من الواجب ان يقف رؤساء الحكومات السابقون خلف الرئيس حسان دياب، في موقفه الرافض استقبال المحقق العدلي في جريمة تفجير المرفأ القاضي فادي صوان. فإن لم يكن احد ممن ادّعى عليهم متورطاً في الجريمة - لا سمح الله - فانّ لديهم مزيداً من المعلومات. وعليه، فإن توقفت اجراءات صوان عند هذا الحدّ، فذلك يعني انّ دياب افتدى نظراءه السابقين، وانّ من حقه «الادّعاء بحمايتهم» ولكن الى متى؟ وكيف؟

لم يكن دياب يتوقع ان يأتي به استدعاء القاضي صوان للاستماع الى افادته كمتهم بما جاء به من «النِعَم». فعلى رغم من اتهامه من نظرائه السابقين ببناء شبكة من العلاقات المميزة مع اركان السلطة، فقد هبّوا لنجدته لمجرد ان اطلق موقفاً من بضع كلمات، يرفض بموجبها استقبال قاضي التحقيق العدلي في جريمة تفجير المرفأ وكاتبه، والمسّ بـ «موقعه كرئيس للحكومة ونقطة على السطر».

 

وبذلك، يكون كل من دعمه من نظرائه السابقين، قد قدّموا له «العفو المجاني» عمّا قام به قبلاً. وعليه، فإنّ من الواجب الاعتذار منه واعطائه الحق في حديثه المتمادي عن حجم المؤامرات التي حيكت ضدّه، غامزاً مراراً وتكراراً من قناة «بيت الوسط» و»نادي رؤساء الحكومات»، ومواقع مختلفة لم يحدّدها يوماً، رغم اصراره على انّه امضى الاشهر التسعة في السرايا الحكومية معرّضاً لشتى انواع «الإغتيالات السياسية» و»الانقلابات» التي لم يكتشفها احد غيره، ولم يعترف بها احد من حلفائه والخصوم في آن. كما انّ عليهم الاعتراف بصوابية حديث المحيطين بدياب، قبل ايام قليلة واكبت عودته الى منزله، تاركاً المقر الرسمي لرئيس الحكومة في السرايا الحكوميا الكبيرة، بأنّه مستهدف امنياً، ولا يمكنه التحرّك في هذه الفترة، رغم عدم صلة إثارة مثل هذه القضية الأمنية وموضوع الاستماع الى افادته. فهذه حجة لا قيمة لها، طالما انّ قاضي التحقيق العدلي ملزم بالانتقال الى مقر وجود رئيس الحكومة ومعه كاتبه، كما عند الاستماع الى رئيس أي سلطة أُخرى، وهو إجراء لا يتلاقى وإحضار الوزراء والنواب والمسؤولين الكبار الى مكتبه.


 
 

وإن صحّت هذه النظرية في استهداف مقرّ رئاسة الحكومة قبل شخص دياب، بات من واجب من اصدر هذا العفو عن دياب، ان يقبل به طوعاً عضواً في نادي رؤساء الحكومات السابقين في وقت قريب. كما انّ عليه أن لا يقبل بالشراكة التي يسعى اليها مع كل من طاولتهم تهمة استغلالهم لدياب في السرايا الحكومية، منذ تكليفه مهمّة تشكيل الحكومة في 19 كانون الاول 2019، وخصوصاً عند اتهامهم بالإنقضاض على صلاحيات رئيس الحكومة وقضمها، على مدى الاشهر القليلة التي امضاها دياب رئيساً لحكومة كاملة الصلاحيات، قبل دخولها مدار تصريف الاعمال منذ العاشر من آب الماضي. كما انّ من الطبيعي جداً ان لا يشمل هذا العفو المتهمين بإدارة «غرفة سوداء» كما يعتقدون، لتوجيه الاتهامات القضائية باستنسابية سياسية وكيدية، سعياً الى المسّ بموقع رئيس الحكومة، ومعهم من اتُهموا بتدبير المقالب على موقعها.

