1- الصوم و المسؤولية الاجتماعية :

  يشكل الصوم مدرسة تربوية و اخلاقية تدعو الى الالتزام بالقيم و السلوكيات المستقيمة على المستوى الفردي , و الصوم ايضا هو مدرسة اجتماعية رسالية تدعو الى الصدق في العلاقة بين الناس , والى التسامح و التعاون ونبذ الاحقاد و اخراج الغل من الصدور .

   فالصوم ليس عبادة تعزل المسلم عن واجباته الاجتماعية , بل الصوم يدفع المسلمين الى ايجاد احسن العلاقات فيما بينهم ومع غيرهم  , وهناك في الروايات ما يؤكد هذه الحقيقة حيث ان الصوم يدعو الصائم الى تحمل مسؤولياته الاخلاقية اتجاه المجتمع , فيصوم عن الاذى و الظلم و يحرص على دفع المخاطر عن الامة .

  فالمسلم الصائم يحمل مسؤولياته بقوة اتجاه المجتمع و اهم خاصية اجتماعية من خواص الصوم لاسيما في شهر رمضان هو الشعور بحرمان الاخرين فيدفعه ذلك الى مساعدتهم , واهم خاصية ثانية للصوم تدعو الى التواضع هي الشعور بالمساواة بين ابناء المجتمع فالكبير و الصغير و القوي و الضعيف و الرئيس و المرؤوس و الرجال و النساء يصومون دون أي تمييز بينهم .

 وقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام في سياق ما تقدم انه قال : ( أما العلة في الصيام ليستوي به الغني والفقير، وذلك لأن الغني لم يكن ليجد مس الجوع، فيرحم الفقير، لأن الغني كلما أراد شيئا قدر عليه، فأراد الله عز وجل أن يسوي بين خلقه وأن يذيق الغني مس الجوع والألم، ليرق على الضعيف ويرحم الجائع)

2 – الصوم واصلاح ذات البين :

ونقرأ في رسالة الصوم دعوة واضحة الى المسلمين جميعا على اختلاف بلدانهم و لغاتهم ضرورة السعي لإصلاح شؤونهم , و خاصة في معالجة الاختلافات و التناقضات الحاصلة فيما بينهم و التي تتسبب  بضعفهم و تراجعهم ,  فيسعى المسلمون الى ايقاف الصراعات فيما بين بعضهم البعض , ونامل ان ينتهي الصراع قريبا في سوريا و العراق .

و الاستكبار العالمي يريد للشعوب العربية و الاسلامية ان تدخل في تناقضات يلزم منها الدخول في صراعات و حروب تؤدي الى استنزافها , لذا الغرب لا يستعجل الحل في سوريا و لا يستعجل الى عقد مؤتمر جنيف 2 من اجل وضع حد للمأساة , بل يريد ان تطول الازمة في سوريا اطول فترة ممكنة حتى يسير بخارطة الطريق التي رسمها و اعدها لسوريا , و كلما زاد الشرخ داخل الساحة العربية و الاسلامية كلما كانت اقرب الى السقوط في المشروع الغربي .

3 – لا اسلام سياسي بعيدا عن خيارات الامة :

  ولايخفى ان الاحداث في مصر تسير نحو المزيد من الفوضى و تدفع كافة الاطراف الى الدخول في صدام لا تحمد عقباه , و لابد وان يعطي الجميع  فرصة للحوار مقدمة للمصالحة الوطنية قبل ان تفرض من خلال التسويات الدولية , ومن المعروف ان التسويات الدولية تكون دائما على حساب مصلحة الوطن و اهله وخاصة تلك التسويات التي تقودها اميركا و الغرب وحديثا روسيا على مستوى الساحة الغربية .

  وهنا نشير الى محطة اساسية على مستوى الصراع في مصر بين الاسلام السياسي المتمثل في حركة الاخوان المسلمين و بين الارادة الشعبية الطاغية , وهي ان الاسلام السياسي لازال يعيش عالم النظريات غير المكتملة وغارق في مفهوم السلطة و الامارة , و تكفير المسلمين المخالفين لهم و جهادهم بلا سند من القران و السنة و دون ان يعيش اصحاب هذه النظريات الاسلام الذي ينطلق من مفهوم الامة و التدرج في التغيير و ينفتح على المجتمعات الاخرى, ومن يقود الامة لا يعمل على تغييب دورها قال تعالى في سورة الشورى ( و الذين استجابوا لربهم و أقاموا الصلاة و أمرهم شورى بينهم و مما رزقناهم ينفقون ) اية 38 وقال تعالى في سورة النساء (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله و لو على أنفسكم أو الوالدين و الأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا) اية 135.

