حسب المصادر المطلعة على التحقيق الذي أجري في السفارة عام ٢٠١٠ وعلى حيثيات القضية فإنه بحكم عمل الموظف (ج.ي) ‏ولفترة طويله على شباك المراجعين في بعثة لبنان في المانيا و تنقله بين عدد من أقسام الشؤون القنصلية فيها ما جعله يكتسب خبرة عملية استثمرها لاحقا لمنفعته الشخصية ولصالح طرف آخر مستغلا وظيفته هذه ليتصيد ضحاياه .

 


‏واما زوجته الموظفة (ج.ص) فهي التي أمسكت وتمسكت ولسنوات بملف الأحوال الشخصية (ويتضمن تسجيل الولادة والزواج والطلاق وصياغة وتنظيم القرارات القنصلية وطلبات اكتساب الجنسية اللبنانية) فكانت من مهماتها غض الطرف وتحريف الوقائع والحقائق وتقاسم المنافع.


‏وتمهيدا لتحقيق مأربهم قاموا بإتباع عدة طرق منها:


‏أولا - وبمعاونة من أفراد متنفعين في الجالية اللبنانية قاموا ببث الدعاية المغرضة والمسيئة للسفارة بين المغتربين وخصوصا القاطنين منهم في أماكن بعيدة بأن هذه السفارة لا تقوم بإنجاز معاملات الناس وتلبيه حاجاتهم كما يجب وأن المعاملات عالقة فيها وأن صلاحيتها مقتصرة ومحدودة على إجراء بعض المعاملات وصولا بأن الحل يكمن بتوكيل محامي في لبنان لإنجاز و إجراء المعاملات مباشرة هناك.

 

‏فيما الحقيقة أن تعليمات أصول إنجاز المعاملات القنصلية الصادرة عن الدولة اللبنانية واضحة بأن البعثات اللبنانية في الخارج هي مرجع المواطن في بلد الإغتراب وإن إجراء و إنجاز جميع المعاملات بما فيها تحديدا معاملات الأحوال الشخصية تكون عبر بعثة لبنان في الخارج وقد حددت الدولة رسوم مالية قنصلية تستوفى عند إنجاز بعض المعاملات (لا جميعها) لا يتجاوز قدر أعلاها الـ ٧٧ يورو .

 

كما حددت وزارة الخارجية أيضا البعثات المرجع بحيث انه في حال عدم وجود بعثة دبلوماسية في بلد ما فتكون بذلك أقرب بعثة لتلك البلد هي مرجع المواطن ، ما يلغي تماما ضرورة توكيل طرف ثالث ‏لإنجاز المعاملات مباشرة في الوطن الأم.


‏وخلافا لذلك فقد كان الموظفان المذكوران يوهمان كل من استطاعا من المراجعين وبعد الاطلاع على معاملته بأنه يتعين إرسالها مباشرة إلى لبنان ، لا عبر السفارة، ليصار إلى إنجازها عن طريق محامٍ ماهر ضليع في الشؤون القنصلية وعلى علاقة وثيقة  بهما .

فمن تبين لهَما أن حاجته لتسوية أوضاعه حتمت عليه الضعف والخضوع فقد وقع في الشرك فيسمى له المحامي (م.م).


‏ومع زيادة عدد الوكالات المنظمة لمحاميهم وتلافيا لحضور الموكلين إلى البعثة عمدوا إلى تحضير نماذج عن سندات التوكيل لا ينقصها الا إضافة اسم وتوقيع الموكل لترسل بعد مصادقتها  للمحامي في لبنان. ‏وبعد بلوغ عدد الوكالات المنظمة والمصادق عليها المئات وخوفا من افتضاحهم وانكشاف أمرهم أصبح تنظيم الوكالات مباشرة لدى كاتب العدل الألماني ليقوم المحامي م.م بعد ذلك بتصديقها لدى السفارة الالمانية في بيروت ثم وزارة الخارجية والمغتربين.
‏ولم يقتصر عملهما على هذا بل تعداه إلى أمور أخرى:


