هل من فرصة لترميم الحكومة المستقيلة وتفعيل نشاطها، بعد استفحال الازمات المعيشية والاقتصادية، وتأخّر الرئيس المكلّف في إنجاز التفاهم على تشكيلة مقبولة، أم أنّ دون ذلك اعتبارات دستورية وسياسية، يتمسّك بها الرئيس حسان دياب؟
 
بين حكومة «التصريف» التي تتحرّك ضمن هامش ضيّق، والحكومة الممنوعة من الصرف، والتي تتجاذبها «سوق سوداء» سياسية، تكبر الأزمات وتتفاقم المعاناة وتتصحّر الدولة ويتسع الفراغ، حتى صار المجلس الأعلى للدفاع متهماً بأنّه يحاول ان يملأ «الشغور» ويتمدّد خارج حدود الادوار المناطة به.
 
 
لكن أوساط الرئيس حسان دياب تنفي ان يكون المجلس قد حلّ مكان السلطة الإجرائية وصادر موقعها، مشيرة الى انّ القرارات التي اتخذها في جلسته الأخيرة تندرج عموماً ضمن صلاحياته واختصاصه، «الّا انّ ما حصل هو انّ البعض اجتهد في تفسيرها، وكان التفسير في غير محله، والآخرون لحقوا به».
 
 
 
 
وعلى الرغم من خصومته السياسية مع الرئيس سعد الحريري، الّا انّ دياب يشدد على أنّ المهم أولا وأخيراً تشكيل حكومة جديدة فوراً، متمنياً أن ينجح الرئيس المكلّف في مسعاه، «اذ انّ وجود اي حكومة أصيلة مهما كانت طبيعتها يبقى أفضل من استمرار تصريف الأعمال قياساً الى تحدّيات الوضع الحالي، خصوصاً انّ هناك حاجة إلى اتخاذ قرارات اساسية واعتماد خيارات مفصلية لمواجهة الازمة القاسية».
 
 
وخلافاً لافتراض البعض بأنّ التأخير في تأليف الحكومة يخدم دياب، لأنّ من شأنه ان يطيل مدة إقامته في السلطة والسرايا، فإنّ الرجل يؤكّد انّه ليس مسروراً من بقائه على رأس حكومة تصريف الأعمال، بل يستعجل المغادرة امس قبل اليوم، لشعوره بأنّه مكبّل ولا يستطيع اتخاذ القرارات الضرورية، الّا ضمن النطاق الضيّق الذي يسمح به «التصريف»، في حين انّ التصدّي للانهيار المتدحرج يستوجب حكومة كاملة الدسم والصلاحيات.
 
 
وانطلاقاً من وجهة نظر دياب، لا مبرّر حالياً لعقد جلسة استثنائية للحكومة المستقيلة، لأنّ في ذلك مخالفة للدستور، وهو يرفض- كما يؤكّد المطلعون على موقفه - الإنزلاق الى مثل هذه المخالفة.
 
 
وحتى ملف التدقيق الجنائي لا يستدعي حالياً عقد جلسة طارئة، وفق مقاربة دياب، لأنّ وزير المال يفاوض شركة «الفاريز اند مارسال» حول امكان استئناف مهمتها والعودة الى العقد الموقّع معها، «اما اذا أخفق هذا التفاوض، فمن الممكن عندها حصراً الدعوة إلى جلسة طارئة للحكومة من أجل التعاقد مع شركة جديدة، على أن يلتزم حاكم مصرف لبنان بتنفيذ القرار وتسليم المعلومات والمستندات المطلوبة».
 
 
ومع ارتفاع أصوات تطالب بتفعيل حضور الحكومة المستقيلة، يؤكّد القريبون من دياب انّه يتحمّل مسؤولياته ويتولّى تصريف الأعمال كما يجب، موضحين أنه يحضر الى السرايا مرات عدة في الأسبوع لترؤس الاجتماعات ومواكبة الملفات، «والوزراء كذلك يواظبون على الحضور إلى مكاتبهم وتأدية مهامهم، وبالتالي يمكن القول بأنّ وتيرة تصريف الأعمال من قِبل حكومة دياب تكاد تكون أفضل من انتاجية بعض الحكومات الأصيلة السابقة، وهي بالتأكيد لا تُقارن بكسل تلك الحكومات بعد استقالتها، حيث أنّ أحد رؤسائها على سبيل المثال كان يمتنع حتى عن الحدّ الأدنى من تصريف الأعمال».
 
 
 
من منظار دياب، انّه وبدل مطالبة حكومته بانتهاك الدستور ومعاودة اجتماعاتها، ينبغي الضغط في اتجاه دفع المعنيين الى التعجيل في تشكيل الحكومة الجديدة، كي تتحمّل مسؤولياتها، خصوصاً انّ كلفة كل يوم ضائع هي باهظة.
 
 
وهناك من ينبّه الى انّ استئناف الحكومة «المتقاعدة» لجلساتها، بهذه الذريعة او تلك، قد يدفع نحو مزيد من الاسترخاء والمماطلة في إيجاد البديل عنها، بينما المطلوب اختصار الوقت المهدور قبل وقوع المحظور.
 
 
ولعلّ ملف الدعم هو أحد أبرز التحدّيات التي تواجه دياب في «المرحلة الانتقالية»، وسط التجاذب بين احتمالات رفعه او ترشيده أو الإبقاء عليه بلا تعديل، على وقع التراجع الحاد في منسوب الدولار لدى مصرف لبنان، ووسط التلويح بإمكان الاقتطاع من الاحتياطي المكون من بقايا الودائع لمواصلة تمويل الدعم.
 
 
وبينما يحاول حاكم البنك المركزي رياض سلامة ان يُلقي عبء حسم الخيار النهائي على السلطة السياسية، يؤكّد المحيطون بدياب انّه ليس في وارد القبول برفع الدعم مهما كلّف الأمر، وانّ المقبول بالنسبة اليه هو الترشيد لا التجفيف.
 
 
وكان سلامة قد أبلغ إلى دياب أنّه مستعد للاستمرار في تغطية الدعم حتى آخر دولار، لكنه تراجع لاحقاً عن هذا الطرح، وعندما أستفسر دياب منه عن السبب، أجابه بأنّ الأمر ليس مناطاً به وحده، وإنما بالمجلس المركزي للمصرف.
 
 
وتبعاً لاوساط دياب، فإنّ كلفة الاستعانة بجزء من الاحتياطي لتمويل الدعم تظلّ اقل وطأة بكثير من التداعيات الوخيمة التي ستترتب على وقفه كلياً، متسائلة: «هل البديل عن استخدام نسبة من الدولارات الموجودة في مصرف لبنان لتخفيف الأعباء الاجتماعية هو توزيعها على المودعين، في اعتبارها حقاً لهم وجزءاً من مدخراتهم»؟ وتضيف: «الإجابة المريرة هي كلا، ولذا يجب أن تتمّ مقاربة هذا الملف بعيداً من المزايدات».