يسود مجدداً خلاف كبير في وزارة الاتصالات بين الوزير نقولا صحناوي والمدير العام للاستثمار والصيانة الدكتور عبد المنعم يوسف في موضوع نقل صلاحيات إصدار التراخيص لاستيراد معدات الاتصالات والموافقة على البيانات الجمركية من وزارة الاتصالات الى الهيئة المنظمة للاتصالات، إذ عمد وزير الاتصالات الى اصدار قرار حمل الرقم 623/1 تاريخ 11/09/2013 نقل بموجبه جميع مهام إصدار التراخيص والموافقات على تجهيزات ومعدات الاتصالات من وزارة الاتصالات الى الهيئة المنظمة للاتصالات.

هذا القرار المخالف لجميع النصوص القانونية المرعية الاجراء ولقرارات عديدة صادرة عن مجلس شورى الدولة يضع القطاع الخاص المعني والشركات المستوردة (حجم يقارب الـ 8500 مليون دولار سنوياً) امام واقع إصدار تراخيص إستيراد لمعداتهم مزيفة وعديمة القيمة القانونية صادرة بشكل غير قانوني وعرضة للطعن امام المراجع المختصة، مما يؤدي الى فوضى كبيرة في سوق استيراد معدات الاتصالات الذي يطال جميع المستهلكين لشموله التجهيزات الكافة التي يستخدمها المواطن في حياته اليومية من أجهزة الخليوي الى موديم الانترنت الى السنترالات والمحطات الهاتفية.

كما أن هذه التراخيص الجديدة المزيفة سوف تكون صادرة عن جهة غير موجودة أصلاً، وعن شخص واحد، غير ذي صفة وبدون أية كفالة معنوية أو مادية من الدولة اللبنانية (Garentie d’Etat

إن صدور هذا القرار عن الوزير صحناوي حتّم على عبد المنعم يوسف إعداد مطالعة إدارية وقانونية من 41 صفحة وجهها الى وزير الاتصالات بتاريخ 26/09/2013 تحت رقم 6363/أص مفنداً فيها المخالفات القانونية والادارية والمالية لقرار الوزير رقم 623/1 طالباً منه استرداد القرار المذكور والعودة عنه، كما شدد يوسف في مطالعته المشار اليها على الاثر السلبي الكبير لقرار الوزير على انتظام سوق الاتصالات وعلى إيرادات خزينة الدولة وعلى عمل الشركات الخاصة المستوردة. خصوصاً ان الوزير في فترة حكومة تصريف الاعمال وبغياب الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي الذي تعيشه البلاد يضيف لا استقراراً ادارياً وتشريعياً بقراره المذكور كون التراخيص لاستيراد المعدات تُمنح وفقاً لآلية محددة تطبقها المديرية العامة للاستثمار والصيانة بحرفيةٍ عالية ودون اي تأخير استناداً الى مراسيم اشتراعية في هذا الاطار، في حين ان مصير الموافقات التي ستصدر عن الهيئة المنظمة للاتصالات في موضوع الموافقة على المعدات سوف تلاقي نفس مصير القرارات والتراخيص السابقة الصادرة عن الهيئة المنظمة في العامين 2008 و2009 في موضوع التراخيص لشركات الانترنت وقرارات استخدام الترددات وقرارات الترقيم، وهذه القرارات التي تمّ ابطالها جميعاً من قبل المراجع القضائية المختصة، إذ إن صدور 23 حكماً من مجلس شورى الدولة بين العامين 2011 و 2012 قضت بإبطال كافة هذه التراخيص، علماً ان وضع الهيئة المنظمة للاتصالات القانوني في حينه كان مكتملاً لجهة تكوين مجلس إدارة الهيئة المنظمة، في حين ان الوضع القانوني للهيئة حالياً يشوبه فراغ كامل على مستوى السلطة التقريرية والسلطة التنفيذية.

ووفقاً لكتاب يوسف فإن المخالفات القانونية الجسيمة الواردة ضمن قرار صحناوي هي مخالفات مباشرة لأحكام المرسوم الاشتراعي رقم 126/1959 والمرسوم رقم 377/1989 والمرسوم رقم 3033/1992 وقرارات وأحكام مجلس شورى الدولة وعددها 23 قراراً وحكماً خلال العامين 2011 و2012 ورأي هيئة التشريع والاستشارات رقم 49/2013 تاريخ 21/01/2013 وقانون الاتصالات رقم 431/2002 وتعميم رئاسة مجلس الوزراء رقم 10/2013 تاريخ 19/04/2013 والمرسومين الاشتراعيين رقم 111/1959 ورقم 112/1959 ومخالف ايضاً لقرار الهيئة المنظمة للاتصالات نفسها رقم 10/2009 تاريخ 01/07/2009 ومخالف ايضاً وايضاً لمذكرات وكتب عديدة صادرة عن الوزير صحناوي نفسه في هذا الموضوع خصوصاً مطالعات صحناوي الموجهة الى مجلس شورى الدولة تحت رقم 17764/2012 والمذكرة الصادرة عن الوزير صحناوي بتاريخ 09/01/2012 تحت رقم 1/1.

