في قصة نادرة تتجسد فيها تقاليد تعود في معظمها الى مراسم تنصيب جورج واشنطن عام 1789، خرج الديمقراطي باراك اوباما، الذي شكل علامة فارقة في تاريخ الرئاسة الاميركية، من الجهة الغربية للبيت الابيض، ليدخل ظاهرة القرن الواحد والعشرين دونالد ترامب من الباب الشرقي، لخمس ساعات سترسم مسار العالم لاربع سنوات قادمة، حدد معالمه في اطلالته الاولى واستكمله في خطاب قسمه امس، يقرأ بين سطوره شراكة وتعاون مع «الحلفاء العرب» على حساب تحجيم الجمهورية الاسلامية.
واذا كان مع كل انتخابات رئاسية اميركية يتطلع اللبنانيون الى الادارة الجديدة مترقبين كيفية تعاطيها مع ملفاتهم ومشاريعها لهم، فان لهذه المرة طعمها الخاص، ذلك ان تسويته الرئاسية ببنيتها وتوازناتها استندت الى انتصار مسبق قلبته نتائج التصويت الصاعقة، ما طرح علامات استفهام ومخاوف، وسط حنين البعض لعودة زمن «بوش الابن».
صحيح ان وضع لبنان الداخلي ليس من ضمن اوليات الاجندة الاميركية، لكنه موجود عليها نظرا لارتباط الملفات المهمة في المنطقة بوضعه بشكل مباشر وغير مباشر، خصوصا لتموضعه نتيجة تركيبته الداخلية على تقاطع المصالح الايرانية - السورية - الخليجية. من هنا فان الادارة الجمهورية لن تغير من تعاطيها المباشر مع الملف اللبناني حاليا بانتظار تحديد الخيارات والمسارات في المنطقة وهي ورشة بدأت وينتظر ان تستكمل مع نهاية الربيع المقبل، الا في حال حصول طارئ امني او عسكري «يدمج لبنان بالواقع الاقليمي».
في هذا الاطار تعتبر مصادر دبلوماسية واسعة الاطلاع في بيروت، ان تغييرات ستطرأ على السياسة الاميركية في لبنان «تأخذ في الاعتبار آراء اللبنانيين كمجموعات وشخصيات سياسية، لجهة الهيكلية وآليات التنفيذ، الا ان المبادئ الاساسية ستبقى مرتكزة الى مساعدة اللبنانيين على مواجهة الاخطار الاقتصادية والاجتماعية المختلفة، تشجيعهم على اقامة حوار جدي يعبر فعلا عن تطلعات المجموعات والشخصيات السياسية، التزام القرارات الدولية وفي مقدمتها القرار 1559 بما طبق ولم يطبق منه».
قرار دولي يرى فيه ترامب وفريق عمليه اداة اساسية لمواجهة خطر ايران على لبنان  والمنطقة من خلال حزب الله، والهواجس المرتبطة بدوره ، بعدما اصبح اقوى مع انخراطه في الحرب السورية، والذي يجب ان تستمر العقوبات المفروضة عليه وتعزيزها «لان لا قدرة لاي ادارة على تغيير نظرتها للحزب المصنف على لائحة الارهاب العالمية»، بحسب المصادر التي رأت ان موقف الادارة الجديد واضح وحاسم لناحية التازمها الكامل بتنفيذ القرارات الدولية بما فيها وعلى رأسها القرار 1559، لما قد يشكله من ضغط على  طهران في المرحلة المقبلة،والذي يشكل ركيزة دعمها ومساعداتها للقوى العسكرية والامنية اللبنانية، والكفيل بابعاد لبنان عن كل الصراعات المحيطة فيه»، مشددة على ان «لا احد يستطيع ان يساعد اللبنانيين الا انفسهم وواشنطن ستكون الى جانبهم» ، جازمة بان ترامب لن ينفذ قرارات دولية «يتهرب اللبنانيون منها، لذلك عليهم تحديد ماذا يريدون من الادارة الجمهورية، لانهم حتى الساعة لا يعرفون ذلك»، لافتة الى ان الاوضاع تغيرت عما كانت عليه عام 2005، فما كان يصح زمن الرئيس بوش لم يعد صالحا اليوم.
