شعر المصريون، أو غالبية مهمة منهم، بخيبة أمل من الثورة التي قاموا بها على الرئيس حسني مبارك ونظامه العائلي – الأمني – العسكري في 25 يناير 2011. ذلك أنها بدلاً من الاهتمام بالحاجات المعيشية والاجتماعية والاقتصادية للشعب، وبدلاً من العمل الجاد لوضع أسس متينة لنظام جديد يكفل حرية الناس في اختيار نمط عيشهم، وفي معتقداتهم السياسية والدينية وممثليهم سواء في مجلس الشعب أو في رئاسة الدولة، وبدلاً من اعتبار الفساد أولوية لا بد من معالجته، بدلاً من كل ذلك، افسحت في المجال لـ"جماعة الاخوان المسلمين" للوصول الى رئاسة الدولة، ولمحاولة إقامة نظامهم الخاص في مصر، الذي لن يكون أفضل من النظام السابق الذي أُرسيت أسسه عام 1952 بل ربما أسوأ وبكثير. ماذا عن الثورة التي قام بها المصريون انفسهم أو غالبيتهم على الحكم "الاخواني" لبلادهم في 30 يونيو 2013؟ هل يشعرون برضى عليها، وتحديداً على المشير عبد الفتاح السيسي الذي أوصلته الى رئاسة الجمهورية؟ وهل يشعرون تحديداً بالاطمئنان إلى المستقبل الذي يعدهم به، أم بدأوا يخشون أن يصابوا بخيبة أمل جديدة مثلما حصل لهم مع مرسي، وقبله مع مبارك والسادات؟
يجيب عدد من الذين شاركوا في الثورتين المصريتين المشار اليهما أن الحكم سلباً أو ايجاباً على نتيجة الثانية، وتحديداً على حكم الرئيس السيسي، لا يزال سابقاً لأوانه، إذ "ليس له في القصر إلا من مبارح العصر". فضلاً عن أن مشكلات مصر كثيرة، وتحتاج حلولها إلى وقت وإلى أموال وإلى مناخات اقليمية ودولية جيدة. ومعظم ذلك غير متوافر حاليا. لكنهم يضيفون أن ذلك لا يمنع ذكر ملاحظات، وحتى انتقادات، على أداء الحكم الذي انبثق من الثورة الثانية، وذلك بهدف لفت النظر والدعوة إلى التصحيح، وإلى اختيار الطريق الصحيحة لتحقيق مطالب الجماهير الشعبية التي طالبت مرتين خلال سنتين بالتغيير الشامل. علماً أنه تجدر الاشارة هنا إلى أن هؤلاء ليسوا "اخوانا" ولا "فلولاً".
الملاحظة الانتقادية الأولى تفيد أن الجيش المصري، ورغم امتيازاته و"حقوقه" الاقتصادية الضخمة المعروفة من المصريين والعالم، كان يشعر قبل 2011 أن الرئيس مبارك صادر السلطة، وأقام حكماً عائلياً، وركَّز أنصاره في المؤسسة العسكرية، وبدأ يهيئ فعلاً لتوريث الحكم بل الدولة والشعب إلى نجله جمال. ودفع ذلك المسؤول الأرفع فيها المشير حسين طنطاوي وكبار الضباط إلى اتخاذ قرار باستعادة السلطة من خلال اسقاط مبارك. ونُقِل عن طنطاوي في حينه الجملة الآتية: "لن يتم التوريث ولو على جثة آخر جندي مصري". وقد ظهر ذلك في وضوح يوم تحركت الدبابات إبان الثورة الأولى وعلى بعضها شعارات مكتوبة تدعو إلى اسقاط مبارك. وهو يظهر اليوم أيضاً عبر ممارسات عدة، مثل إقدام اللواء السيسي على ترفيع نفسه إلى رتبة مشير، في حين انه لا يحتاج إليها عندما يصبح رئيساً بأصوات غالبية الناخبين. علماً أن "مثله الأعلى"، على ما يقول، الرئيس الراحل عبد الناصر كان برتبة "بكباشي" يوم قام بالانقلاب – الثورة، ولم يقم بترفيع نفسه أبداً. ومثل مبادرة استعمال "البيسيكلات" في التنقُل التي رافقه فيها، وفي ساعات الصباح حرس جمهوري، ثم تلامذة من المدرسة الحربية، والتي أراد منها دفع الناس إلى إبدال السيارات بها. علماً ان كثافة السير في القاهرة الصغرى والكبرى لا تسمح لـ"عجلة" بالسير، فكيف بـ"عجلات". ومثل اعتقال عدد من الشركاء في الثورة الثانية التي أوصلت السيسي إلى رئاسة الدولة. ومثل سنِّ قانون تظاهر مخالف للدستور. ومثل التعاطي بقسوة مع الإعلام، رغم أن بعضه سيء ومسيء. ومثل رفع الدعم عن عدد من السلع الحيوية للمصريين. فهذه الخطوة ضرورية من حيث المبدأ، لكن كان على الدولة أن تعطي المصريين، ولا سيما الفقراء منهم وهم غالبية، شيئاً في المقابل يعوّضهم. وهي لم تفعل. علماً أن ناصر، الذي يتم تشبيه سيد الحكم الجديد به، اهتم ومنذ بداية حكمه بالفقراء، منفذاً إصلاحاً زراعياً ومؤسِّساً لصناعات ومنشئاً لمدارس. وعلماً أيضاً أن الفقراء في مصر وأبناء الطبقة الوسطة هم الذين قاموا بالثورة. ومثل تعيين نسيب له رئيسا للأركان في القوات المسلحة. والهدف من ذلك هو ضمان بقائها بإمرته لاستعمالها في حال الحاجة إليها، سواء لمصلحة الشعب أو لمصلحته. ومعروف ان رئيس الأركان هو الذي يحرّك قطعات الجيش لا أحد سواه.
هل من ملاحظات انتقادية أخرى على بدايات حكم الثورة الثانية في مصر؟

sarkis.naoum@annahar.com.lb