تزخر كتب التراث بطرائفهم، وعلى المرء أن لا يُسيء الظنّ بهم، في دينٍ أو أدبٍ أو مروءة، فقد كانت طويّتُهم سليمة، ونباهتُهم حاضرة، وأعرافهم صادقة. منها ما رُوي أنّ الحجاج خرج مُتصيّداً بالمدينة، فوقف على أعرابيٍّ يرعى إبلاً له، فقال له. يا أعرابي، كيف رأيت سيرة أميركم الحجاج. قال له الأعرابي. غشومٌ ظلوم، لا حيّاهُ الله. فقال. فلمَ لا شكوتموه إلى أمير المؤمنين عبد الملك. قال. فأظلمْ وأغشم. فبينا هو كذلك إذ أحاطت به الخيل، فأومأ الحجاج إلى الاعرابي، فأُخذ وحُمل، فلما صار معه قال.من هذا، قالوا له هذا الحجّاج، فحرّك دابّته حتى صار بالقرب منه، ثم ناداه. يا حجاج. قال، ما تشاء يا أعرابي. قال، السر الذي بيني وبينك أحب أن يكون مكتوماً. قال. فضحك الحجاج وأمر بتخلية سبيله.                     وغزا أعرابيٌّ مع النبي،ص، فقيل له. ما رأيت مع رسول الله في غزاتك هذه. قال، وضع عنّا نصف الصلاة، وأرجو في الغزاة الأخرى أن يضع النصف الباقي.


 عن الأصمعي قال: عُرضت السجون بعد هلاك الحجاج، فوجدوا فيها ثلاثة وثلاثين ألفاً لم يجب على واحدٍ منهم قتلٌ ولا صلب.وفيهم أعرابيٌّ أُخذ وهو يبول في أصل سور مدينة واسط. فكان ممن أُطلق سراحُه. فأنشأ يقول:
إذا ما خرجنا من مدينة واسطٍ                         

 خرينا وبُلنا لانخاف عقابا.


 وخرج أعرابيٌّ الى الحجّ مع أصحابٍ له، فلما كان ببعض الطريق راجعا الى أهله، لقِيه ابنُ عمٍّ له، فسأله عن أهله ومنزله، فقال..إعلم أنّك لمّا خرجت وكانت لك ثلاثة أيّام، وقع حريقٌ في بيتك.فرفع الاعرابي يديه الى السماء، وقال..ما أحسن هذا يارب. تأمرُنا بعمارة بيتك أنت، وتخرب بيوتنا.