بدعوة من "المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق"، تنعقد بعد ظهر اليوم، في فندق "كورال بيتش"، في بيروت، ندوة حوارية بحضور عدد كبير من الباحثين والمفكرين العرب، وذلك لمناقشة تطوّرات الوضع العربي بعد مرور اربعة اعوام على الثورات العربية وما خلفته من أحداث ومتغيّرات.
وقد أعدّ المركز ورقة عمل أولية للنقاش تنطلق من واقع مضي أربعة أعوام تقريباً على بدء التحولات في العالم العربي، من دون أن تتضح بعد الوجهة الجديدة للمنطقة، فصار البحث عن حلول للأزمات المتصاعدة، بديلاً عن التقدم الى الأمام في رحلة تحقيق الحرية والعدالة والاستقلال.
كما أدى تقدم القوى المتطرفة على المسرح الإقليمي وتصاعد نزعتها التدميرية، الى ارتفاع حدة المخاطر، في ما يهدّد تصاعد الاضطرابات وتوسعها الراهن وحدة دول المنطقة، دافعاً بقوى التفتيت والتجزئة الى صدارة المشهد السياسي والاجتماعي والثقافي، كما جاء في الورقة نفسها.
وقد زاد التدفق المتسارع للتطورات وكثافة اللاعبين على مسرح ضيق، من صعوبة استيلاد مشروع عربي وإقليمي بديل، ووضع دول المنطقة وشعوبها أمام تحديات كبيرة، وعقبات يصعب تذليلها ضمن ما هو قائم من معادلات ورؤى. ويزيد الأمر صعوبة نجاح القوى القديمة في التقاط انفاسها وتمكنها من إنعاش خلايا الانظمة السابقة، في وقت تعجز فيه القوى الجديدة عن احتلال موقع قدم ثابت على مسار الاحداث.
ويشار هنا الى الدور السلبي الذي أدّته وتؤديه الريوع النفطية وفوائضها المتراكمة في عرقلة مسار التغيير وتعميق الانقسامات وإثارة العصبيات.
وتركز ورقة العمل على تعاظم المخاطر الاستراتيجية، فما يحدث في المنطقة لا يقف عند حدود إطاحة الاستقرار الداخلي، بل يفاقم الخلل القائم في موازين القوى مع العدو، وهو يستنزف دول المواجهة في صراعات داخلية مدعومة من الخارج، كما يعبر عن ذلك بصورة خاصة السعي المتواصل لتدمير الدولة السورية وتهديد وحدة العراق وغيره.
لكن بيئة المخاطر هذه حافلة بالفرص أيضاً، ففي خضم السيولة الإقليمية الراهنة وتحولات النظام الدولي، طفت على السطح تيارات واتجاهات كانت مغيبة في السابق، وأسهم وجودها في توسيع المجال السياسي. وقد غدا صعباً تحكم قوة عالمية واحدة بالسياسة العالمية، في وقت صار فيه البعد الاقليمي هو العنصر الغالب على النزاعات والقضايا العالمية على حساب البعدين المحلي والعالمي.
كل ذلك يفتح افق الوضع الراهن على الاحتمالات والإمكانات الآتية التي تمثل كل واحدة منها وجهة نظر مطروحة للنقاش:

- تزايد المصلحة المشتركة عند القوى والفئات المنخرطة في الصراع، والمتضررة في الوقت نفسه من امتداد نيرانه، بالوصول الى تسوية تاريخية بين المكونات الأساسية في المنطقة، مبنية على حوار عميق وتفاهمات حقيقية فيما بينها. ويشكل ذلك حسب هذا الرأي فرصة سانحة لبناء نظام عربي وإسلامي يعزز التعاون بين دوله ويمهّد السبيل أمام الإصلاح السياسي والاقتصادي - الاجتماعي.

- انحسار التبعية، ففي ظل الحراك السياسي والشعبي في دول عربية عدة، لم يعد سهلاً إخضاع المنطقة لمسار الارتهان المطلق للإرادة الخارجية كما كان الأمر سابقاً.

- عودة الدولة المركزية محميّة بالجيوش، وهذا من شأنه محاصرة حركات العنف والتكفير وضمان الاستقرار. وهناك من يتفاءل بإمكانية عودة مصر إلى تأدية دورها كقطب فعال وتوازني في المنطقة العربية.


إن مواجهة التحديات واغتنام الفرص، وفق ورقة العمل، يتطلبان مشروعاً عربياً جديداً، يتجاوز الانقسامات الراهنة ويتحلى برؤية شاملة، وهذا يطرح أسئلة عن القوى الرافعة لمشروع كهذا والمستعدة للانخراط فيه، ودورها في مسار التغيير المنشود.

لكن هذا المسار لا يكتمل بتغيير آليات إنتاج السلطة وتداولها فحسب، بل يستلزم توفير شروط تأسيسية وجيو - سياسية تتمثل خصوصاً في ثلاثة أمور: اولاً، المصالحة بين المكونات السياسية والاجتماعية والعرقية والدينية في إطار المشاريع المذكورة، ثانياً، التوازن مع العدو من خلال تعبئة القوة العربية الذاتية وإقامة تحالفات مناسبة مع المحيط، ثالثاً، التعامل بجدية مع التحدي الاقتصادي الذي ينشر المظالم الاجتماعية ويسهم في خلق بيئة مضادة للتغيير.