وكأن الوزير صحناوي مصاب بداء إنفصام الشخصية لدفاعه المستميت خلال فترة العشرين شهراً الماضية وأمام اعلى المراجع القضائية بعدم قانونية انتقال مهام الموافقة على المعدات الى الهيئة المنظمة للاتصالات. وإذا به وبسحر ساحر وبين ليلةٍ وضحاها يصدر قراراً بانتقال هذه الصلاحيات الى الهيئة مخالفاً بذلك، ليس القوانين والمراسيم المذكورة وحسب، بل مخالفاً رأيه وقناعته هو في هذا الموضوع. انها لمفارقة تُسجل لأول مرة في تاريخ صدور القرارات الادارية عن وزراء في الحكومات اللبنانية المتعاقبة منذ فجر الاستقلال وحتى يومنا هذا.

غير أن بعض المراقبين يرون في ذلك تزامناً مريباً بين هذا التغيير المفاجئ الذي قام به الوزير صحناوي خلافاً للقانون وعكساً لقناعاته التي أكدها خطياً في عشرات الكتب الصادرة عنه، وبين الحاجة الماسة لمعدات وتجهيزات الإتصالات وقطع الغيار والصيانة لدى النظام السوري المجاور نتيجة النقص الحاد في معدات وتجهيزات وقطع غيار الإتصالات لدة النظام السوري نتيجة المقاطعة الدولية له، ونتيجة إلتزام مصنعي وموردي تجهيزات الإتصالات العاملين الدوليين بهذه المقاطعة. وربما أنه لا يوجد أي حل لهذا النقص الحاد وهذا الفقدان إلا بعبور هذه المعدات عن طريق لبنان بشكل "تهريب" يكسر القرارات الدولية للمقاطعة.

إن الشركات المستوردة لمعدات الاتصالات وجدت نفسها في موقع لا تحسد عليه أبداً من جراء صدور هذا القرار عن وزير الاتصالات كون التراخيص لمعداتها وتجهيزاتها تصبح تراخيص لا تتمتع بالصفة القانونية تجاه المشّغلين والمصّنعين وبلد المنشأ على حدٍ سواء ولا تشكل لها أي حماية من خلال تطبيق قرار الوزير المذكور الذي يستبدل تراخيص صادرة عن الإدارة المختصة بقصاصة ورق صادرة عن جهة غير مخولة بالتوقيع قانوناً. إذ أنها لا تصدر عن الدولة اللبنانية ولا ترتبط بضمانة الدولة الرسمية التي تشكل تعدياً أدبياً لها.

من هنا جاء الرد الموثق للمدير العام للاستثمار والصيانة بضرورة المحافظة على ثبات وانتظام سوق استيراد المعدات لما فيه خير المصلحة العامة وعمل الشركات الخاصة على حدٍ سواء.

إن قرار الوزير صحناوي لنقل هذه المهام من وزارة الاتصالات الى هيئة إدارية يشوبها فراغ كامل على جميع المستويات في هذا التوقيت بالذات دون وجود اي مبرر لذلك يطرح التساؤلات الكبيرة عن المستفيدين من هكذا قرار لإدخال معدات الاتصالات دون سلوك القنوات الادارية ودون إتباع الإجراءات الملزمة أصولاً. فهل هنالك جهات ما تريد إدخال معدات إتصالات بعيداً عن نظر الدولة ومؤسساتها؟ سؤال كبير يتطلب إجابة صريحة من وزير الاتصالات على إفتراض أن الوزير مُطّلع على خلفيات القرار، ام انه طُلب من الوزير إتخاذ القرار دون إطلاعه على مفاعيله؟

خلاصة:

إن تنفيذ هذا القرار، عدا كونه مخالف للقانون، فإنه يعرض الشركات الخاصة والقطاع الخاص اللبناني وتجار المعدات والتجهيزات لخطر العمل بتراخيص مزيفة ودون قيمة قانونية وضعيفة وهشة لا تؤمن لهم أي ضمانة لجهة إستمرارها وإستقرارها ، سوف يتم إلغاؤها عاجلاً أو آجلاً. كما أنه ونظراً للهدف الحقيقي الذي يكمن وراءه، وهو تزويد النظام السوري تجهيزات ومعدات وقطع غيار الإتصالات والتي تعتبر عصب أنظمة الإشارة العسكرية والأمنية لديه، بواسطة التهريب عبر لبنان من خلال شركات وهمية "حليفة" سوف تتمكن بفضل هذا القرار من الإستحصال بشكل مخالف للقانون، وبعيداً عن أعين الرقابة القانونية التي يحددها المرسوم الاشتراعي 126/1959 من إدخال هذه المعدات إلى سوريا وكسر القرارات الدولية لجهة الحظر على سوريا ومقاطعتها. وهذا ما يعرض مصداقية لبنان ومكانته بين دول العالم لجهة احترام القرارات الدولية.

إن القرار رقم 126/1 الصادر عن وزير الإتصالات نقولا صحناوي، هو فقط "غطاء" لتمرير وتسهيل تهريب أجهزة الإتصالات إلى النظام السوري في حربه الشرسة ضد شعبه.

·