خمس سنوات من الوجود الروسي في سوريا مضت ، لم تستطع روسيا من انتاج حل سياسي فعلي ينقذ سوريا من انهيارها التي أصبحت تعاني من التقسيم  المحتم التي فرضتها الحرب الاهلية والصراعات الداخلية والخارجية نتيجة تداخل المشاريع الخاصة .


خمس سنوات مضت ولا تزال سوريا تعاني من الحروب والمشاكل والتطرف المزدوج   الذي فرضته الدول الاقليمية التي جعلت من سوريا حقلا للتجارب الميدانية الحربية والسياسية  ودفع المرتزقة الشيعية والسنية للتصارع على حساب الدولة السورية العربية، بسبب المشاريع المجاورة على حساب غياب المشروع العربي الاصيل .


لم تستطع روسيا توظيف انتصاراتها العسكرية التي حققتها على الارهابيين السنة بالرغم من استخدامها ل140 الف غارة عسكرية استعملت في  الاراضي السورية  التي كانت موجهة بالاساس نحو الشعب السوري ولم تتوجه نحو المتطرفين الفعليين على الاراضي السورية الذين مارسوا العبث والقتل والبطش .


دخلت روسيا الى سوريا في 29 ايلول 2015  بتفويض امريكي مباشر  للتدخل في سوريا ولكن بشروط وضعتها الادارة وفتحت لها اجواء اليونان التي كانت تعاني من ازمة مالية استغلتها الدول الغربية وامريكا تحت شعار مساعدتها بالازمة المالية .


لم تخفي روسيا طموحها وحبها للتدخل في سوريا وحلمها القديم بالدخول على المنطقة العربية وتحديدا  الى المياه الدافئة  لتصبح لاعبا اساسيا في المنطقة باعتبارها تملئ الفراغ في المنطقة اي الفراغ الذي تتركه امريكا ، وايضا الهروب من ازمة افتعلتها في اوكرانيا  وتحديدا في مناطقها الشرقية  بعد اقتطاعها جزيرة القرم وفرضت عليها عقوبات اقتصادية كبيرة .


هربت روسيا من ازمتها المفتعلة وجأت الى سوريا طمعا بمبادلة ملف بملف  وقد وافقت على الشروط الامريكية التي تضمنت شرطين اساسين:


 الاول :يقتضي بضرب الارهابيين ومساعدة الدولة السورية على اعادة تجميع نفسها بعد ان خرجت نسبة 78 بالمئة خارج سيطرة الدولة ، حيث بات يتخوف المجتمع الدولي من تفكك الدولة السورية وتكرار تجربة العراق التي ترفض الولايات المتحدة اعادة التجربة التي ادت الى هذه الفوض العارمة في المنطقة وسيطرت ايران على العراق من خلال مليشياتها المذهبية .

 


لقد مهد التدخل الروسي لمرحلة انخراط مباشر في الازمة السورية ، وانتهاء مرحلة ادارتها عبر الدعم الدبلوماسي بتعطيل مجلس الامن والمنظمات الدولية، والسياسي والاقتصادي ، وتزويد النظام بحاجته من الاسلحة ومنحه وقتا  لحسم الموقف مع حلفائه على الارض وانهاء الثورة السورية التي اندلعت ضد نظام الاسد. 


لقد استطاعت روسيا بكل قدراتها العسكرية والنارية من اعادة الاراضي التي خرجت من تحت سيطرة الدولة الى الجيش وتمكين قوات النظام من بسط نفوذها عليها مجددا بالرغم من الاختلال الواضح التي باتت فيه المليشيات تتحكم بالنفوذ والقدرات السياسية والمالية للدولة .


لكن بعد خمس سنوات  من الهيمنة العسكرية  الروسية التي لم تؤدي الى اي حسم سياسي  لقد بات مطلوب من روسيا في هذه المرحلة  تنفيذ الشرط الثاني الذي وضع امامها لتنفيذه، الذي ينص على  اخراج ايران ومليشياتها المذهبية من سورية والبدأ الفعلي بتنفيذ العملية السياسية الانتقالية.


فالشرط الثاني: لم تستطع روسيا من تنفيذه سريعا وحتى اليوم تعاني من عدم قدرتها على بسط نفوذها على سوريا واعادة توحيدها  لان توجهات سوريا اصطدمت بالواقع الفعلي للازمة السورية .


