1 -  لبنان الجديد هو ردنا على التحدي الاسرائيلي

لبنان الجديد، لبنان الحديث لا التقليدي، لبنان الوطني لا الطائفي، لبنان العلمي لا الأمي، لبنان الديموقراطي لا الاقطاعي،

لبنان الجديد في نفس كل مواطن لبناني، والصائر وجودا فعلياً بجهد كل مواطن لبناني،

لبنان هو ردنا الحاسم على الخطر الاسرائيلي، وهو العاصم لبنان من اي خطر يهدد قيمنا وحياتنا وحريتنا وسيادتنا وتقدمنا.

والخطر الاسرائيلي يهدد قيمنا الروحية والخلقية، لأن الصهيونية تعمل للعودة بالمنطقة الممتدة ما بين الفرات والنيل الى ما قبل المسيحية والاسلام.

وهو يهدد حريتنا، لأن اسرائيل ومن وراءها تريد بشعب لبنان وبكل شعب عربي نفس المصير الاستئصالي، الذي انزلته بشعب فلسطين بدون اي تمييز بين مسيحييه ومسلميه.

وهو يهدد حريتنا، لأن اسرائيل ووراءها الصهيونية العالمية تزن قدرتها لا بقدرة مليوني لبناني فحسب، بل بقدرة مئة مليون عربي، مصممة على ان تفرض عليهم ارادتها بالالات الالكترونية والقنابل الذرية كما فرضتها من قبل على شعب فلسطين بالمزارع المحصنة والعصابات المسلحة.

وهو يهدد سيادتنا على اراضينا، لأن الصهيونية سعت منذ القرن التاسع عشر، وما تزال تسعى حتى الآن لادخال جنوبي لبناني ومنابع الليطاني في حدود دولة اسرائيل.

وهو يهدد تقدمنا، لأن القيود المنظورة وغير المنظورة تفرض علينا من الداخل والخارج ليظل تقدمنا مرتهنا بتقدم اسرائيل، ولتنتزع منا رسالة التوسط الحضاري والتفاعل الفكري والتبادل الاقتصادي التي قمنا بها بين الشرق والغرب، وبين أقدم قارات العالم آسيا وأفريقيا وأوروبا.

ولبنان الجديد هو وحده القادر على دفع هذه التهديدات عنا، لأن لبنان الجديد يدرك حق الادراك ان اسرائيل هي عنصرية أثيمة، وايديولوجية تمييزية، وتوسعية مستكبرة، واستعمارية عدوانية، ولكنه يدرك ايضاً حق الادراك ان اسرائيل هي حضارة وعلم وتكنولوجيا وتنظيم. فهي التقدم في خدمة الباطل. ولبنان الجديد هو التقدم في خدمة الحق.

ولبنان الجديد يعرف تمام المعرفة ان اسرائيل سلكت الى فلسطين طريق الدين المحرف. والقومية المضللة والعطف الإنساني المزيف، والاستعمار المتعسف، ولكنه يعرف ايضاً انها سلكت طريق الحركية المتجددة، والجسارة اللامتناهية، والتضحية الصارخة. وهذه فضائل تبنى بها الأمم، وتشاد بها الدول. وقد اصطنعتها اسرائيل لتبني بها صرح العدوان. ولكن لبنان الجديد يبني بها صرحاً للحرية والعدالة والسلام.

ولبنان الجديد يعي كل الوعي انه لولا زعماء الغرب بلفور وتشرشل وهتلر وترومان وموليه وايدن وجونسون لما كانت هناك اسرائيل. ولكنه يعي ايضاً انه لو لم تكن قيادتنا بين الحربين العالميتين الاولى والثانية، وفي حروب ثلاثة خضناها مع اسرائيل، لو لم تكن قياداتنا متخلفة عن مستوى روح العصر الذي نعيش فيه، ودون مستوى الاحداث التاريخية التي نواجهها، لما استطاع هرتزل ووايزمن وبن غوريون واشكول وديان ان ينالوا من العالم ما حققوه حتى الآن لإسرائيل. ولذلك فان لبنان الجديد على يقين بأن القيادة الجديدة ذات العقلية العصرية هي وحدها التي تستطيع ان تحول منحدر الهزيمة الى مصعد للنصر.