‏بحسب شهادات العديد من المواطنين الموثقة في تحقيق عام ٢٠١٠ فقد كان الزوج يذهب إلى اصحاب المعاملات ويحثهم على توكيل محامي الشبكة.  وإيغالاً في تضليلهم كان ينتحل صفة انه مبعوث ومرسل من قبل سفارة لبنان إليهم للإطلاع على معاملاتهم وحل مشاكلهم عاملا على إقناعهم بأحقية المبالغ المالية التي طلبها المحامي مقابل توكيله. ‏وكان يأخذ ويقبل مباشرة ولنفسه من اصحاب المعاملات إكراميات مالية وعينيه مما غلا ثمنها فقد كان لا يتورع عن الطلب ملتمسا لنفسه المنفعة مستغلا إنجاز المعاملات وإيصالها شخصيا لهم. وكان وزوجته يتبادلان الأدوار فيما بينهما فمن صعب عليه أمره كانت زوجته كفيلة بإقناع زوجة صاحب المعاملة بصوابية ما سيدفعانه. وكانت لا تقبل من الحلى والعطور إلا أغلاها وتطلب بل توصي بأن تكون هداياها من الماركات الشهيرة وتحديدا من دار Cartier.

 


‏وقد قسموا المعاملات الى فئتين:

١- ‏المعاملة المستوفية للشروط

٢-المعاملة الغير مستوفية للشروط 

وحددوا لكل معاملة تسعيرة تبدأ بعدة آلاف والدفع يكون اما باليورو أو بالدولار.

وكان القرار القنصلي الذي تم التلاعب به من قبل هذه الشبكة وتحريفه و إخراجه عن معناه وعما اصطلح عليه هو المقصد و الهدف المبتغى في اكثر المعاملات، وهو ماسيتبين في القرارات القنصلية الصادرة عن السفارة،  كيف لا وقد جعلوه المدخل الأساس لتسجيل الزواج والأولاد والحصول على جواز مرور ثم اكتساب الجنسية اللبنانية وابتزاز اصحاب القيود المسجلة خطأ في المديرية العامة للأحوال الشخصية.

 


-‏وهنا يقول أحد الشهود ممن حضر جلسات البازار تلك : ‏بأنه لما كان ‏المجتمعون يتفاوضون ‏مع المحامي (م.م) على تكاليف إنجاز المعاملات كان الموظف (ج.ي) يستمع ويوافق ويثني على توكيل المحامي قائلا بالحرف الواحد أمام المجتمعين أن السفارة سوف تبذل كل ما بوسعها لتسهيل معاملات هؤلاء الأشخاص الذين يوكلون المحامي الذي كان بدوره يستشير الموظف أمام الحاضرين فيبدي رأيه لصالحه. ‏وقد تراوحت تكلفة إنجاز المعاملات عبر المحامي (.م.م) ما بين  (9000) تسعة آلاف و(20000) عشرين الف يورو حيث سلمت باليد. ‏وعندما أبديت ( الشاهد ) استيائي من أن المبلغ مبالغ به اتصل الموظف (ج.ي) بزوجتي ‏مستخدما كل  وسائل الإقناع الممكنة لنوافق على دفع مبلغ (9000) تسعة آلاف يورو التي طلبها المحامي لتصحيح قيد وتسجيل اولادي في لبنان وتقديم طلب الحصول على الجنسية لزوجتي بعدما قال    لي بأن هذه المعاملات لا بد من إجراءها في لبنان .

 


وبعد افتضاح أمرهم قمت بتسجيل ابني وتصحيح قيود اولادي بقرار قنصلي و تقديم طلب الحصول على الجنسية اللبنانية لزوجتي عبر السفارة مباشرة ولم ادفع إلا الرسوم المنصوص عليها.
‏وكل هذا بل وأكثر منه مثبت في محاضر الشهود الموجودة في ادراج وزارة الخارجية والمغتربين.

