ما هو غائبٌ تماماً عن ذهن الحريري ووعيه، أنّ أم الصبي لم تتنازل عن حقّها جزافاً عند سليمان الحكيم، فقد تنازلت في ظرفٍ مُعيّنٍ وطارئٍ لحفظ حياة الصبي، وهي التي فازت في النهاية
 

غالباً ما يُساء تفسير وتأويل حكاية أم الصبي المشهورة، عندما امتحن سليمان الحكيم دعوى امرأتين اختصمتا عنده حول نسب صبيٍّ مجهول الأب، وكل واحدة تدّعي أمومة الصبي، وعندما قرّر الملك سليمان قطع الصبي قطعتين، لكلّ واحدة منهنّ قطعة، تنازلت أم الصبي عنه لصالح غريمتها، حفاظاً على حياته.

 


يُساءُ استخدام هذه الأمثولة بحرفها عن مغزاها ووظيفتها الأخلاقية والتربوية والحياتية، وحصرها "بفضائل" التهاون والتنازل عن الحقوق، والإذعان للمُتسلّطين واللصوص ومُغتصبي أموال المعوزين، وفي الآونة الأخيرة برع الرئيس سعد الحريري في استخدام امثولة أم الصبي، لم ييأس أو يتعب من ادّعاء فضيلة كونه "أم الصبي" لتبرير حجم التنازلات والإذعانات والإكراهات، والتي يلجأ إليها أمام سطوة السلاح غير الشرعي من جهة، ونهم وجشع الفاسدين وناهبي المال العام من جهةٍ أخرى، حتى فسُد البلد بأكمله وبلغ حالة الانهيار الشامل، ولم يبقَ في لبنان ما يكفي لسدّ جوع الصبي، وما يقيه شرور العاديات التي تنتظره.

 

إقرأ أيضا : الحريري يستعدّ لأخذ جرعة إضافية من سموم السياسة اللبنانية.

 


ما هو غائبٌ تماماً عن ذهن الحريري ووعيه، أنّ أم الصبي لم تتنازل عن حقّها جزافاً عند سليمان الحكيم، فقد تنازلت في ظرفٍ مُعيّنٍ وطارئٍ لحفظ حياة الصبي، وهي التي فازت في النهاية، وهذا لا يعني أنّها ربما كانت ستترك حقّها في "أمومة" ابنها، بل هي واعية تماماً لما يتوجّب عليها من المحافظة على حياة الصبي، تمهيداً لاستئناف المجاهدة لاستعادة حقّها، وهذا ما لم يقم به الرئيس سعد الحريري طوال فترة حكمه، لا بل راح يُمعن في التّهاون والتنازل والإذعان أمام سلطة الفاسدين، والسّاعين حثيثاً لقضم مُقدرات الدولة، والسّطو على سيادتها الوطنية واستقلالها، وتدمير ما تبقّى من سُبُلِ عيشٍ كريمٍ للمواطنين، فإذا كان ما يزال على دأبه باستعمال حُجّة أم الصبي للإمعان في التنازل والتخاذل، فإنّنا نرغب في لفت نظره أنّ البلد المنكوب لم يعد يحتمل المزيد من هدر الوقت، والإنهيار الشامل على الأبواب، وأنّ "الصبي" لم يجنِ من "أمومة" الحريري له سوى الذل والهوان والخسران، وأنّ الصبي بات في حاجة ماسّة إلى حضن "أمٍّ" صادقة وواعية، لا تلك الأم التي " قبرت إبنها و تفضّت للزّندقة" كما يقول المثل الشعبي.