع سوريا.
جاويش أوغلو
قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو «انكشف البرنامج السري لحزب الاتحاد الديموقراطي الكردي السوري، نريد أن نذكر اليوم أن قوات الميليشيا الكردية السورية يتعين أن تعود إلى الشرق من نهر الفرات، وعدتنا الولايات المتحدة أيضا بهذا، هذا هو الاتفاق الذي توصلنا إليه، سنفعل كل ما هو ضروري من أجل تركيا».
وكان جاويش اوغلو ذكر على حسابه على موقع «تويتر» أن عملية جرابلس ستعجل باستئصال «داعش» من منطقة حلب في سوريا، قائلاً «لا نريد مكافحة البعوض، هدفنا هو إزالة المستنقع والقضاء على التهديدات ضد تركيا».
اما وزير الداخلية التركي إفكان فشدّد على أنّ الهدف الرئيسي لتركيا هو الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وتحقيق طموحات شعبها.
روسيا

النهار :

أطلقت تركيا أمس عملية برية مزدوجة داخل الاراضي السورية ضد تنظيم "الدولة الاسلامية" (داعش) والمقاتلين الاكراد الذين حققوا في الأشهر الأخيرة مكاسب واسعة على الارض في الشمال السوري تعزز فرص نظامهم الفيديرالي الذي اعلنوه. وتعيد العملية التي حملت الاسم الرمزي "درع الفرات" خلط الاوراق على الساحة السورية، ذلك أنها تشكل أوسع تدخل من دولة عضو في حلف شمال الاطلسي في الأزمة السورية المستمرة منذ خمسة أعوام.

 

وإذا كانت واشنطن تؤيد طرد تركيا "داعش" من بلدة جرابلس السورية التي تشكل آخر منفذ للتنظيم مع العالم الخارجي، فكيف سيكون موقفها من الاصطدام المحتمل بين القوات التركية المتوغلة و"وحدات حماية الشعب" الكردية التي تعتبرها أنقرة فرعاً من "حزب العمال الكردستاني" الذي تقاتله. وسارع الاكراد السوريون الى التنديد بالتوغل التركي، وكذلك فعلت دمشق، بينما أبدت موسكو قلقها.
وصرّح الرئيس التركي طيب إردوغان عقب استقباله نائب الرئيس الاميركي جو بايدن الذي بدأ زيارة لأنقرة، بأن مسلحين من المعارضة السورية تدعمهم تركيا استعادوا جرابلس من "داعش" بعد ساعات من إنطلاق العملية العسكرية التركية التي شاركت فيها دبابات وقوات خاصة تركية ودعمتها طائرات أميركية وتركية.
وأضاف أن خوض منظمة إرهابية حربا ضد منظمة إرهابية أخرى لا يجعلها بريئة وأن كلاً من "داعش" و"وحدات حماية الشعب" الكردية المدعومة من واشنطن في سوريا منظمتان إرهابيتان.

بايدن
أما بايدن فقال خلال مؤتمر صحافي مشترك مع اردوغان إن الولايات المتحدة تعتقد اعتقاداً جازماً أنه يتعين على تركيا السيطرة على حدودها وأنه يجب ألا يكون هناك احتلال للحدود من أي جماعة أخرى. وأكد أن الجيش الأميركي يوفّر غطاء جوياً للعملية التركية، وأنه ينفي أن تكون سوريا كاملة وموحدة وألا تنقسم أجزاء.
وعقب لقاء ورئيس الوزراء التركي بن علي يلديريم، أعلن بايدن أن واشنطن ابلغت الميليشيات الكردية وجوب عدم العبور الى غرب الفرات حيث تقع جرابلس. وقال: "قلنا بوضوح إن على هذه القوات ان تعبر مجدداً النهر"، مشيراً الى "قوات سوريا الديموقراطية" (قسد) التي يشكل المقاتلون الاكراد القسم الاكبر منها، في حين ان انقرة قلقة من تقدم اكراد سوريا وسيطرتهم على اراض قريبة من حدودها. وشدد على ان القوات الكردية "لن تلقى أي دعم من الولايات المتحدة اذا لم تحترم تعهداتها، نقطة على السطر".
وكرر يلديريم ان تركيا "لن تسمح بوجود اي كيان كردي على حدودها" مع سوريا.
وأفاد مسؤول أميركي أن الولايات المتحدة استخدمت مقاتلات وطائرات بلا طيار في شن ثماني غارات جوية على "داعش" في جرابلس.
وأطلقت العملية العسكرية التركية عشية إجتماع مقرر في جنيف بوزير الخارجية الاميركي جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف في محاولة للتوصل إلى اتفاق على تعاون عسكري محتمل يهدف إلى هزيمة "داعش" في سوريا.
واستناداً الى مسؤول أميركي كبير من المقرر ان يطلع كيري الذي وصل الى مدينة جدة السعودية أمس، زعماء السعودية ودول عربية خليجية أخرى على نتائج أحدث اجتماعات عقدتها الولايات المتحدة مع روسيا في ما يتعلق بالتعاون العسكري في سوريا .
وأضاف ان كيري سيطرح مقترحات في شأن إنهاء الصراع باليمن ومعاودة محادثات السلام.

