أكّد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أنّ "حقوق الطوائف وحصصها تتبخّر أمام حقوق المواطنين في الأمن والغذاء والعمل والازدهار والسلام".

 

ودعا الراعي في رسالة عيد الفصح، إلى "أن يدرك الجميع أن الحياة الوطنية ليست حصصاً بل تكامل قيم وأن يخرج الجميع من المتاريس السياسية ويلتقوا أخوة في رحاب الوطن وشرعية الدولة".


 
 

وقال الراعي: "ما أبعد الجماعة السياسية عن ثقافة الرحمة وكم يؤلمنا أن نرى الجماعة الحاكمة عندنا ومن حولها يتلاعبون بمصير الوطن كياناً وشعباً وأرضاً وكرامة ويؤلمنا بالأكثر انها لا تدرك أخطاء خياراتها وسياساتها بل تمعن فيها على حساب البلاد والشعب.وكم يؤلمنا أيضًا أنّ بعضًا من هذه الجماعة يتمسّك بولائه لغير لبنان وعلى حساب لبنان واللبنانيّين!".

 

وأضاف: "ما القول عن الّذين يُعرقلون قصدًا تأليفَ الحكومة ويشلّون الدولةِ، وهم يَفعلون ذلك ليُوهموا الشعبَ أنَّ المشكلةَ في الدستورِ، فيما الدستورُ هو الحلّ، وسوء الأَداء السياسيّ والأخلاقيّ والوطنيّ هو المشكلةُ؟".

 

ولفت الى انه "لقد صار واضحًا أنّنا أمامَ مخطّطٍ يَهدِفُ إلى تغييرِ لبنان بكيانِه ونظامِه وهوِّيتِه وصيغتِه وتقاليدِه. هناك أطرافٌ تَعتمدُ منهجيّةَ هدمِ المؤسّساتِ الدستوريّةِ والماليّةِ والمصرفيّةِ والعسكريّةِ والقضائيّةِ، واحدةً تلو الأخرى. وهناك أطرافٌ تعتمدُ منهجيّةَ افتعالِ المشاكلَ أيضًا لتَمنعَ الحلولَ، والتسويات".

 

واعتبر انَّ "معيار إعادةِ النظرِ بالنظامِ هو الحاجةُ إلى مواكبةِ العصرِ والتقدِّم وتحقيقِ الأمنِ الاجتماعيّ، لا العودةُ إلى الوراء وتحقيقُ المكاسب الفئويّةِ والسياسيّةِ والطائفيّةِ والمذهبيّة والحزبية".

 

وأكد أن "من هذه المنطلقات الحضاريّةِ والإنسانيّة والوطنيّة طَرحْنا مشروعَي إعلانِ حيادِ لبنان وانعقادِ المؤتمرِ الدوليِّ الخاصِّ به. فلبنان الحياديّ هو لبنان الإستقرار والسلام. أمّا لبنان المنحاز فهو لبنانُ الإضطراب والحربِ. نحن نريد السلامَ لا الحرب. الحياد هو لمصلحة الجميع، وينقذ الجميع".

 

واند أن "المؤتمر الدولي يزيل النقاط الخلافيّة المتراكمة، وهو خَشبةُ خلاصٍ لأنه سيعطي لبنان عمرًا جديدًا من خلال تثبيتِ كيانِه، وحدودِه الدوليّة، وتجديدِ الشراكةِ الوطنيِّة، وتعزيزِ السيادةِ والاستقلال، وإحياءِ الشرعيّة، وتقويةِ الجيش، وتنفيذ القرارات الدولية، وحلِّ موضوعَيْ النازحين السوريّين واللاجئين الفِلسطينيّين. إنَّ الأممَ المتّحدةَ وأصدقاءَنا العربَ والدوليّين منفتحون على نقاشِ هذا الطرحِ لأنّهم مُهتمّون بمساعدةِ لبنان على بقائهِ دولةً حرّةً ومميّزةً في هذا الشرق".


 
 

وقال: "نعلي الصوت مع جميع اللبنانيّين بتأليف حكومة تعيدُ إنعاشَ المؤسّساتِ، وتُطلقُ ورشةَ الإصلاحِ لتأتيَنا المساعداتُ العربيّةُ والدوليّة الموعودة. ونتساءل: لماذا هذا التأخير طالما الجميعُ يعلنون، اذا صحّت النوايا، أي لا نقول الشيء ونفعل نقيضه، أنّهم يريدون حكومةً تتميّز بالخصائص والمعايير التالية: حكومةُ اختصاصيّين مستقلّين غيرِ حزبيّين يتمتعون بالمهارة والخبرة والحس الوطني، فيوحون بالثقةِ والقدرةِ على النجاح. حكومةٌ لا يَملك فيها أيُّ طرفٍ سياسيٍّ أو حزبيٍّ أو نيابيٍّ الثلثَ المعطِّل الذي هو أساساً غيرُ موجود في الدستور أو فيالميثاق. حكومةٌ تَتَّبِعُ في عمليّةِ تأليفِها نصَّ الموادِّ الدستوريّةِ وروحَها ومفهومَ الميثاقِ الوطنيّ من دون فذلكاتٍ لا مكانَ لها في الظرفِ الراهن. حكومةٌ تلبّي حاجاتِ المواطنين ويرتاحُ إليها المجتمعَان العربيُّ والدوليّ".

 

وأضاف: "من وحي السرّ الفصحيّ، حيث تتلألأ المحبّة الإلهيّة اللامتناهية والرحمة الأقوى من الخطيئة، أقول بكلّ محبّة لجميع المتسببين في أزمة عدم تشكيل الحكومة وتداعياتها الإقتصاديّة والنقديّة والماليّة والمعيشيّة: كفّوا عن السلوك المُهينِ والمهيْمِن والأنانيِّ والسُلطويّ. كفّوا عن التضحيّةِ بلبنانَ واللبنانيّين من أجلِ شعوبٍ أخرى وقضايا أخرى ودولٍ أخرى. كفّوا عن الاجتهادات الشخصيّة في التفسيراتِ الدستوريّةِ وعن البِدعِ الميثاقيّة. أفرجوا عن القرارِ اللبنانيِّ والشعبِ. ومن وحي هذا العيد المبارك أقول للجميع: وطننا لبنان وطنُ المحبّةِ لا وطن الأحقاد. وطننا وطن السلامِ لا وطنُ الحروبِ والفتنِ والاغتيالات. وطننا وطنُ الحضارة لا وطنُ الانحطاط. وطننا وطنُ الانفتاحِ لا وطنُ الانعزال، وطننا لبنان هو وطن القديسين".

 

وختم: "إنّ قيامة المسيح جعلتنا أبناء القيامة وبناتها، وأضاءت في قلوبنا شعلة رجاء لا تنطفئ. هذه حال أجيالنا الطالعة الواعدة، واللبنانيّين الأحرار ذوي الإرادة الصالحة، والقوى الحيّة، وأصحاب الكفاءات، الذين أضاؤوا شعلة الثورة الحضاريّة الرافضة بعناد للدولة المرتهنة، والساعين قدمًا نحو بناء دولة حرّة وقويّة بحقّها وبقوّتها الذاتيّة وبعلاقاتها العربيّة والدوليّة، وبانفتاحها على الأخوّة الإنسانيّة الشاملة. الكنيسة هي في طليعة السائرين في هذا الطريق الجديد الذي يضيئه نور القيامة".