نشرت صحيفة "الأخبار" الناطقة باسم محور الممانعة مقالاً للصحافي حسن عليق بتاريخ 15 حزيران 2021 تحت عنوان:"جوزف عون يلعب بالنار"، شنّ فيه هجوماً عنيفاً على الجيش تناول سياسة المؤسسة العسكرية وعلى قائدها، في إطار حملة تطاله منذ أشهر، وهي تتزامن مع كلّ تقدّمٍ يحقّقه العماد جوزاف عون للحفاظ على الأمن والاستقرار، ولتأمين صمود الجيش في وجه التحديات.


ما قاله علّيق استوجب الردّ لأنه تناول جملة نقاط تحتاج إلى تفصيل لدى الرأي العام، ليس من منطلق الدفاع الشخصي عن قائد الجيش، وإن كان من الطبيعي رفض الافتراء على شخصية بهذه المناقبية، ولا من منطلق رفض انتقاد المؤسسة العسكرية، فالمسألة ليست شخصية، والجيش مؤسسة تخضع للقانون، الذي نسفه من يزايد على الجيش في مواقع كثيرة لا تُحصى.

 

 

الوصاية المرفوضة على الجيش


انزعج علّيق من إعلانٍ نشرته "صفحات الجيش اللبناني على مواقع التواصل الاجتماعي، وسرعان ما أزيلت، وجاء فيها: "تمرين تكتي في منطقة جرد العاقورة يحاكي مهاجمة عناصر مسلحة متمركزة في مركزي قوسايا ودير الغزال نفذه عناصر من فوج التدخل السادس واستخدمت خلاله الذخائر الحية والخلبية".


وتابع عليق:"الجيش يتمرّن لمهاجمة مواقع للجبهة الشعبية - القيادة العامة (وهي جبهة حليفة للبنان)، تاواقعة في السلسلة الشرقية لجبال لبنان. المسألة ليست تفصيلاً، ولا هي حدث منفصل عن النهج السياسي العام المعتمد في قيادة الجيش، منذ عام 2005، وتعمّق في عهد القائد الحالي العماد جوزف عون. عامذاك، وبعد انسحاب الجيش السوري من لبنان، رمت السلطة السياسية الجيش في الحضن الأميركي. الحضن الأميركي حصراً".


يعتبر عليق أن وجود "خطط لدى الجيش لمقاتلة قوات الجبهة الشعبية في قوسايا ودير الغزال (..) وشأنٌ بهذه الخطورة، ينبغي أن تدرك قيادة الجيش أنه يعرّض الأمن الإقليمي للخطر، لا الأمن اللبناني وحسب. 

 

 

تذكير بالحقائق والثوابت


في لغة عليق استعلاء مستند للاستقواء بالسلاح، يحاول أن يقلب الحقائق. فالأصل أنّ الجيش يجب أن يسيطر على كامل الأراضي اللبنانية، وأن لا يكون هناك سلاح غير سلاحه على هذه الأرض. لكنّ زميلنا حسن أراد أن يصوِّر للبنانيين أن الجيش سيكون في موقع المعتدي إذا قرّر في لحظة من اللحظات القيام بدوره الطبيعي بالانتشار في تلة قوسايا أو في أي موقع آخر. وهذا عكس الحقيقة، فالمعتدون هم المسلحون القابعون في تلك التلة خلافاً لأي حقٍ أو منطق، وواجب الجيش إزالة أيّ سلاح خارج الشرعية، خاصة إذا كان سلاح هيمنة وقرصنة، ساقط الجدوى من معادلات المقاومة الفعلية للعدوان.

 


ثم من الذي يحدّد الحلفاء، وبأي معيار جبهة أحمد جبريل حليفةٌ للبنان، وقد كانت طرفاً في الحرب على اللبنانيين، واستمرّت في الخروج على الدولة بعد انتهاء الحرب، إلاّ إذا كان لبنان الذي يقصده عليق هو "حزب الله" وأحزاب النظام السوري، وساعتها يكون الخطأ أكبر في التصنيف.

 


هذا المنطق الذي ينطق به عليق، يريد جعل الجيش تحت وصايةٍ آحادية ترى سلاحَ منظمةٍ تحتلّ جزءاً من الأرض اللبنانية، سلاحاً مقدساً لا يجوز حتى التفكير في إزالته وفي إعادة هذه الأرض لحضن الدولة.


