ايا كان حجم الثقة التي ستنالها حكومة ميقاتي - عون لن يتوقف عندها أحد. فالمسألة مسالة ارقام جمعت بين اهل البيت، والاهم سيكون في ما بعدها، فالى الأولويات المعلنة سيواجه الرئيس الجديد للحكومة تركة سلفه من المراسيم والموافقات الاستثنائية التي تعدت المئتين بقليل، في ظل التشكيك بقانونيتها ودستورية بعضها. وعليه بنيت الكثير من السيناريوهات حول مصيرها قياسا على تجربتي ميقاتي الـ 2011 – 2013 ودياب 2020 – 2021؟
 
بعد ايام قليلة سينشغل الصحافيون في ملاحقة مضمون جداول أعمال اجتماعات مجلس الوزراء التي يتسابقون للحصول عليها في مرحلة يقال ان جلساتها ستكون مرتين في الاسبوع من اجل استكشاف المرحلة المقبلة وكيفية التعاطي مع الملفات الإقتصادية والإنمائية والخدماتية التي افتقدها الصحافيون قبل اللبنانيين على مدى أكثر من ثلاثة عشر شهرا. وعليه سيكون علينا ان نبحث عن مضمون عشرات المراسيم والموافقات الاستثنائية التي خلفتها حكومة دياب لتسوية أوضاع إدارية ومالية قالت بها وفرضتها مسبقا على الحكومة الجديدة. بعدما غابت صور جامعة لمجلس الوزراء في ظل التقنين الذي مارسه الرئيس السابق للحكومة الدكتور حسان دياب بالتزامه الحد ما دون الادنى من أصول "تصريف الاعمال" وعدم الدعوة الى اي جلسة ايا كانت الظروف التي رافقت الحاجة الى مثل هذه الخطوة.


 

فقد عبرت البلاد أكثر من استحقاق كبير كان من المفترض برأي البعض ولا سيما رئيس الجمهورية لجمع مجلس الوزراء للبت بالكثير من القضايا الطارئة، وقد اصطدم برفض مطلق من دياب القيام بواجب الدعوة اليها فهي مهمة من صلب صلاحياته الدستورية الآحادية التي لا يشاركه فيها احد. فالاصول الدستورية قالت أكثر من مرة بأن رئيس الجمهورية لا يمكنه الدعوة الى جلسة لمجلس الوزراء وهو "يحضر الجلسة فيرأسها".

 

ولذلك ربط المراقبون بين اصرار دياب على رأيه في هذا الموضوع، ولجوء رئيس الجمهورية الى الإسراف في الدعوات الى اجتماعات المجلس الاعلى للدفاع والاجتماعات المتخصصة الامنية منها والاقتصادية – المالية والتربوية والصحية قياسا على حجم الظروف التي املتها عدا عما يترتب عليها من التزامات قانونية ودستورية. وهو ما عده البعض مخالفة دستورية الى درجة قيل ان ليس هناك من مصلحة لرئيس الجمهورية بتشكيل حكومة جديدة طالما انه قادر على مواجهة كل الاستحقاقات وإدارة شؤون الدولة منفردا بالطريقة التي قادت في شكلها ومضمونها الى الكثير من التشكيك مما اتخذ من قرارت تنفيذية إلزامية. ولا ينسى احد ما بلغته اتهامات "نادي رؤساء الحكومات السابقين" الذين رأوا في ما حصل تجاوزا لحد السلطة وخروجا على الدستور، لما شكلته من تجاهل لدور مجلس الوزراء ورئيسه الذي تغيب عن البعض منها ومعه وزراء آخرين كانوا من المعنيين بما حصل.

 

ولمن خانته الذاكرة، لا يمكن تجاهل النقاش الحامي الذي نشأ تحت عنوان "حرب الصلاحيات" بين بعبدا والسرايا حول واجب الدعوة الى جلسة مجلس الوزراء من عدمه. ولا ينسى ما رافق ذلك من جدل دستوري عندما قال مستشارو بعبدا ان من واجب دياب الدعوة الى عقد جلسة لمجلس الوزراء فردت السرايا باستحالة الخطوة عملا بالدستور ومقتضيات تصريف الاعمال بالضيق منها. وان طال النقاش والجدل قيل أكثر من مرة بان حكومة الرئيس ميقاتي (2011 – 2013) عقدت أكثر من جلسة بعد استقالتها وأجرت انتخابات فرعية نيابية وبلدية واختيارية ووجهت الدعوة الى انتخابات نيابية قبل تأجيلها كما شكلت مجالس وهيئات ادارية، وفتحت دورة التراخيص النفطية.