الاكراد
ووصف الناطق باسم "وحدات حماية الشعب" الكردية ريدور خليل التدخل العسكري التركي في سوريا بأنه "اعتداء سافر على الشؤون الداخلية السورية" وهو ناجم عن اتفاق بين تركيا وإيران والحكومة السورية.
وسئل عن طلب تركيا من "وحدات حماية الشعب" الانسحاب إلى شرق نهر الفرات، فأجاب بأن "قوات سوريا الديموقراطية "مخولة بالرد على طلب كهذا من تركيا".
ومعلوم ان "قوات سوريا الديموقراطية" تشن حملة على "داعش" في شمال سوريا وتحديداً في الآونة الأخيرة غرب الفرات.

الموقف الروسي
وفي موسكو، قالت وزارة الخارجية الروسية في بيان: "موسكو قلقة جداً مما يحدث عند الحدود التركية - السورية. ان احتمال تدهور الوضع بشكل اضافي في منطقة النزاع يشكل مصدرا للقلق". وعبرت عن قلقها خصوصا "لاحتمال سقوط ضحايا من السكان المدنيين وتفاقم الخلافات بين الاكراد والعرب". وخلصت الى ان "الازمة السورية لا يمكن ان تحل الا على أساس القانون الدولي وعبر حوار بين الاطراف السوريين بمشاركة كل المجموعات الاتنية والطائفية بما يشمل الاكراد".

 

المستقبل :

«درع الفرات» هو الاسم الذي اختارته أنقرة لعمليتها العسكرية داخل الأراضي السورية، للمرة الأولى، ضد «داعش» وحزب «الاتحاد الديموقراطي« الكردي ومكنت فيها، بعد غارات جوية وقصف مدفعي وبحماية دبابات، قوات المعارضة السورية من انتزاع مدينة جرابلس الحدودية من «داعش»، في تطور ميداني لافت سيترك بالتأكيد انعكاسات مباشرة على الحسابات السياسية للحل السوري المحتمل.

واشنطن دعمت عسكرياً «درع الفرات» التي بدأت قبل ساعات من وصول نائب الرئيس الأميركي جو بايدن الى أنقرة، ساعياً الى طي صفحة الضيق التركي عقب الانقلاب الفاشل، والى بحث الموضوع الكردي الحساس جداً بالنسبة لتركيا، خصوصاً مع وجود رئيس كردستان مسعود بارزاني في أنقرة للتنسيق في ظل تغييرات كبيرة في المنطقة على حد قوله.

موسكو قالت إنها «قلقة جداً« وهي التي تجهد لمنافسة الولايات المتحدة على الإمساك بالورقة الكردية، فيما كان نظام بشار الأسد وحزب «الاتحاد الديموقراطي» الكردي يستنكران وينددان.

ويُعتبر تحرير جرابلس من قبل الجيش السوري الحر محورياً للمعارضة السورية ولأنقرة على حد سواء، فالمعارضة تتمكن من خلال تحرير جرابلس من العودة إلى مناطق انتزعها منها «داعش» في بدايات الصراع المسلح وتفتح لها الطريق نحو مدينة أعزاز شبه المحاصرة، وبالنسبة لتركيا فإن انتزاع جرابلس يُعد منطلقاً لقطع الطريق من أمام الاتحاد الديموقراطي الكردستاني الهادف إلى السيطرة على كامل الشريط الحدودي السوري ـ التركي لإقامة كيان كردي مستقل أو حكم ذاتي على أقل تقدير.

فقد أكد الرئيس التركي رجب طيب اردوغان أن مسلحين من المعارضة السورية تدعمهم تركيا استعادوا بلدة جرابلس السورية من تنظيم «داعش» بعد عملية شاركت فيها دبابات وقوات خاصة تركية ودعمتها طائرات أميركية وتركية.

وقال الرئيس التركي عقب لقائه بايدن إن خوض منظمة إرهابية حرباً ضد منظمة إرهابية أخرى لا يجعلها بريئة، وإن كلا من تنظيم «داعش» ووحدات حماية الشعب الكردية المدعومة من واشنطن في سوريا، منظمتان إرهابيتان.

وأكد اردوغان في كلمة ألقاها بالعاصمة أنقرة أن تركيا مصممة على الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وأنها ستتولى الأمر بنفسها إذا اقتضى الأمر ذلك. وأضاف أن تركيا لا تريد سوى مساعدة شعب سوريا وليست لها نيات أخرى.