بأيّ صفة تحتلّ مجموعة فلسطينية مسلحة أرضاً لبنانية وتمنع على اللبنانيين بجيشهم وشعبهم دخولها، وما هي القيمة الفعلية لسلاح منظمة لم تقاتل العدو الإسرائيلي منذ ثمانينات القرن الماضي، فضلاً عن أنّ قرارها ومرجعية سلاحها خارجان عن الدولة اللبنانية.

 


السؤال الأهم: لماذا يهدّد إزالة مواقع الجبهة الشعبية الأمن اللبناني والإقليمي، وهل يقصد عليق أنّه إذا قرّر الجيش تحرير المواقع التي تحتلها جبهة أحمد جبريل، سيتدخل "حزب الله" والنظام السوري مثلاً، ضد الجيش اللبناني؟
لماذا على اللبنانيين من أبناء جوار تلك القاعدة، قبل الجيش، أن يقبلوا بوجود مسلّحين غرباء (لا تعرفهم الدولة ولا الجوار)، يمنعون عليهم المرور أو الاقتراب من الأراضي المحيطة بالقاعدة، ويفرضون قواعدهم على الجوار بكلّ وقاحة واستبداد..

 


هذا المستوى من قلب الحقائق، لا يصدر إلاّ عن أناس فقدوا الإحساس بأصل الأشياء، وانحرفت مداركهم إلى مساحات الخروج على الدولة، حتى أصبح الحديث عن السيادة جريمة والمطالبة بها ردّة..

 

 

التلاعب السياسي


يقول عليق:"تعمّدت سلطة 14 آذار القيام بذلك، ومنعت الجيش من التعاون الجدّي والمجدي مع أي دولة لا ترضى عنها الولايات المتحدة الأميركية. 


(..) 


وعلى مدى سنوات، لم تُقرّ الدولة اللبنانية تعديل عبارة في اتفاقية التعاون العسكري بين لبنان وروسيا. ذرائع متعددة ساقتها قيادة الجيش والقوى السياسية، تقاطعت جميعها عند نتيجة واحدة: التعاون العسكري الحقيقي، لا الشكلي، بين الجيش وروسيا ممنوع، بقرار أميركي امتثلت له السلطة السياسية، والتزمت به قيادة الجيش، سواء في عهد جان قهوجي، أم في ولاية القائد الحالي.

 

 

كفى ادعاءاً بالحرص على الجيش


في هذا السياق، يجب التوقف عند مسألة أساسية وهي مرتبطة بطبيعة تسليح الجيش، الذي يستند منذ عقود طويلة إلى السلاح الأميركي، وأيّ محاولة لتنويع مصادر السلاح لن تكون بالسهولة التي يتحدث عنها البعض، فضلاً عن أنّ تاريخ التعاون بين أي جيشين يبقى عاملاً حاسماً في توفير عنصر الثقة وتراكم الخبرات والتجارب.

 


لطالما تحدث محور الممانعة بسياسيّه وإعلامه عن استعداد إيران لتسليح الجيش اللبناني، وهذا أمرٌ تحول دونه العقوبات الدولية المفروضة على طهران، لكن "حزب الله" يتجاهل المسألة الأهم في هذا النقاش، وهي أنّ السلاح الثقيل والمتطور الذي يتباهى به أمينه العام، موجود في قسمه الأكبر على الأراضي اللبنانية، ولا يحتاج سوى للتوصل إلى تفاهم وطني حول الاستراتيجية الدفاعية، ووضع السلاح في كنف الدولة، وعندها لن يعود الجيش بحاجة إلى حصر تلقيه الدعم من الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا والعرب.

 

 

التعامي عم حقائق السياسة


يعتبر عليق أنّ "القوى السياسية انقسمت إلى ثلاثة أقسام:


الاول، هو فريق 14 آذار، المؤيّد تماماً لرمي الجيش في الحضن الأميركي.


الثاني، هو فريق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الذي لم يبذل أي جهد يُذكر لتنويع مصادر تسليح الجيش وتدريبه. كان هذا الفريق يرى في العلاقة بين الأميركيين والجيش باباً للحوار مع واشنطن.


