ذا كانت بطلة الفيلم مليكة قد أُسرت في العام 842 م، بحسب موقع الفيلم، وكان عمرها 13 سنة بحسب الرواية الشيعية، فكيف يصحّ أن تكون هي زوجة الإمام الحسن العسكري الذي ولد العام 846 م، أي أن العسكري ولد بعد أسرها بأربع سنوات، وهي بالتالي أكبر منه بسبعة عشر عاماً على الأقلّ!

 

تقول الرواية إنّه عندما دخلت مليكة منزل الإمام علي الهادي، كان الهادي يحدّث أخته حكيمة وولده الحسن العسكري، فهل يُعقل أن يحدّث ولده العام 842 م وهو لم يولد إلا سنة 846 م. والأغرب من ذلك أن الفيلم يقول إنّه في السنة الثانية لأسر مليكة ولد المهدي – المخلّص الموعود – أي سنة 843 م. بينما يُجمع الشيعة أن ولادة المهدي كانت سنة 255 هـ، أي حوالي 869 م. عجباً، ألا يعرف القيمون على الفيلم كيف يربطون التاريخ الذي أعلنوه للأحداث بتواريخ ولادة أئمتهم حتى لا تتعارض على الأقل، قبل أن يدّعوا أنها وقائع تاريخية موثّقة.

 

طبعاً هناك بعض علماء الدين الشيعة كالعراقي السيد محمد علي الحلو، ممن التفتوا أو لحظوا هذه التناقضات فأهملوها ولم يأخذوا بها، وذهبوا يبحثون عن وقائع في التاريخ تساعد على إسقاط رواية أحلام مليكة عليها وتجعلها أكثر واقعية. مع اعترافهم بأنّهم لا يجدون ذكراً أو نسباً لمليكة في كتب الغرب والكتب البيزنطية، معتبرين أنّه من الطبيعي ألا يذكر مؤرخو الغرب عنها شيئاً حتى لا يقرّوا (بالحقيقة)!!

هكذا بكل بساطة؟

رغم أنّ المؤرخين البيزنطيين والغربيين اعترفوا بأنّ عديل (زوج شقيقة زوجة الإمبراطور) الإمبراطور ثيوفيلوس وأحد كبار وزرائه قسطنطين بابوتزيكوس، قد وقع في الأسر، وكذلك قائد الجند كراتيروس وحاكم الأناضول ايتيوس الذي تسميه المصادر العربية مناطس أو ياطس.

 

لكن إصراراً منهم على البحث عن وقائع تناسب الرواية قالوا إنّ مليكة ذكرت أنّها حفيدة القيصر، والقيصر هو لقب أطلقه الأمبراطور مخائيل الثالث على خاله بارداس وجعل السلطة بين يديه. وبما أن القيصر بارداس قُتل بمؤامرة من صديق الأمبراطور باسيل المقدوني العام 866 م، ثم قتل المقدوني الإمبراطور نفسه في السنة التالية واستولى على السلطة… فلقد اعتبر هؤلاء أنّ مليكة حفيدة القيصر بارداس. وبعدما قُتل القيصر بارداس وابن أخته الأمبراطور مخائيل الثالث تشرّدت أميرات القصر هرباً من باسيل المقدوني، فوقعت مليكة بأيدي المسلمين، لتصبح بعد شرائها من سوق النخاسة زوجة الإمام الحسن العسكري أو جاريته وتنجب منه المهدي العام 869 م.

 

لكنّ هذه القصة، كسابقتها، تنقضها أيضاً الكثير من الوقائع. فالقيصر بارداس ليس لديه ابن اسمه يشوعا، بل صبي اسمه اغناطيوس وفتاة اسمها إيرين، كما لم يكن لديه حفيدة اسمها مليكة ولا قائد جند اسمه كراتيروس.

للإنصاف، فإنّ بعض كبار علماء الدين الشيعة كان لديهم رأي آخر بهذه القصة. إذ يقول عالم الدين العراقي المقيم في إيران السيد كمال الحيدري في إحدى محاضراته على يوتيوب إنّ “شخصاً كان مغرماً بالإمام المهدي فاخترع قصّة عنه”. وينقل عن آية الله الشيخ محمد آصف المحسني إنّ “القصة خيالية من بعض الرواة”. ويقول مركز الأبحاث العقائدية التابع للمرجع الديني السيد علي السيستاني المقيم في النجف في العراق إنّ “رواية بِشر بن سليمان النخّاس لم تثبت صحّة سندها”. وتقول كتب الشيعة المتخصصة في علم الرجال (الذي يبحث في مصداقية رواة الأحاديث الدينية) إنّ “بِشر بن سليمان مجهول وغير معروف”.

 

وربما التفت هؤلاء إلى أن هذه الرواية التي يرفضونها قد ذُكرت للمرّة الأولى في العام 286 هـ أي 900 م بحسب الشيخ الصدوق، أي بعد نحو 60 عاماً على سنة 842 م حين أُسرت مليكة. وعلى مدى كل هذه السنوات لم يسمع الشيعة بهذه الرواية، ولم يذكرها الإمام المهدي الذي أنجبته مليكة، ولا أحد من سفرائه الأربعة الذين عاصروا تلك المرحلة. لنجد في النهاية أنّ ما قالوا لنا عنها إنّها حقائق تاريخية موثقة، لا يأخذ بها بعض المراجع وبعض كبار العلماء.

وفي النهاية، وبعد المعطيات المذكورة، يبدو أنّ الفيلم هو مجرد رواية رجل غير معروف لحلم روته له أميرة غير موجودة! وهو أقرب إلى قصص “ألف ليلة وليلة”. وإنّها لفضيحة تاريخية وثقافية أن تقدّم لنا أحداثه على أنها حقائق ثابتة.

إنها ثقافة الوهم. ثقافة “تحويل الوقائع المصطنعة إلى حقائق مغلفة بالقداسة”. وهي منظومة تشترك فيها كل الثقافات الدينية المتزمتة والمغلقة على ذاتها. وينفق على نشرها الملايين من الدولارات، وتسيل أنهار من الدماء لتغليب وهم على وهم آخر. كلٌّ يدّعي أنّ وهمه هو الحقيقة المطلقة.