وفي تناغم أميركي مع المخاوف التركية، قال بايدن إن بلاده أوضحت للقوات الكردية السورية أن عليها العودة إلى شرق نهر الفرات بعد السيطرة على مدينة منبج السورية حتى تحافظ على الدعم الأميركي. وقال بايدن «قلنا بوضوح إن على هذه القوات أن تعبر مجدداً النهر» مشيراً الى قوات سوريا الديموقراطية. وشدد بايدن على أن القوات الكردية «لن تلقى أي دعم من الولايات المتحدة إذا لم تحترم تعهداتها، نقطة على السطر».

ولفت اعتذار بايدن من الرئيس التركي لعدم مجيئة بعيد الانقلاب الفاشل في تركيا منتصف شهر تموز الماضي. وقال بايدن لاردوغان الذي انتقد بمرارة حلفاءه الغربيين وخصوصاً واشنطن لعدم التضامن معه إثر المحاولة الانقلابية وعدم زيارتهم أنقرة، «أنا أعتذر. كنت وددت لو أني جئت في وقت مبكر».

وقالت وكالة الأناضول إن القوات التركية لم تتكبد أي خسائر بشرية في العملية بينما قُتل عنصر واحد من الجيش الحر.

وقال القيادي في «فرقة السلطان مراد» أحمد عثمان مساء أمس: «باتت جرابلس محررة بالكامل»، الأمر الذي أكده مصدر في المكتب الإعلامي لـ»حركة نور الدين الزنكي» مشيراً الى «انسحاب تنظيم داعش الى مدينة الباب»، وكلا التشكيلين يتبعان الجيش الحر.

واعتبر وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أن عملية تطهير بلدة جرابلس ستكون نقطة تحول في المعركة مع التنظيم المتشدد. وأضاف على حسابه الرسمي على موقع «تويتر» أن هذه العملية ستعجل باستئصال «داعش» من منطقة حلب في سوريا. وتابع قائلاً «لا نريد مكافحة البعوض. هدفنا هو إزالة المستنقع والقضاء على التهديدات ضد تركيا». وشدد جاويش أوغلو على ضرورة أن ينسحب المقاتلون الأكراد إلى شرقي نهر الفرات وإلا فإن تركيا «ستفعل ما هو ضروري».

أما رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم فقال إن تركيا لن تقبل بتشكيل كيان كردي جديد داخل سوريا وإنه يتعين الحفاظ على سلامة الأراضي السورية. وشدد في مؤتمر صحافي مشترك مع بايدن، على أنه يتعين توفير حل مشترك لإنهاء الأزمة في سوريا، ورأى أنه لا يمكن تجاهل نظام بشار الأسد من أجل التوصل لحل في سوريا لأنه طرف من الأطراف.

ولفت تصريح يلدريم بأن هناك حاجة لتحسين العلاقات مع مصر ولا يمكن أن تستمر العلاقات على هذا النحو.

وفي سياق المعارك الحاصلة على الحدود الجنوبية لتركيا، دعا المسؤول التركي الولايات المتحدة الى إعادة النظر في دعمها لوحدات حماية الشعب الكردية للحيلولة دون زيادة الخطر، مضيفاً أن واشنطن وافقت على أنه لا ينبغي لهم التحرك إلى غرب نهر الفرات.

وكان مسؤول يرافق بايدن خلال زيارته الى تركيا قال أمس إن واشنطن تدعم العملية عبر تبادل معلومات ومراقبة واستطلاع ومشاركة مستشارين عسكريين أميركيين، وإن الدعم ممكن أن يصبح دعماً جوياً إذا لزم الأمر. وأضاف «نريد مساعدة الأتراك لتطهير الحدود من تنظيم «داعش»«. وأوضح أن لواشنطن مستشارين في خلية التخطيط للهجوم التركي. 

وقال مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إن مقاتلات التحالف الدولي خصوصاً «أي 10» و»أف 16» أميركية، شنت غارات لدعم الهجوم. وأكد أن الولايات المتحدة أمرت الفصائل الكردية التي تدعمها بعدم التقدم باتجاه الشمال. وتابع أن قوات المعارضة المدعومة من القوات التركية ستطرد المتطرفين وتسيطر على نقطة استراتيجية تسمح لها بإقامة «منطقة عازلة تمكنها من صد أي تقدم للأكراد».

