فتى لم يبلغ الرابعة عشرة من عمره بعد ,يتنقل على دراجته النارية في الأحياء الداخلية، يوزع بضائعه على الزيائن : حبوب مخدّرة، حشيشة الكيف، ودواء السعال الشهير «سيمو».
أرباح قليلة يكسبها الفتى بعد رفع أسعار البضاعة عن ثمنها الأصلي والبضاعة موجودة في «نبع» واحد لكل منطقة.
في الضاحية، ثمة شارع يُعرف باسم حيّ الجورة، ويستطيع المرء، بارتياح ومن دون تعريف مسبق، أن يشتري الممنوعات المخدّرة كلها: كوكايين، هيرويين، «سيمو»، حشيشة الكيف»، حبوب نشوة وهلوسة.
مثل سائر السلع، تتغير أسعار المخدرات في السوق.
تتوزع لائحة الأسعار حالياً، وفق مصدر أمني، كالتالي: يراوح سعر غرام الكوكايين بين أربعين وثمانين دولاراً (الكيلو بين 35 ألف دولار و60 ألف دولار)، وذلك تبعاً لجودة المادة ونقاوتها. أما الهيرويين، فيراوح سعر الغرام الواحد بين 10 وعشرين دولاراً، وهو يُعتبر «مخدرات الفقراء»، بينما الكوكايين معروف باستخدامه من جانب الطبقات الميسورة مالياً.
وفي حين يمكن أن يبلغ ثمن كيلو الكوكايين 60 ألف دولار، فإن أقصى سعر يمكن أن يبلغه كيلو حشيشة الكيف هو ألف وأربعمئة دولار. أما «أقراص النشوة»، التي تُعرف بحبوب الهلوسة، فيتم بيعها بالحبّة، ويراوح سعر الغرام منها بين 15 و20 دولاراً.
فساد ورشى
ثمة أسماء معروفة بقصصها الهادفة إلى السلب في الضاحية يروي أبناء المنطقة  قصصاً عن شبان يعترضون طرقهم في النهار والليل، شاهرين السكاكين بعيون نصف مفتوحة، ومطالبين المواطنين بإفراغ جيوبهم.
الشاب ع. ق. الذائع الصيت في الضاحية. يقولون إن «نهايته ستكون القتل»، بسبب الإشكالات اليومية التي يفتعلها من دون وعي. الجهات الحزبية المعنية حاولت مراراً تسليمه إلى القوى الأمنية، لكن الشاب كان يخرج من سجن رومية أكثر عزيمة وتوقاً إلى استخدام الحبوب المخدّرة، ثم يلجأ إلى عمليات السلب حين يحتاج إلى المال كي يعاود شراء المخدرات.
ويروي بعض سكان منطقة برج البراجنة قصصاً عن التعاطي العلني لشبان يافعين في بعض الأحياء السكنية، مؤكدين أن الاتجار يغدو أكثر سهولة بسبب وجود منبع المخدرات في حي الجورة، حيث «يستطيع أي طفل أن يتوجه إلى هناك، ويشتري ما يريد من المخدرات»، يقول أبناء المنطقة.
وسط ذلك، يكشف ضابط أمني لـصحيفة السفير عن «وجود خطة أمنية جدّية، يشرف عليها رئيس مكتب مكافحة المخدرات العقيد غسان شمس الدين، بالتنسيق مع المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، تقضي بتنفيذ عملية دهم أمنية واسعة في الضاحية على الرغم من وجود مخاطر جسيمة».
ويوضح الضابط أن شمس الدين تبلّغ من مصادر ميدانية متعددة، أن حيّ الجورة يشكّل فضيحة للدولة، بسبب الفلتان الذي يشهده وانعكاساته على المجتمع، مشيراً إلى أن «آخر محاولة لتوقيف أحد أبرز المطلوبين في الحي المذكور، جرت قبل نحو شهر، مستهدفة أ.س. المطلوب بمئة وخمسين مذكرة قضائية. وقبل توقيفه، كان يردد صارخاً: أطلقوا النار على الدورية».