4 –الرسول الاكرم صلى الله عليه واله كان يعمل بمشورة المسلمين :

  ومن هنا كان الاسلام السياسي في مصر وفي كثير من الاماكن مصطدما مع ارادة الامة قبل ان يشكل رسالة عالمية تشكل خلاصا لشعوب الارض من الماسي و الالام , التي تعيشها ومن هنا لا اسلام سياسي من خارج الامة و لا اسلام سياسي بعيدا عن خياراتها , التي عززها الاسلام بالمشورة و الزم الله تعالى نبيه الاكرم محمد صلى الله عليه واله بها في غير القضايا التشريعية , وطبقها صلوات الله عليه في كثير من المحطات و كان يأخذ فيها بمشورة المسلمين قال تعالى (وشاورهم في الأمر) آل عمران الآية 159.

ونعود لنقول بان شهر رمضان يدعو من خلال رسالته الهادفة و السامية اللبنانيين جميعا الى نبذ الخلافات و الصراعات , و يدعوهم الى العمل لإنقاذ لبنان من المشاريع الخارجية التي تريد دفعه نحو الأفغنة و العرقنة و الصراع المذهبي  و الطائفي و التي لا مصلحة لاحد فيها .

و شهر رمضان المبارك لابد و ان يكون شهر المصالحة بين الجميع , وان يصوم الجميع عن كل المحطات الظلامية , و ان يخرجوا من سياسة العزل و التي اثبتت انها لا تخدم الساحة الوطنية و الاسلامية .

  و قضية ربط تأليف الحكومة بعزل فريق من اللبنانيين هو مكون اساسي في المجتمع اللبناني يخرج الحكومة من دورها الجامع و الموحد و الميثاقي .

  و لا ننسى ان اسوء الحكومات الحكومة الحالية , التي دفعت لبنان الى المزيد من الازمات الامنية و الاقتصادية و السياسية , فلبنان لا يستقيم وضعه الا بحكومة وحدة وطنية تجمع و لا تفرق و تحصر الخلافات في دائرة الحوار الهادف و القائم على الثوابت الوطنية .

  5 – سلاح المقاومة بين الضرورة وضرورة تنظيم العلاقة و الدور :

الهواجس الناشئة من سلاح المقاومة لدى فريق من اللبنانيين , لا يمكن علاجها الا من خلال الحوار على ضوء الثوابت الوطنية , ولبنان لا يستقيم بالسياسة التي يسير فيها الان لأنها سياسة تؤدي به الى الانتحار , و علينا ان نعلم انه قبل النظر في موضوع السلاح لا  بد من التركيز حول مدى قدرة لبنان على حماية نفسه من الاطماع الاسرائيلية و النوايا العدوانية لها بعيدا عن هذا السلاح .

    وبتعبير آخر هل الجيش اللبناني قادر على التصدي لإسرائيل امام أي عدوان تقوم به ام لا ؟ وهل يملك امكانيات الدفاع عن نفسه امام الالة العسكرية المدمرة ام لا ؟ وهل مسموح للجيش اللبناني ان يملك السلاح المتطور و المتقدم و المتوازن الذي يؤهله لردع العدو الاسرائيلي عن أي عدوان ؟

  الواقع يثبت الى الان عدم قدرة الجيش على المواجهة المفتوحة مع العدو الإسرائيلي  , وخاصة ان مراكزه مكشوفة ومراكز المقاومة غير مكشوفة مع انه نتمنى ان يملك الجيش الظروف المساعدة على مواجهة أي اعتداء اسرائيلي لحماية الوطن ترابه و اهله .

   والهواجس المطروحة حول سلاح المقاومة و استغلالها في قضايا داخلية , فهذا ما يحتاج الى حوار صريح بين الجميع حول معالجة هذه الهواجس , ضمن وضع دراسة حول الاستراتيجية الدفاعية التي تحفظ سلاح المقاومة في خدمة حماية الوطن و تنظم و تحدد العلاقة و الدور مع هذا السلاح , وتقطع الطريق على أي مشروع يجعل من هذا السلاح مادة للفتنة بين اللبنانيين و تواجه المخططات الخارجية التي تستهدف هذا السلاح .

 و لا يخفى ان ذلك يستدعي انشاء لجنة حوار وطني هادف تنطلق من الثوابت اللبنانية , و تشكل منطلقا و ميزانا لرسم سياسة لبنان الدفاعية و ليس من سياج للوطن كوحدة اهله حول ذلك .

امام مسجد الامام شرف الدين (قده) – صور

الشيخ حسين اسماعيل