الثالث، حزب الله وفريق 8 آذار، الذي تصرّف كما لو أن المسألة لا تعنيه: "نبتعد عن كل ما يمكن أن يؤثر على صلتنا بالجيش سلباً، كما عن كل ما يمكن أن يستخدمه خصومنا لاتهامنا بالهيمنة على الجيش أو بمنع وصول مساعدات إليه".

 

 

في هذا التوصيف تجاهل غريب للواقع السياسي، فكيف يمكن، مثلاً، لـ"حزب الله" أن:


ــ يخوض حرباً هائلة مثل حرب تموز 2006 ويحاصر بعدها فؤاد السنيورة في السراي الحكومي، وينفذ في العام 2008 الانقلاب الشهير في 7 آب، وأن ينشر القمصان السود ويفرض إزاحة سعد الحريري، ليأتي نجيب ميقاتي، وأن يتحكّم بأعداد الوزراء، ويحتفظ بالثلث المعطل ويأتي ببدعة الوزير الملك، ثم يعطل البلد عامين ونصف العام لفرض انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية، وينقضّ على مجلس النواب بقانون النسبية، فيقبض على الأغلبية النيابية والحكومية.. 

 


كيف يمكن لحزبٍ يتمتع بكلّ هذه القدرات أن يفشل في تحديد رؤية واضحة للعلاقة مع الجيش، غير التي عمل عليها في زمن الانقلاب، يمكن من خلالها الولوج إلى عمق الإشكاليات التي تبقي على ازدواجية السلاح.
كيف يمكن لعليق أن ينتقد "حزب الله" في سلوكه بموضوع علاقات الجيش، ثم ينحاز إلى منطقه ويضع حملته على الجيش في خدمة الحزب سياسياً وتكتياً.


أخطر ما فعله ساسة وإعلاميون الممانعة، أنّهم يحاولون جعل الجيش أشبه بشركة أمن خاصة، منزوعة السلاح والهيبة، ويتناسون أنّ الجيش مؤسسة تقترن بالوطن قيامة ونهوضاً، أو انتكاساً وانهياراً، وأنّ كلّ محاولات التسلّط وازدواجية السلطة انتهت إلى كوارث، تماماً كالتي نعيشها اليوم.

 


 
يعتبر عليق أنّ "صورة الجيش يصيبها ضرر كبير بوجودُ الحليف الأوثق والأول لـ«إسرائيل» في «الكادر» بشكل شبه دائم في زياراته للولايات المتحدة الأميركية، كان قائد الجيش يُعامَل كزائر فوق العادة". 


وفي بيروت (..) صارت «حصة» عوكر في اليرزة تزداد، فيما علاقة اليرزة ببعبدا تتراجع، وصولاً إلى ما بعد 17 تشرين الاول 2019، يوم باتت الشخصيات التي تشكّل «وعاء القرار» في بعبدا ترى في جوزف عون شخصاً يقف في جبهة الخصوم، لا على الحياد حتى.

 

 

إذا افترضنا جدلاً صحة معادلة ازدياد حصة عوكر في اليرزة مقابل تراجع العلاقة مع بعبدا، فهذا يعود إلى أمور كثيرة، منها:


ــ أنّ ساكن القصر وصهره أرادا أن يجعلا من الجيش بعد 17 تشرين أداة قمع دموية في وجه الناس لضرب سمعة الجيش أمام المحافل الدولية، وتحويله إلى ما يشبه بقية جيوش أنظمة القمع وإرهاب الدولية. لكنّ مسعاهما كان فاشلاً رغم حجم الضغوط والخروقات الممارسة على الجيش.
ــ أما السبب الآخر لتدهور علاقة بعبدا باليرزة، فهي التدخلات الجائرة التي حاول صهر العهد القيام بها، وتحويل وزارة الدفاع إلى مقرّ للتيار الوطني الحر، وهذه محاولات لا يمكن لأي قائد جيش أن يقبل بها، مهما كانت صلات القرابة أو روابط السياسة مع الطبقة الحاكمة.

 


ــ السبب الأهمّ في اتجاه قائد الجيش نحو أصدقاء لبنان، هو الفشل الذريع والبائن للتحالف الحاكم في تدبير شؤون البلد أولاً، وفي توفير احتياجات الجيش ثانياً، والقول للعماد جوزاف عون إنّه ممنوع من تلقي المساعدات، ثم القول له: إذهب أنت وربّك فقاتلا.. إنّا ها هنا قاعدون.

