المكر احتيالٌ في خفية، يقول الليث في لسان العرب: وسمعنا أنّ الكيد في الحرب حلال، والمكر في كلّ حلالٍ حرام، قال الله تعالى: ومكروا مكراً ومكرنا مكراً، وهم لا يشعرون، وقال أهل العلم بالتأويل: المكر من الله تعالى جزاء، سُمِّي باسم مكر مجازاً، كما قال الله تعالى: وجزاء سيّئةٍ سيّئةٌ مثلها، فالثانية ليست سيئة في الحقيقة  ولكنها سُمّيت سيئة لازدواج الكلام، وكذلك قال الله تعالى: فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه، فالأول ظُلم، والثاني ليس بظلم، ولكنه سُمّي باسم الذنب لِيُعلم أنّه عقابٌ عليه وجزاءٌ به.

 


ويبدو أنّ المكر في جوهر العقل، حتى أنّك إذا أردت أن تحرث الأرض، فلا بد من "مكرها"، فيُقال: امكروا الأرض فإنّها صلبة، ثم احرثوها، يريد اسقوها، واللغة تُجيز ذلك، فالمكر سقيُ الأرض، ومررتُ بزرعٍ ممكور  أي مسقي، وفي الفلسفة الحديثة، المكر ليس وقفاً على الأفراد، ففِكرة "التّقدُم" التي أشاعتها فلسفة "الأنوار" ما هي إلّا مكرٌ خفيٌّ في وجه المحافظين والرّجعيّين  ومُناهضي التقدّم والحتمية التاريخية، كذلك فإنّ تحقُّق الشيوعية عند الماركسيين هو أمرٌ لا بُدّ منه،رغم أنف الرأسماليين الخبثاء، وعند الفيلسوف الألماني هيغل، فإنّ الإنسان الفرد، وإن كان يصنع ويُحقّق بشكلٍ أو بآخر لحظات التاريخ، فإنّ هذه اللحظات موضوعة في خدمة ما يتجاوزها إلى المُطلق، وهذا المعنى للتاريخ المُتجاوز لإرادة الأفراد، هو موضوعي بقدر ما هو ذاتي.

 


لا يتوانى هذه الأيام الأمير محمد بن سلمان، وليُّ عهد المملكة العربية السعودية  عن صُنع تاريخٍ جديدٍ للمملكة، بالمكر الخفي، وبالتمرّد على الولايات المتحدة الأمريكية، التي لا تنفكّ عن دعم إسرائيل، ومُحاباة إيران على حساب العرب عامّةً، ودول الخليج العربي خاصة، وهو يبذل جهده لفتح آفاقٍ رحبة لمستقبل المملكة العربية السعودية السياسي والجغرافي والتاريخي، ليغدو بين ليلةٍ وضحاها عظيماً من عُظماء التاريخ الذين يعرفون متى يمكرون كمكر الله تعالى، ومتى وكيف ينتصرون، هذا مع الإشارة إلى أنّ "الثورات" التي حصلت في العقود الأخيرة( الإتصالات والمعلومات وغزو الفضاء واستخراج الثروات المدفونة في البر والبحر)، قد غيّرت وجه العالم، وغيّرت منزلة الصواب والخطأ، في المعارف الحديثة، لم يعد باستطاعة أحد أن يُمسك بإصبعك ليُرشدك إلى منزلة الصواب والخطأ، بل إنّ هنالك من لا يرقى إلى منزلة الصواب إلّا عبر مزالق الخطأ، لأنّ جوهر الإنسان هي الحرية، الإنسان حُرّ، وعلاقاته مع الطبيعة، ومن ضمنها البشر، ليست مُحدّدة مرّة واحدة، وإلى الأبد، لذلك كلّه، أو مُعظمه، يُمارس الأمير محمد بن سلمان حُرّيته الكاملة في مُقارعة الأمبريالية الأميركية، ووكيلها الدائم إسرائيل  وربيبتها المُتنكرة إيران.