حتى الأكثر تفاؤلاً ما عادوا يتوقَّعون نهاية وشيكة للأزمة. يقولون: في الخريف، ربما تتقاطع محطات دولية وإقليمية تضع البلد على سكّة الحلّ. ولكن، في المقابل، هناك مَن يقول: قِصَّتُنا طويلة. تذكَّروا أنّ انتفاضة 17 تشرين التي بدأت كأنّها البارحة، دخلت الرُبع الأخير من عامها الأول. لا تُفكِّروا في الحلِّ خلال شهور. خُذوا نَفَساً عميقاً. فكِّروا في السنوات!

يسود اقتناع بأنّ هناك 5 استحقاقات دولية وإقليمية ومحلية متوقعة في خريف 2020، وستكون لها تأثيراتها المباشرة على الأزمة الحالية في لبنان:

 

1 - الانتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني. فإيران لا ترغب في التنازل للولايات المتحدة، وتضع في الحسبان أنّ الرئيس دونالد ترامب قد يفشل في تجديد ولايته، وأنّ تعاطيها مع رئيسٍ ديموقراطي في البيت الأبيض سيكون أفضل في أي حال.


 
2 - الحظر الذي تفرضه الأمم المتحدة على إيران، في مجال توريد الأسلحة، والذي ينتهي في تشرين الأول. وتنتظر طهران هذه اللحظة بفارغ الصبر لاستعادة هامش التحرّك الذي تفتقده منذ 5 سنوات. ويعتقد خبراء، أنّها ستستغلّ الفرصة لتدعيم ترسانتها براً وجوّاً. ولذلك، تبذل واشنطن جهوداً حثيثة لتجديد الحظر والتشدّد فيه، لكنها تصطدم بروسيا والصين.

3 - دخول إسرائيل عسكرياً، وفي شكل مباشر، على خط المواجهة مع إيران. ففي موازاة ضرباتها الممنهجة ضد أهداف إيرانية في سوريا، هي توغّلت بعمليات نوعية إلى الداخل الإيراني، حيث تستهدف منشآت عسكرية وصناعية وتجارية حسّاسة. وعلى الأرجح، ستكون لهذا التطوّر تداعياته في الصراع.

4 - التطوّرات التي يمكن أن يشهدها، في الأشهر المقبلة، مسار السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية، ضمن «أجندة» «صفقة القرن».

5 - أزمة الحدود البحرية والبرية بين لبنان وإسرائيل، والتي يمكن أن تستدعي لاحقاً تحريك المفاوضات الثنائية، بتأثير أميركي مباشر، ما يؤدي إلى فرز معطيات جديدة.

السؤال هو: هل يمكن إنتاج تسوية للمأزق اللبناني الحالي، فيما هذه العناوين ستزداد سخونة خلال الصيف الجاري؟ وفي معنى آخر، هل السخونة تسرِّع المَخارج في لبنان أم تؤخّرها وتعطّلها؟

 

يبدو لافتاً هنا تعليق وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، قبل يومين، رداً على سؤال حول رهان «حزب الله» وحلفائه في الحكومة اللبنانية على رحيل ترامب من البيت الأبيض بعد الانتخابات. قال بومبيو: «الرهان على نتائج الانتخابات أمر بعيد عن الواقع». وإذ جدّد التأكيد على أنّ الإصلاحات هي المفتاح الحتمي للمساعدات، أكّد أن واشنطن ستدعم لبنان «سواء كانت في ظلّ الإدارة الحالية أو الإدارة المقبلة. فموقفنا واضح جداً ويدعمه الحزبان».

 

يعني هذا الكلام، أنّ واشنطن ليست مستعجلة في الملف اللبناني. فليست هي المحشورة، بل لبنان الذي يزداد اهتراء اقتصادياً ومالياً ونقدياً وسياسياً. وهو الذي يحتاج إلى الدعم الأميركي الطارئ، سواء في مفاوضاته مع صندوق النقد الدولي أو في الحصول على أي مساعدة أخرى.

 

فالأوروبيون والعرب لن يقدِّموا دولاراً واحداً للبنان من دون ضوء أخضر أميركي. وأما الصين وروسيا وإيران وسواها من «المحور الشرقي» فمحظور على لبنان أن يتوجّه إليها، تحت طائلة فقدان التغطية الأميركية.


 
 

إذا تجاوب أركان السلطة مع مطالب الإصلاح وحصل فكّ الارتباط بين «حزب الله» والسلطة المركزية، فستكون هناك فرصة لتظهير ملامح التسوية في الصيف أو الخريف، وفق ما يتوقع المتفائلون.

 

لكن العارفين يقولون بواقعية: الصورة أقرب إلى التشاؤم. فقوى السلطة لن ترضخ للإصلاح، لأنّه سيقود إلى افتضاحها وزوالها. وفي الموازاة، مستحيل قبول «حزب الله» بفكّ ارتباطه بالدولة، إلّا ضمن صفقة كبرى بين إيران والقوى الدولية والإقليمية. وهذا الأمر يبدو بعيداً في المدى المنظور، ولن يصبح واقعياً إلّا في مراحل متقدّمة. إذاً، تطوّرات الصراع الأميركي- الإيراني والدينامية الإسرائيلية المتنامية قد تسرِّع الحلّ اللبناني، إذا أدرك أركان السلطة كيفية التعاطي مع الملف. ولكنها قد تطيِّر الحلّ إلى ما لا نهاية إذا استمرّ نهج التعاطي الحالي.

 

حينذاك، سيكون لبنان في وضع كارثي. ونموذج فنزويلا لن يكون مستبعداً. وفي هذه الحال، سيطول كثيراً عذاب لبنان، لسنواتٍ لا لشهور. وسيكون في الشارع صراخ الجائعين لا مطالب الانتفاضة الطالبية.

 

في هذه الحال، لن يكون المخرج بالرهان على تطيير ترامب، بل بالرهان على تطيير تركيبة السلطة في لبنان، بكاملها. وهذا يعني أنّ المخاض ما زال في مراحله الأولى، وأنّ كثيراً من الصراخ سوف يُسمَع قبل أن يُسمَع صراخُ المولود!