 

تخطيط وإتفاق 

وهنا يتبادر السؤال كيف سيتم إجراء هذه المعاملات القنصلية الواقعة خارج لبنان رغم أن التعاميم المرعية الإجراء  تنص على أن : وقوعات الأحوال الشخصية للمغتربين من زواج وولادة ... يتم تسجيلها وتنظيم وثائقها حصراً في السفارات أو القنصليات اللبنانية المعتمدة في ذلك البلد ؟

 

  ـ الجواب : بأن هذه المعاملات التي تسلمها المحامي بعدما أوهموا أصحابها بإنها سيتم إجراءها وإنجازها في لبنان ستعاد من لبنان إلى السفارة مرفقة بكتاب إحالة من وزارة الخارجية والمغتربين يُطلب فيه من السفارة التي هي صاحبة الإختصاص النظر فيها وإجراءها وإنجازها. فبعد إستلام المحامي المعاملات وتصنيفها ، يقوم بكتابة مطالعة يرفقها بكل معاملة مع نسخة مصورة عن الوكالة ويودعها ( دائرة المغتربين ) أو (دائرة الأملاك والقيد) في وزارة الخارجية والمغتربين طالباً إحالتها إلى السفارة  اللبنانية بإعتبار أن الوقوعات حصلت في الخارج لتتبنى (هذه الدائرة ) ما ورد حرفياً في مطالعة المحامي لتسطر  هي الأخرى كتاباً إلى وزارة الخارجية والمغتربين تطلب منها إحالة هذه المعاملة إلى السفارة لإجراء المقتضى وعليه تعاد هذه المعاملات إلى السفارة .


 ـ لكن ما هو السبب الحقيقي من وراء إرسال هذه المعاملات إلى لبنان أولا ً ثم إعادتها إلى السفارة ؟

أولاً : إنها إحدى أساليب الإحتيال التي تضفي مصداقية للحصول على المال ، فصاحب المعاملة لا يدفع هذه المبالغ الطائلة عندما يعلم ان إجراء وإنجاز المعاملات يتم بسهولة في السفارة.

 

ثانياً : لتبرير وتمرير المعاملات المحرفة ( المزورة )

فالذراع المتمثلة بالموظفَين تحتاج إلى التغطية ‏وهي متمثلة في هذه الحالة بإحالات دائرة الأملاك والقيد عبر وزارة الخارجية والمغتربين.

فهؤلاء كانوا على علم ومعرفة ودراية تامة بالصلاحيات المنوطة بالبعثات فاستغلوها وإستفادوا منها للوصول إلى مبتغاهم المادي البحت دون رادع أو وازع أوإلتزام أخلاقي أو وظيفي فتعاملوا بنهم وجشع مع حاجة أصحاب المعاملات كسلعة رابحة معروضة في السوق.


وهنا لا بد من التوقف لطرح بعض 

‏الأسئلة وأبرزها  :

- ألم يكن حريّاً بدائرة الاملاك والقيد وقسم المصادقات في وزارة الخارجية ان تتنبه إلى تلك الحيل وخصوصا بأن المحامي كان يتقدم بطلباته وعلى مدار سنوات مباشرة لدى تلك الدوائر؟

- ألم يكن حريّاً بوزارة الخارجية والمغتربين التنبه والإيعاز للسفراء والمسؤولين المتعاقبين على السفارة بالتعميم على المغتربين إنجاز معاملاتهم حصراً عبر سفارة لبنان ؟

- ألم يكن حريّاً بالمسؤولين في السفارة التنبه  للأسلوب المتبع وعلى مرّ سنوات عديدة و الاستدراك وفتح تحقيق كما فعل السفير دمشقية بعد فترة قليلة من تسلمه مهامه عندما أخذه شكاوى المغتربين على محمل الجد؟

لكن ما يثير الريبة هنا أن هذه المعاملات قد حمل وزرها للمغترب باعتباره مغفل فإذا تم توصيف المواطن المغترب في ألمانيا بالمغفل ، وهذا لا يجوز ‏لانه ضحية وموقع به، فمن يكون الغافل ومن هو المتغافل ومن يحاسبهما؟

ثم ألا يكون في هذه الحالة  تحقيق السفير حداد ونتيجته في موضع الشك أيضا ، فكيف للجهة المتغافلة اوالغافلة أن تجري بنفسها التحقيق لتأتي نتيجته كما بيّنا في العدد السابق؟

وهنا نسأل مجددا : هل ‏تم اطلاع القاضي خميس على كامل الملف فعلا بما فيه التحقيق الموسّع الذي أجراه سفير لبنان آنذاك رامز دمشقية؟  ام كان القاضي فوزي خميس هو نفسه أيضا ضحية ؟