2 -   الانتصار على اسرائيل في حيز الامكان

ولبنان الجديد يؤمن اعمق ايمان ان هذا التحول من الهزيمة الى النصر هو في حيز الامكان. وسبيله ما يزال مفتوحاً امام لبنان وامام العرب، وما يزال بوسعهم ان يدخلوه اليوم او غداً وان لم يدخلوه بالأمس. وليس هذا السبيل هو ازالة اثار العدوان الاسرائيلي، وان كان هذا مطلباً ملحاً يجب علينا ان نعمل له جميعاً، ولكن الأهم منه إزالة أسباب العدوان الإسرائيلي. وإزالة الأثار دون الأسباب مدعاة لتجدد العدوان. ولكن إزالة الأسباب والآثار معاً ضمان لإنحسار العدوان إنحساراً نهائياً.

ولبنان الجديد يقدر ان السبب الرئيسي لانهزامنا امام اسرائيل حتى الآن، هو ان اسرائيل تسلك سياسة تعلو مستوى إمكاناتها، واننا نحن نسلك سياسة هي ادنى من مستوى امكاناتنا. ولا تكاد تقارن إسرائيل من حيث المساحة او العدد او الثروة بالدول العربية، ومع ذلك استطاعت ان تنتصر عليها في ثلاثة حروب. ذلك ان امكانات اسرائيل الإنسانية والمادية معبأة او منظمة تنظيماً عقلانياً حديثاً يضمن لها فيضاً من الفعالية. ويتعالى هذا الفيض بالربط المحكم بين الامكانات الداخلية والخارجية. واما امكاناتنا نحن داخلية او خارجية، فانها ما تزال غير معبأة اي ما تزال في طور التنظيم البدائي. وما هو منظم منها احدث تنظيم كصناعة البترول ما يزال لغيرنا اكثر مما هو لنا. ولذلك، فإننا ما نزال محرومين من فعالية مواردنا الإنسانية والمادية. وما تزال إمكاناتنا أعباء أو امنيات بدلا من ان تكون طاقات. وما يزال التوازن الحقيقي الذي يجب ان ننشده تجاه اسرائيل، هو التوازن النوعي لا الكمي بين تنظيم امكاناتنا وتنظيم امكاناتها. وحينئذ تبدو على حقيقتها اصغر بكثير حتى من الحيز الجغرافي الذي اغتصبته بالحديد والنار.

3 -   التعبئة العلمية الحضارية للطاقات العربية

ولا نعني بالتنظيم هنا تنظيم الامكانات الاقتصادية او العسكرية وحدها. ولكننا نعني نسقاً حضارياً حديثاً لتنظيم المجتمع من قاعدته الزراعية حتى ذروته السياسية.

فهذا التنظيم الشامل هو الذي يؤمن لإسرائيل الفعالية، ويكفل لها سرعة الحركة. انها حالة تعبئة علمية شاملة لوقتي السلم والحرب. وهي حالة تأهب دائم من قبل الشعب والدولة معاً يجعل الدولة قادرة في حالة الحرب على ان تعبيء ربع مليوني جندي او ثمن السكان نساء ورجالا في اقل من ثمان واربعين ساعة. واهم ما دلت عليه هذه الحالة حتى الآن هو أن الوحدانية لا الازدواجية هي مبدأ العلاقة بين الدولة والشعب. وهي حالة نقيضة لما نحن عليه في لبنان، حيث دل استفتاء علمي قمنا به في العام الماضي على ان تسعين بالمئة من المواطنين لا يشعرون بعد بأن الدولة هي دولتهم. وهؤلاء التسعون بالمئة يؤلفون ما يمكن ان نسميه ببنية الدولة الإنسانية الاساسية.