وقدمت ألمانيا دعمها لعملية جرابلس. وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الألمانية مارتن شافر إن برلين «تحترم» قرار أنقرة نقل المعركة ضد المقاتلين الأكراد الى سوريا. وأضاف أن «تركيا تعتبر، سواء من باب الخطأ أو الصواب، أن هناك روابط بين حزب العمال الكردستاني ـ الذي نعتبره أيضاً منظمة إرهابية ـ في الجانب التركي، وقسم على الأقل من الأكراد في الجانب السوري. نحن نحترم هذا الأمر ونعتبر أنه من حق تركيا المشروع التحرك ضد هذه الأنشطة الإرهابية». وتابع خلال مؤتمر صحافي «نحن ندعم تركيا في هذه النقطة».

وفي مقابل الدعم الأميركي والألماني، قالت وزارة الخارجية الروسية في بيان إن موسكو منزعجة بشدة من تصاعد التوتر على الحدود التركية - السورية بعدما أرسلت أنقرة قواتها إلى الأراضي السورية.

وفي دمشق، ندد نظام الأسد بعبور دبابات تركية الى سوريا، معتبراً أن ذلك «خرق سافر». ونقلت وكالة «سانا» عن مصدر في النظام إدانته «عبور دبابات ومدرعات تركية عند الحدود السورية - التركية الى مدينة جرابلس تحت غطاء جوي من طيران التحالف الأميركي الذي تقوده واشنطن وتعتبره خرقاً سافراً لسيادتها».

وقال زعيم حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي السوري صالح مسلم في تغريدة على موقع «تويتر» إن تركيا ستخسر في «مستنقع» سوريا مثل «داعش» وذلك بعدما قصفت القوات التركية أهدافاً في شمال سوريا. كما قال المتحدث باسم وحدات حماية الشعب الكردية ريدور خليل السور إن التدخل العسكري التركي في سوريا «اعتداء سافر على الشؤون الداخلية السورية» وهو ناجم عن اتفاق بين تركيا وإيران والحكومة السورية. 

وأضاف أن المطالب التركية بانسحاب وحدات حماية الشعب الكردية الى شرقي الفرات لا يمكن تلبيتها إلا من قبل تحالف قوات سوريا الديموقراطية المدعوم من الولايات المتحدة والذي تمثل الجماعة الكردية جزءاً رئيسياً منه ويحارب تنظيم داعش.

والتطورات في سوريا ستكون على مائدة البحث بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره الأميركي جون كيري في جنيف غداً وتتركز على الصراع في كل من سوريا وأوكرانيا. وقالت وزارة الخارجية الروسية في بيان إن الوزيرين بحثا في اتصال هاتفي أمس تطورات الأوضاع في سوريا.

الديار :

