باتت الطائفة الشيعية اكثر من مجرد طائفة من طوائف الدين الاسلامي المتعدد الطوائف فتحولت الى طائفة سياسية بامتياز يجهل الكثيرون اسسها وتعاليمها بسبب اللغط الكبير والكم الهائل من الاشاعات والاتهامات بسبب الاتباط الكلي وليس الجزئي بايران وسياستها التوسعية.

 

ايران ومنذ انتصار الثورة الاسلامية فيها سعت الى تكوين حالة خاصة ببرنامجها لتصدير الثورة، حيث اعتمدت على المد الشيعي وجعلته اداة مطواعة بيديها، فنصبت نفسها رمزا ورئيسا للمنتمين للطائفة الشيعية في كل ارجاء المعمورة.

 

وليس خافيا على احد ان الايرانيين والفرس تحديدا يمتلكون تاريخيا النزعة التوسعية الاستعمارية بقوة الحديد والنار، بل كانت جيوشهم لقرون عديدة من اقوى الجيوش حتى انهم اخترعوا الكثير من الاسلحة والاليات العسكرية التي تم تطويرها عبر الزمن، مع الاشارة الى ان ايران وحتى في عهد الشاه كانت تمتلك جيشا من اكبر جيوش العالم وها هي الان في عصر الملالي تواصل النهج نفسه.

 

وبسبب الاطماع التاريخية بمنطقة الخليج وبلاد الشام كان لا بد للتفكير الايراني - الفارسي ان يوجد طريقة ليتسلل الى المنطقتين بهدوء ودهاء من خلال اللعب على الورقة الطائفية، من خلال استغلال ابناء الطائفة الشيعية العرب المنتشرين في اكثر من بلد عربي خصوصا لبنان وسوريا والبحرين والسعودية والكويت، فتم تصدير الثورة تحت لواء حزب الله والمستضعفين.

وارتبطت الفاظ المستضعفين والمحرومين بالشيعة واستمرت حملات التحريض والتحضير لزعزعة الامن في البلاد العربية من خلال ارساء التبعية الكاملة لولاية الفقيه وباتت الفتاوي الصادرة من قم المرجعية الاولى والاخيرة مع تغييب كامل للشيعة العرب ودورهم التاريخي الهام في المنطقة، واصبحوا بالتالي تابعين للقيادة الايرانية بعد ان ظلوا لقرون طويلة اسياد قرارهم.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، ففي لبنان اعلام شيعية ترفع لها القبعة، كالشيخ الراحل محمد مهدي شمس الدين رئيس المجلس الشيعي الاعلى، والعلامة الشيخ محمد حسين فضل الله، بالاضافة طبعا الى العلامة السيد علي الامين، فالشيخ شمس الدين اشتهر بسماحته وتسامحه ووسطيته ودعوته الدائمة الى المدنية ونبذه العنف والتطرف في الافكار السياسية والدينية، ويشهد له اطلاق المقاومة المدنية الشاملة ضد اسرائيل في فترة احتلال اسرائيل لجنوب لبنان حيث كانت دعوته الشرارة الاولى التي اشعلت الجنوب اللبناني بكل طوائفه في اليوم الاخير من عاشوراء ضد جيش الاحتلال الاسرائيلي الذي مني بالخسائر من قبل متظاهرين مجردين من السلاح، الا ان دوره جوبه من حلفاء ايران حيث اختفى تقريبا دور المجلس الشيعي بعد ان كان يشكل معادلة ورقما صعبا ليس فقط على الساحة اللبنانية بل ايضا على الساحة العربية والاقليمية والدولية.

اما العلامة الراحل محمد حسين فضل الله فقد دخل بمواجهة صريحة ومباشرة مع امتداد النفوذ الايراني بسبب معارضته للافكار القادمة من بلاد الفرس، فتم عزله شيئا فشيئا الى ان اختفى دوره وبقيت من بعده كتاباته الجميلة الدينية والسياسية والاجتماعية بالاضافة طبعا الى مجموعة من الفتاوي الوسطية التي تبرز وجه الاسلام الحقيقي.

العلامة السيد علي الامين، فهو لا يزال بحالة مواجهة مع حزب الله الممثل الوحيد والحصري لولاية الفقيه في لبنان وبلاد الشام بعد رفضه الكامل للنفوذ الايراني ووصلت الامور الى حد اقفال مكاتبه ونهديده بالسلاح بشكل مباشر مع محاولات للعزل السياسي والديني.

هذه بضعة نماذج جميلة للشيعة العرب، والذي كانت تربطهم علاقات وثيقة جدا ليس فقط مع باقي الطوائف الاسلامية بل حتى مع الطوائف المسيحية، وكان لا بد من ازاحتهم ومحو افكارهم لاكمال التوسع الايراني.

وقد كفل الاسلام حق الحرية الشخصية في المعتقد والفكر، زمن حق المسلمين ان يعتنقوا اي مذهب من المذاهب، الا ان موجات التحريض بسبب الخلط بين النفوذ السياسي الايراني والمذهب الشيعي جعلت من الانتماء للمذهب الشيعي تهمة ثقيلة وصل حدها الى القتل كما حدث مؤخرا في مصر مع قتل اربعة مصريين ينتمون الى المذهب الشيعي.

فالخوف ليس من المذهب الشيعي او المنتمين اليه، بل كل الخوف من الامتداد الايراني - الفارسي تحت هذا الغطاء، مما يحتم على الشيعة العرب المعتدلين السعي وبكل قوة لتنظيف المنطقة من النفوذ الايراني الذي شوه تاريخهم ووجودهم.

فالمطامع الايرانية في المنطقة وللاسف تتفوق على الاطماع الاسرائيلية باقامة الدولة من النيل الى الفرات، بل ان الدلائل تشير الى ان المشروع الايراني هو الهادف لاقامة دولة كهذه، مع الاشارة الى العلاقات الايرانية - الاسرائيلية المشبوهة، حيث لم تدخل ايران بمواجهة مباشرة ولا غير مباشرة مع اسرائيل رغم متاجرتها الدائمة بالقدس والقضية الفلسطينية، بل ان المتابع لدور حزب الله في الجنوب اللبناني يلاحظ وبكل وضوح تحوله من مقاوم الى حرس حدود اسرائيل الشمالية مع منعهم منذ عقدين على الاقل المقاومين الغير منتمين له من القيام بعمليات عسكرية ضد اسرائيل.