وما يزال هؤلاء يشعرون بأنهم غرباء عن الدولة، وبأن الدولة بقانونها وأنظمتها وضرائبها غريبة عنهم، ان لم تكن عدوة لهم. ان نظام الدولة هو نظام العشرة بالمئة، واما التسعون بالمئة فإنهم يعيشون بما لديهم من شعور ووعي خارج هذا النظام. واما في اسرائيل، فان الكل باستثناء السكان العرب هو داخل نظام الدولة. ذلك لأن هذا النظام يتألف من مجموعة من البنيات الحديثة المترابطة ترابطاً عضوياً، ابتداء من بنية المزرعة الاشتراكية الدفاعية، الى بنية العمال النقابية، الى بنية السياسة الحزبية، الى بنية الادارة الحديثة، الى بنية البحث العلمي، الى البنية الدفاعية، الى البنية الدولية للحركة الصهيونية.

 

4 -   تحديث البنيات اللبنانية

ولبنان الجديد هو لبنان البنيات الحديثة التي تقضي على الهوة بين العشرة بالمئة والتسعين بالمئة، وتحل الوحدانية محل الازدواجية في علاقة الشعب بالدولة. ويعني هذا ان لبنان الجديد هو لبنان المدرسة الجديدة، والتعاونية الزراعية الجديدة، والنقابة الجديدة، والحزب الجديد، والمختبر الجديد، والفكر الجديد. ولبنان هذا هو في حيز امكاننا وفي متناول ارادتنا الخلاقة. واخطر ما تهددنا به اسرائيل الان هو ان يحملنا انتصارها الصاعق في عدوانها الأخير، وان يجعلنا تفوقها العابر نعتقد ان التنظيم الحضاري الحديث، مدنياً كان او عسكرياً او اقتصادياً او سياسياً هو من احتكارها هي وهدها. وانه كتب على اللبنانيين وعلى سائر العرب ان يظلوا في حالة التنظيم البدائي. واشد ما في هذا الاعتقاد من خطر نفسي هو ان لا تبشر به اسرئيل وحدها بل ان يبشر به بعضنا. ان كل مؤمن بلبنان الجديد يرفض هذا الاعتقاد رفضاً باتاً، ويعتقد ان طريق التنظيم مفتوح امامنا، وان بوسعنا ان نسبق فيه اسرائيل. ففي كل إنسان مثل قابلية الانسان الآخر للتقدم، ونحن هنا في وضع افضل، لأن جميع خبرات الإنسان الحديث التقدمية مبذولة لنا، وهي خبرات وليدة التربية والتعلم والتدرب لا وليدة الطبع. وقد قصرنا في الأخذ بهذه الخبرات حتى الآن، لأننا وقفنا منها موقفاً لاهوتياً أو كلامياً أو عقائدياً بل ان نقف منها موقفاً اخبارياً حياتياً، أي موقفاً علمياً وطنياً.

وقد يعترض علينا بأن الخطر الاسرائيلي لا يقاوم الآن من قبل لبنان الجديد، لبنان البنيات المنظمة أحدث تنظيم، بل من قبل لبنان القديم الذي تستشري الفوضى في كل حقل من حقول حياته.

ويعترض علينا بأننا نبالغ في تقدير الخطر الاسرائيلي على لبنان. فاسرائيل هي خطر على الدول العربية الأخرى لا على لبنان. وها هي في عدوانها الأخير هاجمت ثلاث دول عربية ولكنها لم تهاجم لبنان. وإذا كان هناك من خطر اسرائيلي على لبنان، فإنه خطر على فريق من اللبنانيين دون الآخر، لأن اسرائيل تخص بعدوانها فريقاً منا، وتحرم منه فريقاً آخر.