حاولت روسيا بكل قدراتها من توظيف انتصاراتها العسكرية في الميدان السوري لدعاية استعراضية لماكينتها الحربية  وتجرب سلاحها الحديث وكانها ترسل رسالة للخارج عن مدى قدراتها وتطور فعالية سلاحها  
حاولت روسيا العمل على ارضاء تل ابيب منذ دخولها الى سوريا وتنفيذ ما باتت تريده تل ابيب  لان زيارة بنيامين نتانياهو الى موسكو في 26 ايلول قبل السفر الى الامم المتحدة لالقاء كلمة كانت مناسبة لاعطاء الضوء الاخضر لموسكو للتدخل في سوريا ولكن وفقا لثلاثة شروط عملت روسيا على تنفيذهم حتى اليوم وهي :

 

1)عدم تزويد سلاح جديد  للجيش السوري كي لا يقع هذا السلاح بايدي المليشيات المتحاربة. 

2) عدم السماح لايران او مليشياتها من استخدام المناطق الجنوبية وفتج جبهة الجولان .

3) تشكيل غرفة عمليات مشتركة بين تل ابيب وموسكو مباشرة للاشراف على الاوضاع السورية برئاسة نائبا قيادة الاركان في البلدين. فكانت قاعدة حميميم هي مكان الارتباط المباشر بين الدولتين .

لا شك منذ البداية لحلحلة الازمة السورية كانت روسيا تهتم بفتح المصالحات في مناطق الجنوب وابعاد المليشيات 40 كيلومتر عن الجبهة  الجنوبية بما يرضي امن اسرائيل .

 


لقد بات التنافس الامريكي الروسي الواضح على حماية الامن الاسرائيلي مما دفع موسكو بالعديد من المرات بالاعلان بان على الدولة العبرية التفتيش عن حليف فعلي يحميها بدلا عن الحليف السابق وبهذا القول تحاول روسيا تقديم نفسها كراعي للامن الاسرائيلي نتيجة وجود جالية عبرية تشكل ثلث السكان  في الدولة من اصول روسيا هاجرت ابان انهيار الاتحاد السوفياتي حيث بادرت القيادة الروسية العمل على اعادتهم والاستفادة من هذه الجالية المهمة في اسرائيل والمدعومة من اللوبي الصهيوني العالمي  ماليا واقتصاديا  ومعنويا وثقافيا ).

 


لقد فرضت تركيا على روسيا معادلة جديدة في سوريا لا يمكن تخطيها بان ادخال جبهة النصرة السورية المتطرفة والمدعومة تركيا وقطريا في اية مفاوضات تحاول روسيا ادخال حزب العمال التركي والعامل لحساب موسكو وايران في تفاوض لذلك نرى تركيا تحاول التملص من الضغط الروسي بالتوجه نحو ادلب بفتح جبهات معادية للروس في  ليبيا وقره  باغ وفي البحر ضد اليونان وقبرص الحليفان الارثوذكسيان .


لقد فشلت روسيا بترميم وجه الاسد الذي قتل  شعبه بواسطة براميل نترات الامونيوم  المقدمة من الترسانة الروسية "بعد سحب الاسلحة الكيماوية  " والتي كشف عنها  في انفجار بيروت في 4 اب  2020.


-لم تستطع روسيا اخراج المليشيات والتوافق مع الحليف الايراني في تامين مصالحها في سوريا وابعاد طهران عن الساحة السورية بل لاتزال الطائرات الاسرائلية  تدق معاقل الايرانين ومليشياتها ، وليس لاخراجهم من سوريا بل لاحراج روسيا  والقول لها بانها لم تنفذ اتفاقاتها وتعهداتها امام الحلفاء والعالم .

 


-لم تستطع اقناع التركي بترك ادلب وتفكيك جبهة النصرة والاحزاب المتطرفة ودمجها في الفيلق الخامس التي تقوده روسيا والذهاب نحو دعم فعلي للمناطق الحدودية التي تسيطر عليها تركيا وتبقى بعهدة الروسي كونه الضامن الفعلي للامن السوري.


-لم تستطع روسيا اقناع الاكراد بالالتحاق بمشروع الدولة الموحدة التي تطرحها روسيا وتعتبر نفسها حامية لها والعمل الى اعادتهم الى كنف النظام .