 

ولا ينسى أحد ممن واكبوا تلك المرحلة ان جواب دياب وفريقه كان مقتضبا وواضحا ومفاده "إن خالف الرئيس ميقاتي يومها الدستور وخرج عما قال به مبدأ تصريف الاعمال فان حسان دياب ليس على استعداد لتحمل مثل هذه التهمة يوما". وهو ما فرض امرا واقعا جديدا توسعت فيه الإجراءات الإدارية والمالية الى ان تم اللجوء الى المراسيم الجوالة والموافقات الاستثنائية التي تجاوز عدد ما صدر منها في الأشهر الثلاثة عشرة الماضية الى ما يزيد على مئتي مرسوم وموافقة ما عدا تلك التي لم تحظى بالموافقة النهائية الشاملة. وهي المراسيم والموافقات التي سمحت بإدارة شؤون المؤسسات الى درجة فضفاضة ستسمح عند التمحيص في البعض منها بامكان تعطيلها وإنهاء مفاعيلها وربما هناك من يدعو الى مقاضاة من اصدر بعضا منها لمخالفتها الأصول الادارية والمالية البديهية على خلفية ما شكلته من أعراف وسوابق لم يسبقهم اليها احد. ولا ينسى هؤلاء ان بعضا من هذه المراسيم والموافقات سيفرض على حكومة ميقاتي القبول طوعا بما رسم لها سلفا. ومنها ما هو عاجل عند البحث بموازنة العام 2021 – 2022 ستضطر الحكومة الى احتساب مبالغ كبيرة سحبت سلفا منها لتمويل برامج الدعم، كدين على الدولة من مصرف لبنان وستقتطع له وتعاد منها وهو امر غير مسبوق في الموازنات السابقة.

 

ولتعذر البحث في الكثير من هذه المراسيم والموافقات لا بد من التوقف عند بعضها ولعل أهمها مما لا يجب نسيانه على الاطلاق، فان تعديل المرسوم 6433 الخاص بتأكيد حق لبنان بمنطقة اضافية من المنطقة الاقتصادية الخالصة والغاء الخط 23 لصالح الخط 29 واجب الوجوب. فالإجراءات التي اعتمدت وانتهت الى تجميده في قصر بعبدا مرده الى فقدان مجلس الوزراء الذي له الحق وحده بالتعديل والبت به وهو ما بات متوفرا اليوم بعد تشكيل الحكومة الجديدة. وعدا عن ذلك فان احدى وسائل مواجهة الاعتداء الاسرائيلي الجديد بالإعلان عن تلزيم شركة "هاليبرتون" الأميركية للتنقيب شمال حقل كاريش عن النفط في تلك المنطقة يستدعي وضعه من بين أولويات القضايا التي على مجلس الوزراء البت بها لئلا تبقى مجمل المواقف الرافضة والمراجعات امام مجلس الامن الدولي لتعطيل الخطة الاسرائيلية بلا معنى. فما قامت به اسرائيل حتى اللحظة هو شرعي وما زال من ضمن مياهها الخاصة وفي منطقة لا يمكن اعتبارها متنازع عليها ومعها الامم المتحدة ايضا ما لم يكمل لبنان خطواته الالزامية بتعديل المرسوم وتسليم نسخة منه الى الأمم المتحدة بأسرع وقت ممكن.


 

وختاما، وبانتظار ان تباشر الحكومة اعمالها ستظهر كيفية مقاربة هذه المراسيم والموافقات النهائية ورب قائل ان جداول اعمال مجلس الوزراء ستتناولها بالعشرات في الفترة القريبة فلنترقب ما يمكن ان تقوم به الحكومة قبل الحديث عن ملف خلافي جديد يحمل اسم "ازمة المراسيم السابقة" كازمة قائمة بحد ذاتها ترفع عدد الأزمات الخلافية القائمة بين اهل الحكم والحكومة.