أطلق أفراد مجموعته النار باتجاه الدورية الأمنية، لكن تم توقيفه من دون وقوع جرحى. مع ذلك، لا ينكر الضابط أن المسيطرين على حيّ الجورة يدفعون رشى مالية لبعض الضباط في الأمن، بغية ضمان عدم توقيف الرؤوس المدبّرة
«تجار كبار»
يقول ضباط معنيون في ملف المخدرات لـلسفير أيضا إن لبنان يعاني «بصورة كبيرة» من تهريب الكوكايين والهيرويين، وبعض الحبوب المخدّرة، خصوصاً الـ«كبتاغون». يتم استهلاك الكميات الواردة في الأسواق المحلية، باستثناء الـ«كبتاغون»، إذ يُعاد تهريبها إلى الدول العربية، ولا سيما دول الخليج، بينما يتم تهريب مادتي الكوكايين والهيرويين إلى أستراليا وقبرص.
ويشير الضباط المعنيون إلى أن مهرّبي المخدرات يستفيدون من صعوبة تحقيق مراقبة شاملة ومستدامة على امتداد الحدود البرية، بين لبنان وسوريا وفلسطين المحتلة، وذلك لتهريب المخدرات من لبنان وإليه عبر الأراضي الوعرة والمسالك غير الشرعية، نتيجة النقص في العناصر الأمنية وعدم وجود تجهيزات للكشف عن أماكن إخفاء المخدرات خلال تهريبها.
وفي حين تم توقيف 49 مهرّباً و117 تاجراً و399 مروّجاً خلال عام واحد، إلا ان «التجار الكبار» يلوذون في مناطق ذات لون مذهبي واحد، متحصنين في أماكنهم بين أبناء القرى. ويقول أحد الضباط المعنيين إن عددهم نحو 37 «تاجراً مهماً»، مؤكداً أن «ما يُقال عن وجود حصانة سياسية وأمنية لديهم، هو مبالغة. توقيفهم رهن الخطط الأمنية التي تتجنب إراقة الدماء». 
ويكشف الضباط المعنيون عن تفشّي ظاهرة تعاطي المخدرات، أخيراً، في ثلاث جامعات «مرموقة» في بيروت. وتبين وجود نسبة كبيرة من الطلاب الذين يتعاطون الحبوب المخدّرة والحشيشة، وتم توقيفهم فاعترفوا بأن زملاء في الجامعة كانوا يروّجون المخدرات. وعند توقيف المروّجين، اعترف هؤلاء بوجود مروّجين في مدارس رسمية وخاصة!
وبدا لافتاً للمحققين أن الطلاب المروّجين ينتمون إلى عائلات ميسورة مالياً، أي أنهم ليسوا بحاجة إلى الترويج بغية الاستفادة المالية مقارنة بأوضاعهم الاقتصادية. أما الطلاب المتعاطون فاتفقت إفاداتهم لدى القوى الأمنية على قاسم مشترك: «تعاطينا المخدرات بدافع التجربة فقط». وفي حين يتحفظ الضباط المعنيون عن كشف عدد الطلاب الذين تم توقيفهم، لكنهم لا يمانعون الكشف عن عدد الطلاب المروجين، مؤكدين أنهم 5 طلاب في 3 جامعات بارزة.
ويشير ضابط معني لـ«السفير»، استناداً إلى أرقام رسمية، إلى أن الموقوفين بتهم تعاطي المخدرات، تتفاوت أوضاعهم الاجتماعية، لكن العدد الأكبر منهم يعانون من البطالة. أما البقية، فتتوزع مهنهم وفق التالي: تحتل فئة «العامل العادي من دون اختصاص» المرتبة الثانية بعد الموقوفين الذين يعانون من البطالة، ثم تأتي فئة «حلاق ومزيّن»، ثم «فنان»، طالب في المدرسة أو الجامعة، موظف في قطاع خاص، سائق، «مهن أخرى».
ويؤكد المعنيون في ملف المخدرات أن «المخبرين ينقلون إلينا ما يحصل في الضاحية ثمة فضيحة اجتماعية، وتأكد لدينا أن نسبة التعاطي آخذة بالارتفاع بصورة كبيرة»، مشيرين إلى أن «بعض الجهات السياسية تحاذر الاحتكاك بالمروّجين والمتعاطين، كي لا تصطدم بالعائلات المحسوبة عليها انتخابياً».