وتكشف المصادر ان محور العلاقات الاميركية-اللبنانية سيتمحور حول ملفين اساسيين:الاول، المساعدات العسكرية وهو برنامج سيستمر بنفس الوتيرة الحالية، لا سيما ان اياً من الخطط المرسومة سلفا من دعم للجيش والقوى الامنية والمجتمعات المحلية والنشاطات الاجتماعية لن يتغير،والثاني،مرتبط بالملف النفطي والمالي، من منطلق سعي واشنطن لتحصيلها وكسبها لصفقات مالية من دول العالم مقابل «خدمات الحماية» التي ستقدمها لهم، ولبنان شأنه في ذلك شأن دول الخليج وحتى الصين». من هنا يمكن فهم الحديث عن «التدخل» غير المباشر لواشنطن في التعيينات الادارية والعسكرية المرتبطة بالملفين المذكورين والذين يحتلان اهمية قصوى في جدول اعمالها.
ولكن ماذا عن العلاقة بالعهد الجديد في لبنان؟ لا يخفي المرجع ان التسوية التي اوصلت العماد ميشال عون الى قصر بعبدا، جاءت تتويجا لاتصالات قادتها فرنسا بعد تكليفها من ادارة الرئيس اوباما بالملف، على اعتبار ان الساكن الجديد للبيت الابيض سيكون المرشحة يومها هيلاري كلينتون، لذلك جاءت التسوية بمثابة انتصار للمحور الايراني وانكسار للسعودية، غير ان المشهد الذي انقلب مع وصول الجمهوريين والتعيينات الاساسية في المراكز الحساسة، حول السعودية الى نقطة ارتكاز لواشنطن في المنطقة، من جديد، ما اعاد خلط الاوراق لبنانيا لمصلحة ارساء توازنات جديدة . 
امر بحسب المصادر تلقفته بعبدا وبادرت الى فتح قنوات الاتصال مع السعودية ،فكانت الزيارة الاولى الخارجية لرئيس الجمهورية الى الرياض، بعدما لمس الفريق العوني ان التوازن الاقليمي الجديد الذي بدأت ملامحه بالظهور قد يقوي الرئاسة الثالثة على حساب الرئاسة الاولى، ذلك ان الثانية تجيد اللعب بدقة بين النقاط ماسكة العصا من نصفها، مشيدة بكلام واداء رئيس الجمهورية الآخذ في بلورة خطاب قسمه اكثر في اكثر، مطلقا المبادرات واهمها محاولته للعب دور على خط طهران-الرياض املا بتحييد لبنان عن شد الحبال المستقبلي، وهو ما يحظى بترحيب اميركي، حيث يمكن لواشنطن الافادة من ذلك.
وفي هذا الاطار تكشف المعلومات ان نائبا عضوا في تكتل كبير تربطه علاقة «جيرة» بالرئيس الاميركي الجديد، قد يلعب دورا بارزا بين بعبدا والبيت الابيض في الفترة المقبلة، ويفتح ابواب الادارة الاميركية امام الرئيس عون لاحقا ،رغم تشدد بعض المعينين حديثا ازاء ذلك، على اعتبار ما سبق للعماد عون ان مثل في الفترة الماضية سياسيا.
لكن كل ذلك لا يعني ان الصورة زهرية ، والكلام للمصادر، اذ ان الفترة المقبلة لبنانيا وحتى الصيف المقبل مرشحة لان تكون ساخنة عسكريا وسياسيا، ذلك ان هذا البلد الصغير قد يكون احد ابرز ساحات المواجهة الاقليمية بين السعودية وايران، في اطار الاستراتيجية الاميركية الجديدة لـ «احتواء» طهران الاقليمي واضعافها في مناطق نفوذها من العراق الى لبنان مرورا بسوريا وصولا الى اليمن، وهو ما بدأ عمليا في سوريا، كاشفة ان منظري الادارة الحالية يعتبرون «لبنان نقطة ارتكاز للمشروع الايراني خارج حدود الجمهورية الاسلامية»، ما يشكل ضررا لمصالح واشنطن النفطية المباشرة والتي باتت محصورة بعد دخول روسيا على الخط خصوصا بعد معركة حلب وما تبعها من تغييرات يشهدها الميدان السوري، وخطرا من جهة ثانية على الدولة العبرية التي يرتبط رئيسها الجديد بعلاقات ممتازة مع جاليتها في اميركا ،خصوصا ان زوج احدى بناته يهودي ،ويلعب دورا فاعلا في «ايباك». لكن هل يعني ذلك ان ترامب سيدعم حربا ضد لبنان على خلفية توجيه ضربة اسرائيلية لحزب الله؟
