لا يستطيع أحد الجزم منذ الآن بأن الاحتواء الموقت لـ"داعش" و"النصرة" وأمثالهما بواسطة "التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب" سوف يلاقي النجاح المطلوب. لكن احتمالات فشله تضعف كثيراً إذا تصرفت زعيمة هذا التحالف الولايات المتحدة وشريكاتها فيه من الدول الكبرى عالمياً، كما من الدول الإقليمية الكبرى أو الطامحة إلى أن تكون كبرى، بكثير من الحكمة والوعي والإدراك التام لمصالحها من دون إغفال المصالح الفعلية والحيوية لشعوب المنطقة وليس لحكامها وأنظمتها فقط. والتصرّف بحكمة يعني أولاً مبادرة الإدارة الأميركية إلى إقناع روسيا الإتحادية بأن مصالحها المتنوعة تفرض عليها أن تكون داخل التحالف الذي سيقرّر وإن بعد سنوات طويلة، مصير الشرق الأوسط ومستقبل كياناته ودوله وأنظمته، والذي سيضاعف ذلك حظوظه في أن تكون له الكلمة الأولى في العالم الأوسع. والإقناع يمكن أن يتم بمصارحة الرئيس فلاديمير بوتين، وهو صاحب القرار وحده في بلاده بما يعرفه عن بلاده من حقائق. وأولاها أن وضعها الاقتصادي صعب جداً، وأن بناها التحتية المتنوعة بما في ذلك العسكرية منها تحتاج الى تجديد وربما الى إعادة بناء، وان بحبوحتها المالية بسبب ثروتها الضخمة من الغاز والنفط لن تستمر إذا استمر الخلاف السياسي الحاد بينها وبين أوروبا وأميركا. ذلك أن خزان الشرق الأوسط من النفط سيبقى دائماً تحت سيطرة الغرب الأميركي، وهو سيستعمله في حال تحول الخلاف صراعاً مكشوفاً بل حرباً باردة مباشرة أو حامية بواسطة الآخرين للاحتفاظ بحلفاء أوروبيين مزمنين ولاجتذاب حلفاء جدد، أو لصنع اصدقاء في العالم مثل الهند والصين وغيرهما وتالياً لإزالة فاعلية استعمال سلاح الغاز والنفط في أوروبا ومع آسيا. والإقناع نفسه يمكن أن يتم ايضاً بالعمل مع بوتين على حل لمشكلة أوكرانيا بحيث لا تتحول حرباً تستنزفها تماماً مثلما فعل احتلالها افغانستان القرن الماضي، وخصوصاً إذا توسعت حرب الاستنزاف هذه إلى دول أوروبية عدة يتحدّر قسم من شعوبها من أصل روسي، ويمكن أن يُساعَد على ايجاد الحل لها. ومن شأن ذلك رفع العقوبات التي يدرك الرئيس الروسي قبل غيره مدى أذاها لشعبه ولمكانته الشعبية في بلاده. والعامل الذي قد يسهِّل عملية الإقناع المشار إليها هو معاناة روسيا من الإرهاب "الإسلامي التكفيري العنفي" كما يسمى اليوم، وسابقاً خوفها من تجدد المعاناة لأن بذوره بل جذوره لا تزال موجودة. فضلاً عن أنها حضرت مؤتمر باريس الذي خصِّص لتأسيس "التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب"، وأعطت أكثر من اشارة، وإن مبطّنة، إلى استعدادها للمشاركة في الحرب على الإرهاب، وللامتناع عن التدخل العسكري المباشر دعماً لحليفها في سوريا أي نظام الأسد، وللعمل على حل سياسي لا يكون هدفه المحافظة على الأسد ورئاسته. طبعاً لا بد في هذا المجال من الإشارة الى أن على أميركا أن تخفِّف مخاوف روسيا بل رئيسها بوتين بعدما صار حلف شمال الاطلسي طوقاً عسكرياً حولها.
هل يكفي اقناع روسيا بالانضمام الى التحالف لمكافحة الإرهاب بوصفها شريكاً كبيراً للنجاح في احتوائه بإجراءات سياسية في دول المنطقة وفي مقدمها العراق وسوريا؟
هذا الانضمام مهم جداً وقد يساعد على إنجاح المكافحة. لكن يلزمه لضمان النجاح إنضمام طرف إقليمي مهم جداً إلى التحالف الذي تأسّس أخيراً هو الجمهورية الإسلامية الإيرانية. ولا يفيد هنا رفض "عضويتها" فيه لأنها جزء من المشكلة في سوريا. فالأعضاء العرب والمسلمون فيه مثل السعودية وقطر وتركيا هم أيضاً جزء من المشكلة أو صاروا، رغم أن الانصاف يقتضي الإشارة الى أن دور ايران في تكبير المشكلة، وخصوصاً في سوريا، أكبر وبكثير من أدوار الآخرين وأقدم، وقبولها عضواً يقتضي نجاح المفاوضات النووية بينها وبين المجموعة الدولية 5 +1 بتنازلات من الفريقين تضمن تخفيف خطر انتشار الأسلحة النووية في المنطقة. ويقتضي في الوقت نفسه تفاهم أميركا وحلفائها العرب وغيرهم في الشرق الأوسط على أدوار كل منهم فيه بحيث يتوقف كل منهم عن محاولة الهيمنة على المنطقة مستعملاً للنجاح في ذلك الطائفية والمذهبية والدين والتعصّب القومي والكيليشيهات التي لم تنتج منذ اتفاق سايكس – بيكو إلا دولاً مشوَّهة وأنظمة فاسدة وممزَّقة وشعوباً مقموعة ومقهورة.
هل يحتوي نجاح محاولات الإقناع المفصلة أعلاه، مع اقتصار العمل العسكري لـ"التحالف" على الضربات الجوية، المنظمات الإرهابية؟ أم ستكون هناك حاجة لوسائل أخرى تضمن تدميرها؟