 


-لم تستطع اقناع دروز جبل العرب بالالتفاف حول النظام والانضواء في عباءته او الانخراط  في الفيلق الخامس  التي ترعاه موسكو ، والدليل المجزرة التي حصلت مع مقاتلي الكرامة منذ اسبوع  حيث رفض مشايخ الكرامة الدروز الانخراط في المشروع الاقلوي الذي تعمل على تطبيقه روسيا واخضاع دروز العرب الى النظام مما حدث اشتباك في بداية تشرين الاول في قرية القريا قرية سلطان باشا الاطرش مفجر الثورة السورية الكبرى وذهب ضحيتها كوكبة من شباب الجبل 16 شاب مما دفع بالدروز بالتوجه نحو المبعوث الروسي بغدانوف وتوجيه رسالة قاسية لروسياوتحميلها مسؤولية المجزرة .

 


-لم تستطع روسيا من اقفال معابر التهريب بين لبنان وسوريا التي تسيطر عليها مليشيات حزب الله اللبناني وتستخدم في تهريب المخدرات والاعضاء البشرية والمال المزور والسلاح والالتفاف على العقوبات الدولية وخرق قانون قيصر وتهديد الدول العربية بهذه التجارات المنوعة .

 


-لقد فشلت روسيا في اقناع الامم المتحدة ودول الجوار بالضغط على المهجرين السورين الذين تم تهجيرهم بواسطة براميل الاسد وطائرات بوتين حيث بات عدد السورين في الخارج لاكثرمن  15  مليون سوري حيث وصل اللاجئون السوريين لاكثر من 180 دولة طلبا للامن والاستقرار وابتعادا عن الارهاب  الذي حولهم الى مرتزقة وماجورين يقاتلون  لحساب اجندات ارهابية اخوانية واحزاب متطرفة ولمصلحة السلطان الاكبر.
-لقد فشلت تركيا في معالجة جائحة كورونا التي تضرب المجتمع السوري ويمنع التكلم عن تفشي الوباء داخل المجتمعات السورية ويحصد الوباء ارواح السوريين .

 


لكن في النتيجة  لم تستطيع الدولة الروسية من اقناع الدول الاوروبية والعربية بالاعمار السوري  واعادة بناء الدولة وخاصة بان الدول الخليجية الامارات العربية والعربية السعودية والكويت قالوا كلمتهم لا يمكن دفع اي فلس في سوريا طالما لم يصنعوا او يشاركوا في الحلول وهذ ا التوجه العربي اعاق الاستراتيجية الروسية التي كانت تامل كثيرا من التمويل المالي العربي والخارجي لفك ازمتها الاقتصادية وتشغيل شركاتها المحاصرة الاقتصادية باموال الخارج التي تستفيد ماليا ومعنويا من هذه الطفرة الاقتصادية التي ستنعكس على دورها في احتلالها لسوريا.

 


بالنهاية  قد تكون ازمة سورية  قد وضعت الدبلوماسية الروسية امام اقسى اختبار في الفترة الاخيرة من حياة الدولة الروسية الحديثة بظل تطور ازمات كبيرة في الحديقة الخلفية لروسيا وتعرض مصالحة للانهيار  وتترك الازمات مفتوحة في قيرقيزستان وارمينيا واذربيجان واوكرانيا وبيلاروسيا وجورجيا وتركمنستان بالاضافة الى العقوبات الاقتصادية الدولية بسبب ازمة القرم وتسميم المعارض الكسي نافالني والوضع المرتد في الداخل الروسي وفي الدول الخارجية التي كانت روسيا تعتبرها نقاط ارتكاز كسورية وليبيا وايران وفنزويلا  وكيفة ادارة الملف النووي الايراني بظل الحصار الايراني ، وادارة الخلافات بظل شهية اردوغان المفتوحىة التي باتت تهدد المصالح الروسية في اسياا الوسطى والقوقاز وليبيا .

 


ناهيك عن اتفاقية التسليح المجمدة مع الولايات المتحدة التي تطمع روسيا الى الجلوس مع الادارة الجديدة والحوار بكافة الملفات العالقة وحلها لصالح الاعتراف بدور موسكو في هذه الملفات التي لا تريد اي ادارة من الاداراتين  المتصارعتين بالاعتراف بدور لروسيا بهذه الملفات العالقة سوى حسم الملف السوري وانهاء الازمة بما تريده الولايات المتحدة فقط والباقي يتم الاتفاق عليها لاحقا وفقا لتوجهات الادارة الامريكية الديمقراطية او الجمهورية .