 

اما وقد عاد دياب بين ليلة وضحاها الى حضن الطائفة السنّية، فقد جاءت ردات فعل نظرائه السابقين، ومعهم دار الفتوى وكل من يحمل صفة سياسية او دينية او طائفية سنّية، لتعزز مكانته لدى الطائفة، وتضعه في موقع متقدّم للدفاع عن كل من تولّى المسؤولية في السرايا الحكومية، منذ دخول كميات نيترات الامونيوم الى مرفأ بيروت نهاية العام 2013. فباعتراف القاصي والداني، انّ قبول دياب باستقبال القاضي صوان لاستجوابه مرة أخرى كمتهم بعد تجربة 3 ايلول الماضي كشاهد، سواء في مكتبه او منزله لا فارق، سيفتح الباب واسعاً امام استدعاء اسلافه من رؤساء الحكومات، لربما كانت لهم معرفة بما كان يجري في المرفأ، وهنا يكمن «بيت القصيد» في كل ما سُجّل من مواقف تدين القاضي صوان وتتهمه بالخروج على الدستور.

 

ولا تتوقف المراجع المواكبة لسير التحقيق في جريمة المرفأ عند هذه الحدود فحسب، فهم يحتسبون لمواقف صوان ألف حساب، فهو لم ينطلق في قراره من فراغ، وإن كان توقيته مدار جدل، في طلب الاستماع الى رئيس حكومة في مثل الظروف الصعبة، في زمن البحث عن الحكومة البديلة، فإنّ مضمونه القضائي لا نقاش فيه. فنادراً ما يصطف رجال القضاء والقانون، من قادة النقابات والمشرّعين والقضاة السابقين، خلف قاض في الموقع الذي يشغله صوان اليوم. وهو أمر يدعو الى مقاربة الملف بكثير من الجدّية، ذلك انّ في إمكان صوان المضي في عمله كمحقق عدلي، جامعاً في تكليفه المهمة موقعه كمحقق ومتهم في الوقت نفسه. فلا رأس فوقه لا قضائياً ولا سياسياً، وهو ما يمكن ان يترجمه في «القرار الاتهامي» مسجّلاً في سرده للوقائع المطلوبة في متن هذا القرار، من تجاوب معه في هذه المرحلة الدقيقة ومن رفض ذلك من المسؤولين من مختلف المواقع، حكومية كانت أم ادارية ومالية وجمركية وامنية. فـ»السيف القضائي» ملكه وحده لا ينازعه فيه أحد.


 
 

ولذلك، يسعى المتضررون من إجراءات صوان، الى تسييس التحقيق ووضعه في موقع المتهم، وهو أمر منطقي جداً في ظلّ الانقسام الحاصل بين مؤيّد قرار صوان ورافض له. وقد بُني الخلاف على قاعدة بسيطة، بات اللبنانيون قادرين على ممارستها من خلال تفسير متناقض للدستور في مثل هذه الحالات، وخصوصاً في تحديد الحالات التي تتطلب محاكمة رؤساء الحكومات والوزراء امام المجلس الاعلى لمحاكمتهم، وهو لم يرّ النور بعد، او أمام القضاء العادي. فالتجارب السابقة تتحدث عن مثل هذه التجارب التي لن تأتي إلاّ بوأد التحقيق في أخطر الملفات واكثرها تعقيداً، فكيف بالنسبة الى جريمة بقياس جريمة المرفأ، التي لم يشهد العالم سوى على تجربتين او ثلاث منها؟

 

وبناءً على كل ما تقدّم، تنصح المراجع القضائية بلفلفة ردود الفعل السياسية، وترك الأمر للقاضي في أن يقول كلمته. فالعبرة تبقى في أنّ ما أُعطي في صوان من شهادات، لن تُسقطها السياسة. فمن يدينه اليوم يسجّل عليه احترامه للقضاء وللقاضي صوان ومهنيته. فما قيل فيه أقلّه «إنّه لا يدير أذناً لأحد» وهو تولّى المهمة بـ «جرأة نادرة». فلا تفوّتوا الفرصة على لبنان ان كان ممكناً فرز المتهمين من مقصّرين ومرتكبين في ما جرى. فالفرز من المصدر أفضل الآليات المؤدية الى شيء من الحقيقة إن وجدت، كما إن كان مسموحاً الوصول اليها.