عندما ترجل الجنرال ميشال عون عن صهوة جواد مسيرته القيادية لتياره كان يظن أن الأمور ستنتقل لخليفته بإنسيابية عالية كونه لا يزال على قيد الحياة ولم يظن للحظة أنه سيواجه حراك معارض داخل التيار للقيادة الجديدة. 
فأن تتم الأمور تحت ناظريه أسهل وأكثر سلاسة لما يشكله من قيمة معنوية وهالة مقدسة بنظر أتباعه.
لكن الأمور أخذت مجرى آخر.

أبو جمرا أول متمرد:

رفيق الدرب والنضال اللواء عصام أبو جمرا كان أول من تمرد على الجنرال وإنشق عن تياره.
كانت حركة أبو جمرا أحر من الجمر لأنه من المؤسسين الأوائل للتيار العوني وللحالة العونية في لبنان، وعلى رغم مكابرة عون في التقليل من قيمة هذا الإنشقاق حينها إلا أنه لم يستطع أن يبتلع وجود حيثية كأبو جمرا خارج عن نطاق سيطرته.
لم يكن تمرد أبو جمرا حينها بسبب تولي الوزير جبران باسيل لقيادة التيار، فالإنشقاق كان أسبق لهذا وربطها حينها اللواء بتخلي الجنرال عن الشعارات السياسية والسيادية وما يخص أدبيات الدولة والوطن التي تشكل ماهية التيار العوني.
ولكن الجنرال إستطاع إستيعاب الحركة الجريئة بسبب دخوله في اللعبة السياسية في البلد وحالته الشخصية  كقيادة رمزية لهذا التيار الذي سمي على إسمه.

القيادة الجديدة:

مرر ميشال عون إستحقاق إنتخاب صهره جبران باسيل كرئيس للتيار الوطني الحر بأقل الخسائر،  أو هكذا ظن.
فبعد معركة شرسة بين باسيل وآلان عون، حسم الفوز لصالح باسيل بعد ضغوطات تعرض لها النائب آلان عون من قبل الجنرال نفسه للإنسحاب.
وحينها قدم العديد من كوادر التيار الوطني الحر إستقالتهم إعتراضا على تشويه المسيرة الديمقراطية لإختيار خليفة الجنرال عبر الإنتخابات الداخلية.
لكن آلان عون لم يتصرف بتهور على الرغم من أنه كان يمتلك الأرجحية للفوز بقيادة التيار لو ذهبت الأمور إلى الإنتخابات،  فبقي ضمن اللعبة وقريب من مركز القرار.

صراع الأصهرة:

صهر آخر للجنرال لا يقاس إلا بالجنرال نفسه، شامل روكز العميد المتقاعد يمتلك جميع الصفات التي تؤهله لأن يكون قائدا للتيار وأهمها أنه إبن المؤسسة العسكرية ويمتلك قاعدة شعبية عابرة للطوائف والمناطق والتحالفات.
هدوء روكز لا يوحي بمعركة ملتهبة تترجم لعبة عض أصابع بينه وبين باسيل على الرغم من النفي المتواصل لروكز حول هذه النقطة بالذات.
فهناك من يهمس في الصالونات السياسية أن روكز يدير المعركة الحقيقية ضد باسيل وتحول منزله إلى محطة للعاتبين والمنزعجين من الأخير وهذا ما يحرص على نفيه دائما.
وهذا النفي مبرر إذا ما لوحظ حرص روكز على وحدة التيار وقوته ومناعته ولكنه لا ينفي وجود هذا الصراع.
وتحول روكز إلى حالة باتت تعرف بالشارع ب " الروكزيون"، وهذا مصدر إزعاج وقلق لباسيل الضعيف شعبيا وجماهيريا بعد عدة تجارب فاشلة في الإنتخابات النيابية في البترون.
ولن يحسم هذا الصراع إلا بعد غياب عون نهائيا عن المشهد السياسي.
ونقطة تسجل لروكز أيضا على حساب باسيل وهي الأقاويل التي بدأت تنتشر بين الأطراف السياسية اللبنانية عن صيغة لتسوية ملف رئاسة الجمهورية وتنتهي بإنتخاب العميد شامل روكز وهذا يشكل خطر وجودي على حالة باسيل السياسية داخل وخارج التيار.

آخر المتمردين زياد عبس:

إبن الأشرفية ورجل عون القوي في المنطقة وصاحب سجل 28 إعتقال في السجون اللبنانية إبان  حكم الوصاية السورية زياد عبس أخذ حصته من التمرد أيضا. هذه المرة ضد باسيل الذي أصدر قرارا بتعليق عضويته ل 4 أشهر وحل هيئة دائرة بيروت الأولى في التيار.
الخلاف بدأ منذ ترشح باسيل وإعتراض عبس على ذلك وتطور بعد وقوع إشكال بين عبس وأنصار الوزير السابق ونائب رئيس التيار نقولا صحناوي على خلفية إدارة المعركة الإنتخابية.
لكن القرار لم يمر مرور الكرام،  فما أن أصدر حتى سجلت حالات تضامن شعبية واسعة مع عبس ومن نخب في التيار،  وهي رسالة لباسيل واضحة برفضهم لهذا القرار.
وستشهد معركة إنتخابية داخلية رفض بموجبه ترشح عبس لكن أصوات الإعتراض بعدم التصويت للصحناوي ستكون أكبر رد ورسالة.
فنضاليا،  سجل عبس ذهبي مقابل سجل باسيل الفارغ، والقاعدة الشعبية للتيار العوني تحترم وتجل أولئك المناضلين الذين ضحوا بالغالي والنفيس كرمى للحالة العونية وعبس من ضمنهم.
ومعروف عن الرجل أنه يكمل معركته للنهاية،  وإذا ما تم ذلك فحالات من التململ داخل القواعد الشعبية ستبدأ بالظهور خصوصا في بيروت  وهذا ليس لصالح القيادة الجديدة في التيار المتمثلة بجبران باسيل.

التمرد باق ويتمدد:

لا شك أن جبران باسيل مغضوب عليه شعبيا داخل قواعد التيار الوطني الحر،  ولا شك أن الرسائل الشعبية لهذه القواعد لجنرالهم المتقاعد في الرابية ستستمر في السطوع أكثر في المستقبل القريب.
كل الأمور لا زالت تطبخ في الرابية،  فعون في التيار ليس صلاحيات بل حالة وهالة، والجمهور هو الفيصل والحكم.
ورسالة هؤلاء:  لا نريد باسيل والتمرد باق ويتمدد.