ما عجز عنه على مدى السنوات الخمس المنصرمة حصل عليه الرئىس التركي رجب طيب اردوغان في لعبة سياسية، واستخباراتية، وديبلوماسية بارعة، انتهت بتأمين غطاء اميركي لاقامة شريط حدودي تركي قد يكون بعرض عشرات الكيلومترات، وبطول يتجاوز المائة كيلومتر.
وبذريعة مباشرة اقترنت بقصف تكتيكي متبادل لازالة تنظيم «داعش» من مدينة جرابلس السورية، اجتاحت الدبابات التركية الاراضي السورية دون أي اعتراض لا من الامم المتحدة ولا من جامعة الدول العربية، في خطوة رأى فيها مراقبون وخبراء دوليون تمهيداً لعملية اوسع بكثير وتنتهي باقامة الشريط.
وبدا ان اردوغان الذي لعب على الخطين الروسي والايراني سيقبض الثمن الباهظ بغطاء اميركي وعربي، وهو الوجود الدائم على الارض السورية وبحجة مواجهة الخطرين الداعشي والكردي.
والذي اضفى بعداً اضافياً خطيراً على العملية هو ان الدخول الى جرابلس تم بقيادة تركية انضوى تحت لوائها نحو 1500 من مقاتلي المعارضة السورية تحت مسمى «الجيش السوري الحر».
وقد عكس تصريح لنائب الرئىس الاميركي جو بايدن في انقرة مدى تلاعب واشنطن بالحلفاء، اذ بعدما كانت الطائرات الاميركية تشق الطريق امام الميليشيات الكردية في خطة لاقامة كردستان السورية، حذر بايدن هذه الميليشيات من العبور الى غرب الفرات تحت طائلة وقف المساعدات لها.
وفي هذا المجال، تساءل خبراء دوليون ما اذا كانت الصفقة بين واشنطن وانقرة التي لم يتسرب شيء من تفاصيلها، تلحظ اقامة شريط تركي بدل شريط كردي، وهو ما يقطع الطريق على حزب الاتحاد الكردي والربط بين كانتون عين العرب (كوباني) وكانتون عفرين.
ولوحظ ان بيان الخارجية الروسية لم يأت بالشدة المطلوبة بل اكتفى بابداء القلق من التطورات على الحدود السورية ـ التركية.
واذ دانت الخارجية السورية انتهاك انقرة للاراضي السورية، كانت لافتة الشائعات التي واكبت العملية التركية، والى حد الكلام ان ما حصل جزء من سيناريو تشارك فيه واشنطن وموسكو وتركيا وايران، دون اي اشارة الى المملكة العربية السعودية، لبلورة تسوية في سوريا تضمن بقاء الرئىس بشار الاسد لمدة انتقالية تمتد الى خمس سنوات.
لكنّ اياً من العواصم المعنية لم تتحدث عن اي صفقة في هذا المجال وان اشارت الى ان عناصر جديدة طرأت على الازمة السورية يمكن ان تساهم في حلها تدريجياً.
وكان تصريح تركي يقول ان الشعب السوري هو الذي يحدد صيغة الحكم في بلاده قد وصف بأنه بمثابة انقلاب في موقف انقرة التي طالما طرحت نفسها على انها الوصية الاستراتيجية والتاريخية على سوريا.
ماذا على الجبهة اللبنانية التي تشهد حالياً الغليان السياسي؟ رفاق قدامى للعماد ميشال عون يسألون الى متى الحرب، حيناً، مع طواحين الهواء وحيناً مع طواحين السياسات الاقليمية والدولية، لا شك انه تناهى اليه ما قاله وزيرخارجية عربي راحل «يستطيع عون ان يصل الى قصر بعبدا، ولكن كهيكل عظمي».
ويقولون «حتى الآن لا تزال حرب الاستنزاف، وهي ضمناً حرب الالغاء، على استعارها، ضد الجنرال، وحين كان الوزير جبران باسيل يعلن من الرابية ان جلسة مجلس الوزراء اليوم ستكون اختباراً لها، وما اذا كانت تلتزم احكام الميثاقية والشراكة، كان الرفاق القدامى، وبينهم من لا يزال «عاشقاً» له، يسألون ما اذا كان النزول الى الشارع الاختبار الاخير، والقاتل، لرئيس تكتل التغيير والاصلاح...
الاسئلة التي تطرح حالياً ما اذا كانت «القوات اللبنانية» ستنزل معه الى الشارع ما دام قد رفع شعار الشراكة، وما اذا كان الحليف الآخر «حزب الله» سيجاريه في «لعبة الاقدام»، وهو الذي يعتبر، كما اظهرت محطات كثيرة، ان المؤسسة العسكرية ينبغي ان تبقى بمنأى عن اي تجاذب سياسي، كما ان سقوط الحكومة يعني سقوط الدولة.
الذين يطرحون الاسئلة يعرفون ان الوقت لا يزال مبكراً للحديث عن الشارع، لكن باسيل قال علناً بهذا الخيار اذا ما تم التمديد للعماد جان قهوجي.

ـ هاجس زيارة الجنرال الاميركي ـ

وهناك بين حلفاء عون من كان يتمنى لو ينزل الى الشارع رفضاً للشغور الرئاسي، وحيث وجود رئىس الجمهورية او عدم وجوده، هو الاختبار الحقيقي، والكبير، للميثاقية والشراكة، ومن كان يتمنى لو ينزل الى الشارع اعتراضاً على اقفال مجلس النواب، وهو ام المؤسسات الدستورية (وأم الشرائع)، ومن كان يتمنى لو ينزل الى الشارع رفضاً لتسونامي الفساد الذي يضرب كل مفاصل الدولة ويهدد باضمحلالها.
الاسئلة لا تنتهي، لماذا قبل التيار الوطني الحر بالتمديد مرتين لقائد الجيش، وهذه هي المرة الأخيرة، وفي ظروف اقليمية مصيرية بما تعنيه الكلمة؟
ومع ان زيارة قائد القيادة الاميركية الوسطى الجنرال جوزف فوتيل لليرزة مقررة، ومحددة، في وقت سابق، كان هناك داخل التيار الوطني الحر من يعتبر ان التوقيت مبرمج لكي تتزامن الزيارة والمناورة البحرية، مع اجتماع تكتل التغيير والاصلاح لاتخاذ موقف من التمديد لقهوجي...
ثمة من يقول ان فوتيل لا يعرف ان هناك كتلة برلمانية وتدعى تكتل الاصلاح والتغيير، فهل يعقل ان يوقت زيارته مع اجتماع هذا التكتل لكي يظهر في الصورة مع قائد الجيش، علماً أن للصورة دلالاتها الكبيرة بالنسبة للمسار السياسي في لبنان، لمن يتذكر صورة العماد ميشال سليمان مع الرئىس المصري حسني مبارك.
الوضع الى المجهول. بكركي قالت كلمتها. لا حكومة من دون التيار الوطني الحر وحزب الكتائب، باعتبار ان «القوات اللبنانية» لم تشارك أساساً في الحكومة.
لبنان أمام مأزق صعب، ماذا اذا استمرت المراوحة الحالية، او الانحدار الحالي، الى 30 ايلول المقبل، واستقالة الحكومة دون توقيع وزير الدفاع سمير مقبل على قرار التمديد لقهوجي؟ في هذه الحال سيصبح لبنان من دون رئىس جمهورية ومن دون قائد للجيش في ظل الحرائق التي تضرب المنطقة.