ويعترض علينا أيضاً، بأننا مهما تحدثنا عن أسباب العدوان أو أسباب النكسة، فإن آثار العدوان قائمة الآن في ارض فلسطين واراضي ثلاث دول عربية. فكيف نستطيع ان نضع حدا لهذا الاحتلال الاسرائيلي، وأن نخرج إسرائيل من هذه الأراضي؟

5 -   مهندسو لبنان الحديث

ونجيب على الاعتراض الاول بأن ما نعانيه الآن من فوضى هو من نتائج الانتقال من لبنان القديم الى لبنان الجديد، او من المجتمع التقليدي الى المجتمع الحديث.

ولذلك تؤلف الفوضى الهوة، التي نحاول اجتيازها من القديم الى الجديد ومن التقليدي الى الحديث. وقد عمق العدوان الاسرائيلي وعينا بهذه الهوة. ولذلك يتوجب على الفئة المفكرة من المواطنين ان تحول الكارثة الى فرصة تاريخية لاستعجال ميلاد لبنان الجديد. وتتألف هذه الفئة من اكثر من خمسين الف مواطن من الجامعيين من الاساتذة والطلاب والادباء والمحامين والاطباء والمهندسين والاعلاميين والمعلمين. وهؤلاء هم الذين يكونون فكر الشعب، ويقومون بوظيفة النقد الفكري للمجتمع وهم مدعوون الان لتحمل مسؤولية التنظيم العلمي للمجتمع. إنهم مهندسو لبنان الجديد. وقد طغى عليهم حتى الآن الإنهماك في هندسة الحياة الخاصة، وعليهم ان يقدموا عليها الآن هندسة الحياة العامة، أي ان يضعوا معرفتهم النظرية والتطبيقية في خدمة الشعب، اي في تنظيم حياة الفلاحين والعمال، أي حياة أكثرية الشعب اللبناني تنظيماً حديثاً وهذا التنظيم هو قانون من قوانين العصر الذي نعيش فيه. ولن يستطيع أي منا ان يهندس حياته الخاصة بحرية وكرامة ورفاهية الا في ظل هندسة عامة لحياة الشعب.

وهذا التنظيم هو الزم لنا من اي وقت اخر تجاه التحدي التنظيمي للعدوتن الاسرائيلي. ويكفي ان اذكر هنا من مظاهر هذا التنظيم ان اسرائيل كانت تحسب تقدمها العدوان الاسرائيلي. ويكفي ان اذكر هنا من مظاهر هذا التنظيم ان اسرائيل كانت تحسب تقدمها العدواني  في الخامس من حزيران بالثواني والدقائق لا بالساعات والأيام. ونجد صورة لذلك الكتاب الذي ألفه الصحافي الاسرائيلي شويل سيجيف عن "البساط الأحمر" او ما يسمونه حرب الستة أيام. ونقتطف هذه الصورة من جريدة لموند الباريسية المؤرخة في 25 آب 1967، التي جاء فيها :" .. ان المؤلف يذكر ان الطيران الاسرائيلي كان يقوم في كل يوم من أيام الحرب بألف حملة جوية. ولما عادت التشكيلات الجوية الى قواعدها بعد ثلاثين دقيقة من ابتداء الحرب، رفض القادة العسكريون تصديق ما روته من نتائج هجومها الصاعق. ولكن قائد الطيران الاسرائيلي تلفن بعد مرور ثمانين دقيقة على ابتداء الهجوم الى قائد الجيش الاسرائيلي ليقول له "لقد نظفت سيناء" وبعد مرور مئة وعشرين دقيقة تلفن له مجدداً ليقول له "اقتربنا من تحقيق جميع أهدافنا". وبعد مرور مئة وستين دقيقة عاد الى التليفون ليطمئن رئيسه بقوله : "إننا لا نخشى شيئاً بعد الآن، لأن الطيران المصري لم يعد له وجود".

