كتبت ايفا ابي حيدر:
 
 
تتواصل الحملات على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بشكل يومي ومفتعل. ما يعكس التخبّط الذي تعيشه الحكومة والطبقة السياسية الحاكمة. وكأنّ المطلوب تقديم سلامة كبش محرقة. أو كأن ليس لديهم إلّا ملاحقة سلامة، في حين يغضّون الطرف عن محاسيبهم وأزلامهم في الوزارات والإدارات والمؤسسات الرسمية وهم يجرون الصفقات والسمسرات من دون حسيب أورقيب، وينسون عن قصد وجرم العمد أن حاكم المركزي هو الذي أوقف البلد على «رجليه» ونظامه الإقتصادي الحر طوال عشرين عاماً. فيما اتهامه من خلال القرار القضائي لا قيمة قانونية له، وهو مخالف للقانون.
 
يبدو انّ القرار بالتضييق على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لم يتغيّر. تارة ترتفع اسهم الإقالة، وطوراً محاكمته، وطوراً آخر تحميله مسؤولية ارتفاع سعر الدولار في السوق السوداء، وآخرها وفي خلال شهر واحد، صدر قراران ضد سلامة، الاول يقضي بمحاكمته بدءاً من 14 تشرين الاول، والثاني صدر أمس بالحجز الاحتياطي على عقاراته وممتلكات منزله. فهل يمكن إدراج هذه القرارات في سياق «فشة خلق» والتعمية على التقصير بالادّعاء بأنّ الإصلاحات آتية؟
 
أصدر رئيس دائرة التنفيذ في بيروت القاضي فيصل مكي امس، قراراً يقضى بإلقاء الحجز الاحتياطي على عقارات حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وعلى موجودات منزله الكائن في منطقة الرابية، مع احتفاظ الحاجزين بشمول الحجز لاحقاً على سياراته الخاصة، بعد الاستحصال على شهادات قيدها من هيئة ادارة الآليات والمركبات، وعلى مخصصاته المالية في مصرف لبنان. واتى هذا القرار بناءً على استدعاء مقدّم من الدائرة القانونية لمجموعة «الشعب يريد اصلاح النظام» ممثلة بالمحامين: حسن بزي، هيثم عزو، جاد طعمة، جوزيف وانيس، بيار الجميل، فرنسواز كامل، وباسل عباس. وهذا القرار هو الثاني ضد سلامة، بعد قرار سابق أصدرته القاضية المنفردة الجزائية في بيروت لارا عبد الصمد، حدّد بموجبه تاريخ 14/10/2020 موعداً لبدء محاكمة رياض سلامة في دعوى مقدّمة من المجموعة نفسها، بتهمة النيل من مكانة الدولة المالية وحضّ الجمهور على سحب الاموال المودعة في المصارف وبيع سندات الدولة والاهمال الوظيفي...
 
لكن ماذا تعني هذه القرارات؟ وكيف تُطبّق؟
يقول المحامي الدكتور بول مرقص رئيس منظمة Justicia الحقوقية، انّ القرار الصادر أمس عن القاضي مكي ليس في الاساس، وليس نهائياً، انما هو فقط تدبير يتخذه رئيس دائرة التنفيذ، شرط ان يكون الدين مرجّح الوجود، لذلك هو لم يقرّر القاء الحجز الاحتياطي بالنسبة الى كامل المبلغ المُطالب به. ورأى انّ الدين مرجح الوجود بالنسبة الى جزء منه حسب المادة 866 من قانون أصول المحاكمات المدنية. والملفت انّ القاضي طلب من المدّعين ابراز النظام العائد الى مصرف لبنان، تمهيداً للبت بالحجز على مخصصات الحاكم.
 
وشرح مرقص لـ»الجمهورية»، انّ حجز الاحتياطي بالنسبة الى الاموال غير المنقولة اي العقارات، يعني وضع اشارة في السجل العقاري حسب المادة 875 وما يليها، أما بالنسبة الى المنقولات وتحديداً غير الموثقة منها (اي غير مسجّلة في سجلات رسمية مثل المفروشات او الاثاث) فالحجز الاحتياطي يعني منع التصرّف بها، اي بيعها او سواه وترتيب اي حقوق.
وخلافاً للمنقولات غير الموثقة، يمكن للمحجوز عليه ان يتصرّف بالعقار، فيتحمّل المالك الجديد النتائج المترتبة، ويكون على علم بذلك طالما هناك اشارة على ذلك في السجل العقاري.
ورداً على سؤال، أكّد مرقص انّ قرار الحجز هذا يصبح خطراً إذا صدر قرار بالاساس من قِبل القاضية المنفردة الجزائية لارا عبد الصمد، لأنّه عندها ينقلب الحجز الاحتياطي الى حجز تنفيذي، فتباع الاموال المنقولة وغير المنقولة في المزاد العلني حسب المادة 871. لذا يمكن له راهناً ان يتقدّم وفقاً للمادة 873 من قانون اصول المحاكمات المدنية بطلب كفالة بغية طلب رفع الحجز، وغالباً ما يتحقق ذلك بحيث تكون الكفالة كافية ووافية ومقبولة من قاضي التنفيذ وصادرة عن احد المصارف المعترف بها.
 
وأكّد مرقص انّ لهذه القرارات، وان يكن لديها مدلولات معنوية ورمزية، ليست محاكمات لتاريخ او للمسيرة المهنية للحاكم سلامة، انما هي قرارات افرادية، لأنّ المتضررين هم افراد، ولا تدخل في اطار تحقيق جنائي مثلاً، انما هي تشبه الى حدٍ كبير، مع الفارق بالموضوع، القرارات التي اتخذها قاضي العجلة في صور لمنع سفر رئيس واعضاء مجلس ادارة مصرفين منذ بضعة اشهر، او القرار الذي اتخذه المدّعي العام المالي علي ابراهيم والقاضي بمنع التصرف بعقارات والاملاك الشخصية واصول رؤساء مجالس ادارة نحو 20 مصرفاً لبنانياً، لكن ما لبث ان عاد واتخذ قراراً بتجميد هذه القرارات الثلاثة، وبالتالي ليس مستبعداً ان يرفع هذا الحجز الاحتياطي أقله عبر ايداع الكفالة المصرفية التي سبق وتحدثنا عنها.