ها هي مصر تتخبّطُ بكلّ أطيافها سلطة ومعارضة فبعد أن وصلت إليها رياح التغيير وانقلبت عروش طال أمد بقائها واستبشر الشعب بالخلاص من الزنازين والمتغطرسين في تلك الحقبة المنصرمة وتدجرت الرؤوس من عليائها وتم القبض على الجناة بما اقترفوهُ خلال عهود الظلام وبما سرقوه من ثروات شعوبهم وبددوها على أزلامهم والعسس. عادت المحروسة لتعيش مخاضاً عسيراً ينبئ بويلات وكوارث، ما لم يتم تدارك الأمور من أصحاب الفكر والعلم والحكمة داخل مصر العظيمة.

وها هي أرض الكنانة تئن بجراحها مجدداً وكأنه القدر كتب لها أن لا تستقر وأن لا تهنأ وأن لا تستعيد دورها الريادي في المنطقة. وبعد أن وصل الإسلاميون إلى مراكز السلطة فوجدوا ما تراكم من عجز وما تبقىّ بعد الحرب من حطام فغرقوا في حيرة من أمرهم ولم تكن لهم تجربة سابقة، ولا خبرة في ادارة البلاد وشؤون العباد، وكيف بحالهم والوطن مازال غير ناهض من كبوته يتقلب بين الدهشة والمشهد ويلملم جراحه التي لما تبرد بعد، وسط تدخلات خليجية وغربية تمتد إلى خصوصيات الشعب ومفاصل الحكم وبأدوات استخباراتيه ودبلوماسية ،يطرحون عليهم الحلول الخطأ ويصححون الخطأ بخطأ أكبر منه ،فانقسم الشارع ما بين مؤيد ومعارض وتبدلت الأدوار، وسقط الثائر من جديد تحت قبعة أخيه المواطن العلماني وراح كلّ فريق يحاول إغراق من ظنه خصماً وبدأ مسلسل العنف يجتاح مصر من مدنية إلى مدنية ومن محافظة إلى محافظة، فاصطبغت الساحات بدماء الأبرياء واستبسل الدخلاء بفتاوى مغرضة واغراءات دنيئة تشوهُ المسيرة وتحرف الثورة عن مسارها.ولعلَّ الإسلاميين الذين ترأسوا السلطة في هذه الفترة قد قدموا لخصومهم أفضل هدية بارتكابهم أخطاء قاتلة في السياسة، وظنوا أن َّ الغرب سيحميهم ولن يتركهم فمارسوا سياسة الإقصاء واستعدُوا جميع القوى السياسة تحت شعارات إسلامية متطرفة.. ولكن الخطأ المذكور لا يعالج بخطأ أكبر منه، مفكرة الثورة لا تحمل ثمار نصر لفريق على آخر، وسياسة العزل التي مارسها الإسلاميون ها هم الجيشُ يمارسُها تحت شعار حماية الثورة وانجازاتها فماذا تبقى للثورة الفتية والشعبُ المصري يتقاتل في الشوراع وكل طرف يدعي أنه الممثل الشرعي للناس. أليس كان من الأجدر والأفضل لمصر أن يعود الناس إلى صناديق الإقتراع لتكون الحكم والفيصل من جديد. أليست هي أفضل وسيلة ديمقراطية حضارية تحدد من هو الشرعي من اللاشرعي؟وما هي النتائج الايجابية المتوخاة من سياسة العزل غير التناحر وإضعاف الدور المصري الذي إن عاد فسوف يكونُ للبلاد العربية والإسلامية شأناً كبيراً على المستوى السياسي والإقتصادي... في اي حال فإن العيون اليوم كلّها مشدودة إلى أرض الكنانة التي كانت على الدوام من صنّاع التاريخ والعالم كلّه يتابعها لحظة بلحظة. فإن كانت مصر في عافيةٍ انعكس ذلك على الوطن العربي وإنّ اشتدت فيها الأزمة فسوف تطالُ كل الأقطار العربية دون استثناء، فحذاري حذاري أيها المصريون، عودوا إلى لغة العقل، ولتكن صناديق الإقتراع مجدداً هي الأداة التي تعبرون من خلالها عن تنوع الآراء، وكما العنقاء ستولد من تحت الرماد، وكذلك هي مصر لن تسمح لأحد بأن يسرق ثورتها وأن يطالها سيف الغدر بعد اليوم...

ع.ب