حينما يكون العراق مُستهدفاً يصبح الحياد خيانة والصمت تواطئاً. من هذا المنطلق تقضي مهمة الكاتب الوطني المخلص بوجوب تجنيد فكره وقلمه للذود بالدفاع عن وطنه وأهله،  وتقضي بوجوب رصد المخططات والبرامج التآمرية وكشفها وفضحها وتحليلها والوقوف بوجهها من دون محاباة ولا موالاة لأي جهة خارجية تسيء للعراق وشعبه، وهكذا كانت لنا مواقف شجاعة وجريئة ضد توجهات دول الجوار من دون استثناء. وكنا نحرص أشد الحرص على التمسك بوحدة الموضوع حتى لا نشتت أذهان القراء، وحتى لا نخلط الأوراق المتطايرة في الفضاءات السياسية المتداخلة.   لقد كنت في مقدمة الذين وقفوا ضد إيران عندما قطعت شرايين الأنهار والروافد التي تسقي حقول وادي الرافدين، وفي طليعة الذين شجبوا الزحوفات البحرية الإيرانية، ووقفت تحت قبة البرلمان عام 2010  للتنديد بها وتوضيح نتائجها المؤثرة علينا، وكتبت أشهر مؤلفاتي التي تناولت فيها تلك التجاوزات الحدودية من كافة أبعادها الملاحية والجغرافية والتاريخية والسياسية والتشريعية، وخير مثال على ذلك كتابي الوثائقي الجريء (عراق بلا سواحل) الذي نشرته عام 2013 وصار من أقوى المراجع الجيوبولتيكية في المكتبة العربية.   ربما يظن القارئ الكريم أنني أعيش في الخارج وامتلك الحرية المطلقة للتعبير عن مواقفي الوطنية من دون أن أخشى أحد، فأنا لم أغادر العراق منذ عام 2003، ومازلت أسكن في قلب مدينة البصرة. يعزا سر هذه الشجاعة إلى تمسكي بكلمة الحق، ووقوفي على أرض صلبة. لأنها أرض الأنبياء والأوصياء والأئمة والقادة العظام، فالعراق أقوم البلدان قبلة وأعذبها دجلة وأقدمها تفصيلاً وجملة.   لكنني فوجئت بفئات مريبة من المتحالفين سراً مع الدواعش والمناصرين لهم. فوجئت بامتعاضهم من كتاباتي التي تكشف خسة الدواعش ونذالتهم، فما أن نستنكر جرائمهم ونشجب مجازرهم ضد أشقائنا المسيحيين والأيزيديين حتى يعترضوا علينا، ويطالبوننا بشجب مواقف إيران على الرغم من أنها لم تكن طرفاً في المجازر المسيحية، وما أن نقف مع ضحايا أهلنا من عشيرة البونمر حتى يعترضوا علينا بذرائع لا تمت للموضوع بصلة، وما أن نرصد التواطؤ التركي مع الدواعش حتى يطالبوننا بالتعريض بالمواقف الإيرانية المناوئة لتركيا والتشهير بها، وكأنما صارت إيران هي الشماعة الوحيدة التي ينبغي أن نعلق عليها كل كوارثنا ومصائبنا ونكباتنا، أو كأنما صارت تركيا هي الحمل الوديع الذي يسرح ويمرح في حدائقنا الشمالية.   لقد فقد هؤلاء ضمائرهم، ونزعوا الرحمة من قلوبهم، وأعمتهم الطائفية البغيضة، فتجاهلوا مسلسل الجرائم البشعة التي ارتكبتها داعش في سوريا والعراق، والتي خالفت فيها كل الشرائع والقيم السماوية، وانتهكت فيها الأعراف الإنسانية، ولا فرق هنا بين المتظاهرين بالمواقف الوطنية، وبين التكفيريين المروجين لثقافة الموت والدمار.   ربما لا يستطيع هؤلاء البوح بولائهم لداعش، لكنهم فضحوا أنفسهم عندما ظهروا على حقيقتهم بتغافلهم السافر عن المصيبة الكبرى، التي وقعت فوق رؤوس المسيحيين والأيزيديين. حتى الفضائيات التي لم تعلن وقوفها صراحة مع الدواعش تعمدت تضليل الناس والتشويش عليهم، حتى لا يروا ما فعلته داعش في القرى المسيحية، وحتى لا ينتبهوا إلى ما يفعله بنا الغجر المرتبطين بقطر. ألا لعنة الله عليهم وعلى كل العملاء والمنافقين والمتآمرين والمتلونين، وتباً لأعداء الشعب العراقي كافة من صغيرهم إلى كبيرهم.