ـ البطريرك... بطريرك الموارنة ـ

وليس خفياً ان هناك بين الوزراء المسيحيين الثمانية من كان يراهن على تغطية من البطريرك مار بشارة بطرس الراعي قبل ان تصل الى احد هؤلاء الوزراء رسالة مقتضبة ظهر أمس «لا تنسَ ان البطريرك هو بطريرك الموارنة».
ولكن هناك بين الوزراء المسيحيين من يعتبر ان تعيين قائد للجيش في غياب رئىس الجمهورية هو مس بالاصول التي ترعى وضع رئىس الجمهورية الماروني والذي ما تبقى عرفاً من صلاحياته تعيين قائد الجيش باعتبار ان الرئيس هو دستوريا، القائد الاعلى للقوات المسلحة.
وهؤلاء الوزراء يقولون ان من الضروري جداً ابقاء موقع قيادة الجيش بمنأى عن التجاذب السياسي الذي هو، في الواقع تجاذب مصالح، ومع اعتبار انه مع غياب رئيس الجمهورية فان قائد الجيش العتيد بعدما تأكد اختلاف القوى المسيحية حول البديل سيتم اختياره من قبل طوائف اخرى.
اللعبة السياسية تصل الى هذا الحد، اليرزة تفضل ان تقفل النوافذ، وان تقفل الآذان. قهوجي ينفذ ما تقرره السلطة السياسية. هو سيكمل مهمته حتى 30 ايلول. اذا لم يصدر قرار التمديد او قرار تعيين البديل، فسيبادر الى تقديم التحية للعلم ثم يغادر...
واذا كان الرئيس نبيه بري قد قال في اوائل عام 2014 ان انتخاب رئيس للجمهورية سيفجر الاصطفاف الثنائي (8و14 آذار)، فما يقال الآن، من رفض للحكومة واتهاهما باللاميثاقية، ومن خلاف كبير حول قيادة الجيش، سيؤدي الى تغيير دراماتيكي في الخارطة السياسية، ونقطة انطلاقة تفجير العلاقات بين بري الذي يريد للحكومة ان تبقى ولو لم يبق منها سوى الهيكل العظمي، وعون الذي يفضل سقوط الحكومة، وبقاء المؤسسة العسكرية من دون قائد، اذا لم يعين قائد جديد للمؤسسة.

ـ الوزراء المسيحيون ـ

مرجع سياسي بارز قال لزواره ان بيد الوزراء المسيحيين الثمانية اما خراب الحكومة ومعها خراب الدولة، او الصمود والمضي في ممارسة مهماتهم دون الاخذ باي ضغوط «سياسية او روحية».
لا بل ان هناك من يسأل، وقد وصلت العلاقة بين بري وعون الى ما وصلت اليه، ما اذا كانت جلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 7 ايلول  المقبل ستطلق مفاجأة كبرى، انتخاب النائب سليمان فرنجية ليكون الرئيس اللبناني الثالث عشر مع الحديث عن امكانية تحقيق نصاب الثلثين.
الامور قد لا تصل الى هذا الحد، لكن اتصالات جرت وانتهت الى الاتفاق على عدم الاستسلام لعون على ان تعقد جلسة اليوم، ولكن دون اي قرارات استفزازية وربما من دون قرارات «اجلالاً» لقرار المقاطعة من قبل وزيري التيار جبران باسيل والياس بوصعب اللذين انضم اليهما وزير الطاشناق ارتيور نظريان.
مجرد انعقاد جلسة اليوم، حتى ولو كانت  شكلية، يعني ان الرئيس تمام سلام الذي اكد حرصه على ادارة الجلسة دون ان يتجاوز غياب باسيل وبوصعب، قد قبل التحدي، وقال انه ماض في تحمل مسؤوليته الوطنية في هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها البلاد.
واكد «اننا سنبقى حراساً لهذا الهيكل، وسنبقى في موقع المحافظة على الامانة بكل ما اعطانا الله من قوة، ولن نتراجع ولن نضعف ولن نسقط امام التحدي».
ولدى اتصال سلام ببري، ابلغه بان وزيري كتلة التنمية والتحرير علي حسن خليل وغازي زعيتر سيحضران جلسة اليوم «وكان الرأي موحداً في ان يستأخر اي قرار يتسم بالاهمية في هذه الجلسة، على ان يهدينا الله جميعاً في الجلسة المقبلة».
وكان رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد قد اصدر بيانا جاء فيه «اننا انطلاقا من حرصنا على ضرورة احاطة عمل مجلس الوزراء بمناخات الشراكة الايجابية بين كل مكوناته، وخصوصاً في هذه المرحلة، نطالب دولة الرئيس سلام بتأجيل موعد الجلسة افساحاً في المجال امام الاتصالات والمشاورات بين مختلف مكونات الحكومة لتلافي بعض الالتباسات والمعوقات»