6 -   الهندسة الالكترونية الاسرائيلية

ان دولة تقد الى جنبنا، وتحسب حركتها في وقتي السلم والحرب حساباً الكترونياً بالثواني واللحظات لا تشكل خطراً على المسلمين دون المسيحيين ولا على المسيحيين دون المسلمين، وعلى على الاردنيين والمصريين والسوريين دون اللبنانيين، ولكنها تشكل خطراً إفنائياً على كل من لا يتحرك بمثل حركتها أو بأسرع من حركتها. ولا نستطيع في ذلك ان نقيم أي توازن بين السرعة والبطء، لأن الهوة بينهما هي الهوة بين البقاء والفناء، والتقدم والتخلف، والحرية والعبودية. ولا نستطيع ان نعتمد على اي توازن داخلي او اقليمي او دولي لاتقاء خطر هذه الهوة ولا نستطيع ان نحلم بأي توازن تقيمه اسرائلي بيننا وبين الدول العربية. لأن الهوة بين سرعة اسرائيل وبطئنا تجعل كل هذه التوازنات لصالحها هي لا لصالحنا نحن. وكل ما تؤدي اليه هذه التوازنات هي تمكين الالة العدوانية الاسرائيلية من الاستفراد بدولة عربية بعد الأخرى. وإذا كان زعماء إسرائيل يتظاهرون بطلب الصلح معنا او مع أية دولة عربية اخرى، فما ذلك كما اوضح وزير العمل الاسرائيلي في تصريح ادلى به منذ ايام الا لفرض الشروط، التي تجعل من المستحيل على العرب الانتصار على اسرائيل في حرب رابعة.

ولكي نقدر حقيقة الخطر الذي يواجهنا جميعاً من قبل اسرائيل، يجب علينا ان نتصور اسرائيل والحركة الصهيونية كآلة قومية إقليمية دولية تتحرك بأسرع ما يمكن أن يتحرك به الإنسان في القرن العشرين. وهي تتحرك حركة الالة الحاسبة لا حركة القلب الحي. والالة التي لا يحركها قلب هي نزول بالانسان الى ادنى درك للبربرية. وهذا ما هبطت اليه اسرائيل في معاملتها لشعب فلسطين، وما هي منحدرة اليه في معاملتها مع اي شعب عربي آخر.

ان الالة الاسرائيلي الة اجتماعية تكنولوجية تتحرك في سبيل تنفيذ خطة. شأن البشر الذين يعترضونها شأن الابنية القديمة التي تعترض مدحلة مهندس المدينة الجديدة. وقد مرت المحطة الاسرائيلية كما وضعها المؤتمر الصهيوني في بال في نهاية القرن التاسع عشر بثلاث مراحل : مرحلة التشريع الدولي للوطن القرمي اليهودي في فلسطين التي امتدت منذ المؤتمر حتى عام 1917 عام اصدار بريطانيا وعد بلفور، ومرحلة التمركز الاقليمي في ارض فلسطين الذي تم عن طريق الهجرة اليهودية بين الحربين العالمينين، ومرحلة قيام الدولة وتوطيدها منذ عام 1948. وهي تدخل الان مرحلة تحديد ما يسمونه حينا بالحدود التاريخية وحينا اخر بالحدود الطبيعية لاسرائيل. وهي اشد المراحل خطراً علينا في لبنان.

 

7 -   حدود اسرائيل الطبيعية والتاريخية

ولا نحتاج لوعي الخطر الى العودة للوثائق او القرائن، بل يكفينا الاستشهاد بالاقوال التي تصدر عن زعماء الحكومة الاسرائيلية حول مصير الأراضي العربية التي تحتلها القوات الاسرائيلية. وآخرها تصريح اشكول، الذي روته الاوريان في عدد السابع من ايلول عام 1967 والذي جاء فيه "ما دام العرب لا يريدون الصلح، فإنه لم يبق من حل امام اسرائيل سوى الأخذ بالحدود الطبيعية. وقناة السويس هي افضل حد طبيعي بين مصر واسرائيل".