 

 

هكذا نرى قائد الجيش يطلق التحدي وينطلق نحو عواصم العالم التي لم يعد لديها من الطبقة السياسية أحد تثق به، وليس هناك سوى الجيش للتعامل معه في الدولة.


يتجاهل عليق مسؤولية "حزب الله" عن نهاية المطاف التي وصل إليها لبنان، بعد أن مدّ أياديه للقتال والعدوان على المحيط العربي، من سوريا إلى العراق، ومن البحرين إلى اليمن.. عمليات وقصف وصواريخ وطائرات مسيرة، لم تصل يوماً إلى داخل فلسطين، بل إنها لا تتقن التحليق إلاّ باتجاه العرب..

 

 

لنعرف من يعتدي على الآخر، علينا أن نتذكر أنّ تأمين الحدود هو مهمة أساسية للجيش، لكن هناك من بنى جيشاً رديفاً تحت اسم "المقاومة" وأطلقه خارج الحدود، فاستباحها وحوّلها إلى مساحات للتهريب والتخريب.


وماذا يقول السيد عليق عن الاعتداءات التي لا تتوقف على الجيش في البقاع، وهل استمع إلى حمزة راجح جعفر، وهو يوجّه التهديد المباشر لضباط الجيش وعناصره، ولو حصل ذلك في الشمال، لكان عليق وأمثاله أشبعوا الصفحات ندباً وعصراً للتباكي على المؤسسة العسكرية وضباطها.. لكنه يتجاهل هذه الجرائم بحقّ الجيش وكأنّ على رأسه الطير!

 


والأهمّ من هذا أنّ هناك تجاهلاً للفشل السياسي لـ"حزب الله" في إدارة البلد وحكمه، باعتباره صاحب الأغلبية السياسية، كما تباهى قادة طهران مراراً وتكراراً. فلا يمكن الهروب من حقيقة أنّ البلد محكوم من سلطة الحزب بشكل مباشر، منذ عقد التسوية الرئاسية ووصول عون إلى قصر بعبدا ببندقية الحزب، كما قال النائب المستقال نواف الموسوي.

 

 

أما عن حالة التنسيق بين قائد الجيش والولايات المتحدة، فأعتقد أنّ على الزميل عليق أن يتذكر أيضاً وأيضاً أنّ أقصى أماني الوليّ الفقيه وجميع رؤوس الممانعة، هو أن يجلسوا مع "الشيطان الأميركي" الذي يدعون لسقوطه، ويتوقون للقائه والتحالف معه، كما سبق أن حصل أيام جورج بوش خلال غزو العراق، ودخول القيادات التابعة لإيران على الدبابة الأميركية، وفي عهد باراك أوباما الذي اتخذ من النظام الإيراني خليلاً طرد مقابله كلّ مريديه الآخرين..
فالتعاون مع الإدارة الأميركية هدفٌ معلن لإيران وأحزابها، لكنه عار وشنار، على قائد جيش يسعى لتأمين الاستقرار لبلده والاستمرار لجيشه.. فلماذا عليه أن يكون سلبياً مع من يمدّ يد العون إليه، ولماذا عليه رفض دعم المجتمع الدولي وهو الباب الوحيد المتاح بعيداً عن العقوبات وبعيداً عن المزايدات.

 

 

أما أكثر المقاربات غرابة وتهافتاً، فهو حديثه عن "العواقب المعنوية" لمشاركة السفيرة الأميركية دوروثي شيا "في حفل تخريج دورة تدريب قوات خاصة (لبنانية طبعاً)، وصوراً أخرى لها من قلب غرفة عمليات أثناء تدريبات مشتركة مع الجيشين الأردني والأميركي".

 


إنتفض السيد عليق لتواجد السفيرة الأميركية في غرفة عمليات الجيش، لكنّ كرامته لم تنتفض عندما فتح الحرس الثوري الإيراني الحرب من لبنان وحضر قاسم سليماني ليدير العمليات القتالية، من دون أي اعتبار للدولة والشرعية والجيش، ولا للمصلحة اللبنانية.