وتتابع المصادر في هذا الصدد ان تهويل الاعلام الاسرائيلي ليس من فراغ، فقد زار رئيس الاستخبارات الاسرائيلية سرا واشنطن والتقى عددا من المسؤولين الجدد في الادارة حاملا معه تصورا واضحا،اذ عرض امام رئيس مجلس الامن القومي الاميركي  ووزير الدفاع تصوره لما ستكون عليه الاوضاع في حال السير بالتسوية الروسية - الاميركية، والتي ستؤدي الى انسحاب حزب الله منتصرا باتجاه الجنوب السوري وتمركزه على طول الخط الممتد من مرتفعات الجولان وحتى الناقورة عند البحر، حيث قارب الانتهاء من بناء عشرات المواقع المحصنة ونشر مئات بطاريات الصواريخ، متخذاً من منطقة القلمون - القصير -الزبداني قاعدة خلفية لدعم قواته سواء في لبنان او على جبهة الجولان، حيث جهز مجموعات مقاومة حاضرة لتنفيذ عمليات عندما يحين الوقت، ما سيؤدي الى فتح الجبهة الشمالية، اما سياسيا فهيمنة على الحكومة اللبنانية ،اولى تجلياتها اقرار مجلس الوزراء اللبناني مراسيم النفط ودخولها حيز الإعداد الجدي، محذرا من تبعات ذلك على المشروع الاميركي في المنطقة وعلى اسرائيل، التي لن تقف مكتوفة اليدين في ظل الجسر الجوي المفتوح لامداد الحزب بالسلاح بين طهران ودمشق فبيروت، واجبرها على ايصال رسائل تحذير من خلال قصفها لمواقع داخل سوريا، او رفع وتيرة خروقاتها الجوية على علو منخفض ومن خلال نشاطها العسكري على طول الجبهة الشمالية ونوعية الاستنفارات التي تنفذها.
من هنا ترى المصادر ان نمط تلك الرسائل يبين سعي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لفرض أمر واقع جديد على إدارة الرئيس ترامب من خلال رفع إستثماره في الفوضى التي سينقلها إلى مستوى الحرب وتوريطه بملفات صعبة ، وابتزاز إدارة الرئيس ترامب الذي يريد الدخول على أرضية سليمة ولا يبدو لغاية اللحظة أن في خططه حرباً أو نية دعم حرب، لا على لبنان ولا على غيره، كون التوجهات الحالية تتجه صوب الإستثمار في إقتصاد المادة بدل الحرب.
ما قد يحمله «زمن ترامب» للبنان والمنطقة يحتاج الى وقت. فهل يبدأ الرئيس ترامب و«كلبه المسعور» في الدفاع حربهما مع ايران من لبنان عبر تحجيم حزب الله؟ ام ينجح رئيس الجمهورية في لعب دور الوسيط الذي ارادته له «التسوية الديمقراطية الهوى»؟وهل يستعيد الجمهوريون مسار جورج بوش في المنطقة؟
الجواب الواضح والجازم غير ممكن حاليا، وان كانت مقاربته ترتكز الى مجموعة مؤشرات غير ثابتة اقله راهنا، خيوطه بين سطور خطاب قسمه، لكن الاكيد ان لبنان المتأثر بكيفية ادارة واشنطن لملفي سوريا وايران ومن خلفهما العلاقة مع روسيا، سيكون نقطة ارتكاز للمشروع الاميركي الجديد، والاهم انه سيكون مجددا كما حاله دوما صندوق بريد، رسالته الاولى قد لا تتاخر رغم ان عنوانها بات معروفا. 
استعجال لبناني توازيه برودة اميركية، فترامب قرر فجأة ان يكون رئيسا مع وقف التنفيذ ، لتفضيله الذهاب في عطلة لن يعود منها الا بعد يومين، في تصرف  يسجل لاول مرة في تاريخ الولايات المتحدة الاميركية، حرصا منه «على عدم اختلاط مهام ادارة البلاد باحتفالات التنصيب». اجازات اسبوعية قرر ان يمضيها، بين «جيرانه» في برج ترامب النيويوركي، حيث ستبقى زوجته ميلانيا وابنهما بارون الى حين انهائه عامه الدراسي، وملعب الغولف في «ادمنستر» نيوجرسي، ومنزله الفخم في فلوريدا، بحسب ما «شارط» مساعديه.