وقد سبق هذا تصريح لديان حول الحدود التاريخية لاسرائيل روته جريدة الموند الباريسية في عدد الحادي عشر من آب،1967، جاء فيه : "ان على الغريب ان يفهم ان لسيناء واعالي الجولان ومضيق تيران والضفة الغربية للاردن اهميتها الاستراتيجية لاسرائيل، ولكن لها أهميتها التاريخية ايضاً، لأن هذه المناطق تقع في قلب التاريخ اليهودي. وما دمنا نمتلك التوراة ... ولست اعرض هنا برنامجاً سياسياً، ولكنني اقوم بما هو أهم من ذلك. انني استعرض الوسائل التي تمكن شعبنا من تحقيق حلمه التاريخي".

اشكول يتحدث عن الحدود الطبيعية، وديان يتحدث عن الحدود التاريخية. والحدود الطبيعية التي طالبت بها الصهيونية العالمية لفلسطين منذ الحرب العالمية الاولى هي حدود المياه، مياه الاردن والليطاني وبانياس، لأن هذه المياه هي ضرورة حياتية للشعب اليهودي الذي اغتصبوا به فلسطين، والذي يريدون ان يرفعوه الى خمسة ملايين. وإذا اخذنا بقانون العودة الذي تقوم عليه اسرائيل، فالهدف المنشود هو عودة جميع يهود العالم الى اسرائيل. وهنا تتداخل فكرى الحدود الطبيعية بفكرة التوراة التاريخية. فالشرق العربي كله هو ارض التوراة. وقد اثارت كلمات ديان حول هذه الحدود سخط احد قراء جريدة الهيرالدتريبيون الاميركية، التي تصدر في اوروبا، فكتب الى الجريدة تعليقاً عليها نشرته في عدد 17 آب 1976، جاء فيه :" سكت لعدة شهور عن تحيز الصحف الاميركية والبريطانية المقرف لاسرائيل. ولكن تصريح ديان يكرهني على التكلم. إنني اتحدى اياً كان ان يدلني على الفرق بين اقوال ديان وبين خطب هتلر حول المجال الحيوي. وهل من حقوق لاسرائيل في الضفة الغربية للاردن تعطيها لها علاقاتها العاطفية والتاريخية بها تختلف عن حقوق المانيا في تشيكوسلوفاكيا وبولونيا؟"

ان مرحلة تطور اسرائيل هي الآن مرحلة تقرير حدودها الطبيعية او التاريخية. وهي مزهوة بالنمو العسكري الخاطف الذي حققته الى الحد الذي يحملها على الاعتقاد بأنها قادرة على فرض الحدود التي تريدها بالقوة او بالصلح. وما المطالبة بمفاوضات الصلح إلا ذريعة للتكريس القانوني للامر الواقع الذي فرضته بالقوة. ولن يكون تغيير هذا الامر الواقع، وإجلاؤها عن الأراضي التي احتلتها بالأمر اليسير. وطرق هذا الإجلاء حرب نظامية عربية اسرائيلية جديدة، او الحرب الشعبية العربية التحررية التي بدأتها حركة المقاومة الفلسطينية الفدائية، أو الضغط الدولي من قبل الامم المتحدة تشترك فيه واشنطن وموسكو معاً. وتوقع حدوث هذا الضغط هو الذي جعل مؤتمر الذروة في الخرطوم يعتمد حل المقاومة، الذي اقترحه الرئيس عبد الناصر، املاً في ان يؤدي الضغط الدولي الى النتائج المنشودة. ولكن نتيجة هذا الحل تتوقف على مبلغ الضغط الذي كان يمكن ان يصدر عن واشنطن وموسكو، ومدى التنازلات التي سيطلب من الدول العربية تقديمها، ودرجة تصميم الدول العربية على تنفيذ سياسة المقاومة بمتطلباتها الاقتصادية والعسكرية. فإذا مضت الدول العربية في تنفيذ هذه السياسة، جاء مؤتمر الخرطوم منعطفاً جديداً في سياسة المواجهة العربية لإسرائيل.