 

 

يعترض السيد عليق على دور الجيش ومساعيه لضبط الحدود ووقف استباحتها من خلال التعاون مع مع الولايات المتحدة وبريطانيا، زاعماً أنّ لبنان ينفّذ مشروع الأميركيين وهو السيطرة على الحدود، بعد تحويل الجيش اللبناني إلى «قوات خاصة» حصراً، تؤدي دور «حرس حدود» (قوات هي أقرب إلى الشرطة منها إلى الجيش). 

 


هكذا، واصل السيد عليق الانقلاب على قواعد عمل الدول والجيوش، وحاول تصوير جهد الجيش لضبط الحدود وكأنّه مهمّة مشبوهة.. فأي مقاومة هذه التي لا تستطيع فكّ الارتباط بينها وبين التهريب، بل إنها تصدر "الفتاوى" التي تجعل التهريب من أعمال المقاومة، وكيف يمكن تصوّر قيام دولة لا تملك السيطرة على حدودها؟

 


أما عن حراسة الحدود، فلا نظنّ أنّ السيد عليق غافل عن أنّ دور "حزب الله" منذ بدء تنفيذ القرار 1701 لم يكن سوى حماية الحدود، والدليل على ذلك موقفه من محاولات إطلاق الصواريخ من لبنان في حرب غزة الأخيرة.

 

 

يبدو السيد عليق وكأنه فاقد للذاكرة عندما يعتبر أنّه مستفزّ لأنّ "الجزء الأكبر من جنود الجيش وضباطه لا يتلقون تدريبات وسلاحاً سوى من أكثر الدول دعماً للعدو الإسرائيلي"، ولإنعاش ذاكرته لا بدّ من استعادة فضيحة "إيران كونترا" وهي الصفقة السرية التي باعت، بموجبها، إدارة الرئيس رونالد ريغان خلال فترة ولايته الثانية إيران أسلحة بوساطة إسرائيلية، على الرغم من قرار حظر بيع الأسلحة إلى طهران وتصنيف الإدارة الأميركية لها "عدوة لأميركا" و"راعية للإرهاب".

 

 

يقول السيد عليق:"لا يُحسَد الجيش على موقفه. لا سلطة سياسية يستند إليها لمواجهة الرغبة الأميركية الدائمة في بسط النفوذ والهيمنة، ولا هو وُفِّق بقائد يجيد الفصل بين حالة «القوة» كمرشّح رئاسي لا يريد إغضاب واشنطن، وبين واقع «الفعل» بأنه قائد جيش لبنان، كل لبنان".

 


توضيحاً نقول:


منذ التسوية الرئاسية، والأغلبية الحاكمة المؤلفة من تحالف "حزب الله" والتيار الوطني الحر، هي الممسكة بالأغلبية النيابية والحكومية، فلماذا لم تستطيع أن تصوغ سياسة مختلفة، تتعلق بالجيش وتكون أفضل وأنجع وأكثر توازناً، إذا كانت تملك القدرة والرؤية لما هو أفضل.

 

 

الحقيقة الواضحة الناصعة، هي أنّ الجيش اليوم هو المؤسسة الوحيدة الصامدة والباقية، وقيادتها هي الأفضل في معالجة التحديات والأكثر اقتراباً من منطق الدولة والسيادة، ولذلك تتعرّض لكلّ هذا الكمّ من الضغط والافتراء وملء المساحات بالسواد، في وقت يحتاج فيه البلد إلى نصاعة البزة العسكرية لمنع الانهيار والاندثار، ولاستعادة التوازن في الحياة العامة.

 

 

أمّا الربط بين حركة العماد جوزاف عون وبين رئاسة الجمهورية، فهو كلام خبيث هدفه إسقاط حق الرجل في أن يكون مرشحاً طبيعياً للرئاسة، خاصة مع حكم الفراغ وهيمنة الفشل.

 


يكفي الجيش اللبناني فخراً أنّه لم ولن يكون قوة بطش بيد الطغاة والمستبدين، والمغتاظون من دوره بوسعهم أن يراقبوا جيشنا وهو يلملم شتات الوطن ويرفع ركام الخراب السياسي الذي تسبّب به أركان هذه الطبقة الفاشلة، بصمت بليغ مدوٍّ يبلغ صداه عنان السماء.