الجمهورية :

خطفت الأضواء عملية «درع الفرات» التركية العسكرية التي انطلقت أمس لاستعادة مدينة جرابلس السورية الحدودية من سيطرة «داعش»، ووقف تهديداته للمدن الحدودية داخل اراضي تركيا، بغطاء اميركي ووسط تنديد سوري، وتزامنت مع حراك اميركي ـ روسي مشترك في السعودية لفرض حل للأزمة اليمنية حيث تشهد جدة لهذه الغاية اجتماعات لوزير الخارجية الاميركي جون كيري والموفد الخاص للرئيس الروسي ميخائيل بوغدانوف مع وزراء دول مجلس التعاون الخليجي والموفد الاممي الى اليمن احمد ولد الشيخ. علماً انّ كيري سيلتقي نظيره الروسي سيرغي لافروف غداً في جنيف للبحث في سبل حل الازمة السورية.

وتحت وطأة هذه التطورات الإقليمية والدولية المتلاحقة انحسر الاهتمام بالمأزق الداخلي المستمر فصولاً، في وقت يزور الرئيس سعد الحريري تركيا اليوم للقاء رئيسها رجب طيب اردوغان ليستطلع منه طبيعة ما يجري في المنطقة وآفاق الازمات التي تعيشها.

وتصدّر الاهتمام الداخلي جلسة مجلس الوزراء المقررة اليوم في ظل ترقّب مسعى ربع الساعة الاخيرة، وما ستحمله الساعات الفاصلة عن موعد هذه الجلسة من تطورات، بعدما قال «التيار الوطني الحر» كلمته معلقاً مشاركته فيها، ومحذّراً من المَس بـ«الميثاقية»، ما زاد من استفحال الازمة السياسية في البلاد ورفع منسوب التوتر «العوني» في ضوء إصرار رئيسها تمام سلام على المضي في عقد الجلسة في موعدها «بلا قرارات مهمة»، على رغم دخول «حزب الله» على خط المعالجة متمنياً على سلام تأجيلها «لإفساح المجال أمام الاتصالات بين مختلف مكونات الحكومة»، موضحاً انّ قراره بمقاطعة الجلسة لم يتّخذ حتى الساعة.

وفي هذا الوقت ابلغ رئيس مجلس النواب نبيه بري الى سلام، في اتصال هاتفي، انّ وزراء كتلة «التنمية والتحرير» سيحضرون الجلسة، وتمّ الاتفاق بينهما على ان «يُستأخَر أي قرار يتسِم بالاهمية في هذه الجلسة»، فيما اعلن وزير الاتصالات بطرس حرب انّ وزراء «اللقاء التشاوري» سيحضرون الجلسة.

وقد أظهرت حصيلة الاتصالات ليلاً انّ الجلسة التي تنعقد العاشرة صباح اليوم في غياب وزراء «التيار الوطني الحر» وحزب الطاشناق، وبنصاب دستوري وميثاقي، سيحضرها حلفاء التيار الاساسيين: حركة «امل» و«حزب الله»، وسيتم خلالها بحث جدول اعمال من دون وضع بنود من خارجه، بمعنى انّ جلسة اليوم لن تشهد لا تعيينات ولا تمديداً للمراكز القيادية في الجيش، لأنّ سلام، وإن كان يحرص على عمل مجلس الوزراء لتسيير شؤون الدولة والناس، فإنه ليس في وارد خلق حالة استفزازية حرصاً على التوازن الوطني واستمرارية عمل الحكومة.

وكشفت الاتصالات التي اجريت مع سلام أمس أنّ موقف «حزب الله» الداعي الى تأجيل الجلسة، كان بمثابة تسجيل موقف متضامن مع «التيار الوطني الحر»، نتيجة اتصالات أجراها رئيس تكتل «التغيير والاصلاح» النائب ميشال عون مع قيادة الحزب، اكثر ممّا هو موقف مقاطع، وكذلك بالنسبة الى حركة «امل».