8 -   استراتيجية النصر : التعبئة العلمية الشعبية الشاملة

ولكن اسرائيل ما تزال في نشوة النصر. وقد تدفعها هذه النشوة لأن تفرض علينا الحلول التي استبعدها مؤتمر الخرطوم، كالحرب النظامية او حرب التحرير الشعبية. ولكن المؤتمر حقق نتيجة اولى، وهي انه بما ساد فيه من جو ايجابي، بدأ يكشف للرأي العام العالمي حقيقة المعتدي في الصراع العربي -  الاسرائيلي. وموقف الرأي العام العالمي والرأي العام الغربي بصورة خاصة هو عامل من العوامل الرئيسية في موقف الحكومات الغربية من الدول العربية واسرائيل. واسرائيل تحسب لهذا العامل حسابه، ولكنها تعتبر ان ساحة القتال هي ساحة حسم المصير وتقرير الحدود.

9- التعبئة واجبة في لبنان وفي كل دولة عربية

ولذلك فان اسرائيل تفرض علينا في كل دولة عربية ان نكون متأهبين للحل العسكري ونحن مقبلون على الحل السياسي بكل ما له من وسائل دبلوماسية واعلامية. والحل العسكري الحديث لا يعني تعبئة الجيش بل تعبئة الشعب تعبئة شاملة، ليحقق اقصى ما يمكن من فعالية دفاعية في زمن الحرب.

وهذه التعبئة واجبة علينا في لبنان كما هي واجبة على كل دولة عربية. فإذا كنا لا نهاجم اسرائيل، الا اننا لا نستطيع ان نضمن ان اسرائيل المقاتلة في سبيل حدود المياه وفي سبيل ارض التوراة لن تهاجمنا. ومهما كانت قوة الرادع الدولي عن مهاجمة لبنان، إلا ان الرادع الاكبر هو شعورها وشعور كل من يتواطأ معها بأن اللبنانيين شعب واحد وأمة واحدة ومجتمع واحد وجيش واحد وروح واحدة في الدفاع عن حدود لبنان وكيانه وسلامته.

10 - التهبئة للدفاععن رؤيا الإنسان

لسنا نطلب هذه التعبئة دفاعاً عن ارض او وطن او حياة فحسب، ولكننا نطلبها ايضاً دفاعاً عن رؤيا للإنسان. فرؤيا الإنسان كما تتجلى في لبنان هي نقيضة رؤياه كما تتجسد في اسرائيل. رؤيا للإنسان اي لبنان هي رؤيا محبة واخوة وحرية وتسامح، واسرائيل بغض وعداوة وعبودية وتعصب. رؤيانا لبنان وحدة التنوع، وتواصل الارادة، وتلاحم الاختيار، واسرائيل وحدة التمييز، وتواصل الإكراه، وتلاحم، القسر. ورؤيانا لبنان قومية الروح، ووطنية العقل، وسياسة التراضي، واسرئيل قومية العرق، ووطنية الاغتصاب، وسياسة العدوان. ورؤيانا للبنان ذروة الوحدانية، بما في رسالتها التثليثية المسيحية والتوحيد الاسلامية من تقديس عام للإنسان كمخلوق على صورة الاله وكخلقية لله في الكون، واسرائيل مسخ قبلي للوحدانية، وتصغير للإنسان في حيز الزمان والمكان.

ان رؤيانا منتصرة بانتصار لبنان الجديد. ولن يكون هذا انتصاراً لنا لو لحق شعب فلسطين في وطنه، او لأخواننا العرب فحسب، بل انتصاراً للإنسان، اي لإنسانيته على بربريته.

 

 

________________________________________________________

·         الخطر الاسرائيلي على لبنان، محاضرة للمفكر السياسي الدكتور حسن صعب، مؤسس وأمين عام ندوة الدراسات الإنماية،

القاها في نادي حركة الشبيبة الزغرتاوية - اهدن، بتاريخ 17 أيلول 1967.