إتصالات ابراهيم

وعلمت «الجمهورية» انّ اتصالات عدة جرت بعيداً من الاضواء في محاولة لرأب الصدع الذي اصاب المؤسسة الدستورية الوحيدة التي تعمل ودخل على خطها المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم، حيث أجرى امس مروحة اتصالات واسعة مع المعنيين والأفرقاء السياسيين ومع رئيس الحكومة لإيجاد مخرج وتقريب وجهات النظر تفادياً لتفاقم الازمة، وتمّ الاتفاق على حل مبدئي يقضي بعقد جلسة الحد الادنى لمجلس الوزراء بحيث لا تتعطل فيها الحكومة وتُكسر هيبة رئيسها، ولا تسير الامور في غياب مكوّن اساسي وكأنّ شيئاً لم يكن، فلا تتخذ قرارات مهمة ولا تقارب الملفات الخلافية، ولا سيما منها تلك التي يعنى بها مباشرة «التيار الوطني الحر» على ان تستأنف الاتصالات بعد الجلسة لترتيب الوضع الحكومي وايجاد صيغة ترضي جميع الاطراف وفق صيغة «لا غالب ولا مغلوب».

وقالت مصادر مواكبة للاتصالات لـ«الجمهورية» انّ هناك مُتسعاً من الوقت حتى أواخر ايلول لإجراء اتصالات، حيث لن يتسنى للحكومة ان تعقد جلسات متلاحقة لها بسبب السفرات المتتالية لرئيسها الى الخارج.

سلام

وكان سلام اعلن أمس أنه ماض في تحمّل المسؤولية الوطنية في هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها البلاد، وقال: «سنبقى حرّاساً لهذا الهيكل، وسنبقى في موقع المحافظة على الأمانة بكل ما أعطانا الله من قوة. لن نتراجع ولن نضعف ولن نسقط أمام التحدي». وشدد على انّ «المطلوب من الجميع أن يُدركوا المخاطر التي تواجهنا وأن نشبك أيدينا جميعاً لننهض مع المتفوقين من ابنائنا بهذا الوطن».

قزي

وقال وزير العمل سجعان قزي لـ«الجمهورية»: «اذا كنّا نحضر جلسة مجلس الوزراء اليوم فلتأمين عمل الحكومة وليس تحدياً لأصدقائنا في «التيار الوطني الحر» الذين نتفهّم موقفهم، ولذلك ايضاً جلسة اليوم ستكون جلسة هادئة وغير استفزازية ولن يكون فيها تعيينات أو تمديد في غيابهم».

وعن الميثاقية قال قزي: «صحيح انّ «التيار الوطني الحر» حالة ميثاقية في مجلس الوزراء ومجلس النواب وفي الوسط المسيحي، وفي المقابل، إن لم أكن نائباً فلا يعني انني لست ايضاً وزيراً ميثاقياً، فهل من الضروري ان اكون نجحت في الانتخابات عبر المحدلة أو البوسطة وبأصوات غيري لكي أمثّل المسيحيين؟ فلا نفتح هذا الباب لئلّا تطال الشظايا كل الناس».

 

اللواء :

المخرج الذي رست عليه الاتصالات يتمثل بالآتي: تعقد جلسة مجلس الوزراء في موعدها المحدّد، قبل قرار «تكتل الإصلاح والتغيير» تغييب وزيريه عنها، وفي الوقت نفسه لن يدرس المجلس بنوداً ذات أهمية، بل عادية، لا خلاف حولها اصلاً، وبعضها مرجأ من جلسة 18/8/2016 أي الخميس الماضي.
وهذا المخرج، تبلور بالاتصال الهاتفي الذي اجراه الرئيس نبيه برّي مع الرئيس تمام سلام، ويهدف، وفقاً لمصدر مطلع إلى حصر الاضرار ضمن معادلة: «عدم تعطيل الحكومة وعدم تكبير المشكل في البلد».
وسبق التوصّل إلى هذا المخرج سلسلة من الاتصالات والتحركات يمكن ايجازها بالتالي:
1- اتصال الرئيس نبيه برّي بالرئيس تمام سلام وابلاغه ان وزيري كتلة التنمية والتحرير علي حسن خليل وغازي زعيتر سيشاركان في جلسة مجلس الوزراء اليوم، إنطلاقاً من الحرص على عدم تعطيل المؤسسات آخذين بعين الاعتبار ضرورة عدم التطرق إلى أي موضوع يحتاج إلى توافق وطني في ظل غياب وزيري «التيار الوطني الحر»، واللذين ربما يتضامن معهما وزير حزب «الطاشناق» أرتور نظاريان.
وفي المعلومات ان الرئيس برّي وضع الرئيس سلام في الموقف الذي أبلغه إلى النائب ميشال عون عبر وزير التربية الياس بو صعب لجهة الحرص على دور التيار في الحكومة والابتعاد عن كل ما من شأنه ان يعرض الاستقرار للخطر وأن لا جدوى من استقالة وزيري التيار في مرحلة تعصف فيها المخاطر بلبنان من كل حدب وصوب.
وجاء موقف برّي على هامش ما جرى تداوله مع النواب في لقاء الأربعاء، وحرص