على رغم انتفاضة اللبنانيين منذ 17 تشرين الأول 2019، ومطالبتهم باستقالة السُلطة الحاكمة بكاملها، ومن ضمنها مجلس النواب إذ إنّه فقد شرعيته، تعتبر جهات عدة أنّ المجلس الحالي ما زال يمثّل ناخبيه، وأنّ القوى السياسية المتمثّلة فيه، ومن ضمنها «حزب الله» الذي يُشكّل مع حلفائه الأكثرية النيابية، لم «تستعرض» جمهورها بعد. وفي حين تؤيّد قوى سياسية المطلب الشعبي بإجراء انتخابات نيابية مبكرة ترفض قوى أخرى هذه الدعوة. فهل يُمكن إجراء انتخابات مبكرة الآن؟ بعد سقوط صفة العجلة عن اقتراح القانون المُقدّم من كتلة «الكتائب اللبنانية» لتقصير ولاية مجلس النواب وإجراء انتخابات نيابية مبكرة، في الجلسة التشريعية الأخيرة التي عقدها المجلس في قصر «الأونيسكو» والذي صوّت عليه 18 نائباً فقط ومن ضمنهم تكتل «الجمهورية القوية»، كشفت غالبية القوى السياسية أنّها لا تقبل لأسباب متنوّعة، مباشرة أو ضمنية، الرضوخ للإرادة الشعبية وإعطاء اللبنانيين فرصة للتعبير عن تطلعاتهم في انتخابات جديدة. فهل هناك طُرق أخرى لتحقيق هذه الإنتخابات؟ يقول وزير الداخلية الأسبق المحامي زياد بارود: «في كلّ ديموقراطيات العالم حين يتبدّل المزاج الشعبي بحَجم التبدُّل الذي حصل في لبنان منذ 17 تشرين الأول 2019، وبمعزل عن الفترة التي مضَت منذ الإنتخابات الأخيرة، تصبح المطالبة بإجراء انتخابات نيابية مبكرة أمراً مشروعاً». ويوضح أنّ هذه الإنتخابات تجري في حالة من اثنتين، إمّا حلّ مجلس النواب وبالتالي إلزامية إجراء انتخابات جديدة، وإمّا بتعديل مدة ولاية المجلس بتعديل قانون الإنتخاب. ويشرح أنّ حلّ مجلس النواب مُنظّم في الدستور، ولا يتمّ إلّا بقرار من مجلس الوزراء بأكثرية الثلثين بناء لطلب رئيس الجمهورية، وذلك في 3 حالات محددة كالآتي: - إذا امتنع مجلس النواب، لغير أسباب قاهرة، عن الاجتماع طوال عقد عادي أو طوال عقدين استثنائيين متتاليين. - في حال رد المجلس الموازنة برمّتها بقصد شَلّ يد الحكومة عن العمل. - إذا أصرّ مجلس النواب بأكثرية موصوفة على اقتراح تعديل دستوري في دراسة ثانية. وفي حين أنّ هذه الحالات الثلاث غير متوافرة الآن، فإنّ الحلّ الدستوري لإجراء انتخابات نيابية مبكرة في الوضع الراهن مُستبعد كلياً. وبالتالي، يبقى الحلّ الثاني، وهو تقصير ولاية المجلس بتعديل مادة وحيدة في قانون الإنتخاب المتعلقة بولاية مجلس النواب المحددة بـ4 سنوات تَسري من 6 أيار 2018. لكن ماذا لو استقال عدد من النواب، أو أكثر من نصف النواب في المجلس؟ يجيب بارود: «إنّ استقالة نائب للتعبير عن موقف سياسي تُحترم، لكنّ أي شغور في مقعد خارج الأشهر الستة الأخيرة من ولاية المجلس يستدعي إجراء انتخابات فرعية. أمّا إذا استقال أكثر من نصف المجلس فتبرز إشكالية النصاب، إذ انه لا يوجد نص دستوري يعتبر أنّ المجلس مُنحلّ مهما كان عدد النواب المستقيلين، لكنّ المنطق يقول إنه حين يفقد المجلس نصف أعضائه لا يُمكنه الإنعقاد لأنه فقد النصاب. وفي هذه الحالة تبرز إشكالية أخرى، فهل تتم الدعوة لانتخابات فرعية لكل هذه المقاعد أو يُعتبر المجلس مُنحلّاً؟ وبالتالي لا حلّ لإجراء انتخابات نيابية مبكرة إلّا بتقصير ولاية المجلس بقانون في مجلس النواب». الى ذلك، هناك إشكالية أخرى تكمن في آلية إجراء الإنتخابات النيابية المبكرة من جهة، وفي القانون الذي على أساسه ستُجرى في حال تمّت الدعوة إليها. إذ تتمسّك قوى عدة، ومنها «حزب الله» و»القوات اللبنانية» و»التيار الوطني الحر» بالقانون الحالي، وفي المقابل تدعو جهات أخرى الى إقرار قانون انتخاب جديد، وهذا الأمر يصطدم بالعامل الزمني وبالممانعة السياسية، إذ إنّ مجلس النواب الحالي لن يسعى إلى إقرار قانون انتخاب لا يضمن أنّه يحمي مصالحه الإنتخابية. وفي ظلّ رفض البعض إجراء انتخابات نيابية مبكرة، وتَحجّج البعض الآخر بالصدامات التي سيرتّبها إعداد وإقرار قانون جديد أو اعتماد القانون الحالي النافذ، والتَذرُّع بالأوضاع الأمنية والمالية، يشير بارود الى «ضرورة الإصرار على إجراء الإنتخابات النيابية المقبلة في موعدها في عام 2022، إذ هناك احتمال دائم للتمديد في لبنان». ويقول: «مع أحقية ومشروعية المطالبة بانتخابات نيابية مبكرة، يجب التركيز على إقرار قانون انتخاب جديد يؤمّن صحة تمثيل أفضل ويُخرج البلد من الإصطفافات القائمة، وحينها نتّجه الى تغيير نيابي يواكب تبدُّل المزاج الشعبي». ويرى أنّ «الوجوه الجديدة، إذا لم تتحالف بعضها مع بعض وتشكّل لوائح موحّدة، ستصطدم بمشكلة إحداث خروقات كبيرة. فالتغيير مرهون بقانون الإنتخاب والتحالفات والمزاج الشعبي في وقت إجراء الانتخاب». وعلى صعيد قانون الإنتخاب، يؤكد بارود أنّه «حتى لو أُقرّ قانون انتخاب نموذجي على صعيدَي تقسيم الدوائر ونظام الانتخاب، إذا بقيت الأحكام المتعلّقة بالمال الإنتخابي متفلّتة بهذا الشكل فعبثاً نحاول». وفي حين أنّ التغيير المنشود الذي يؤدي الى تغيير في الأداء، مرتبط بإنتاج مجلس نواب جديد، إذ إنّه أمّ المؤسسات الدستورية والذي يُنتج السلطة التنفيذية على مستويي رئاسة الجمهورية والحكومات، ويقرّ التشريعات والموازنات العامة... يبقى هذا التغيير الآن مرتبط بالسلطة التي يسعى الناس الى تغييرها، وبقدرة «الثوار» على الضغط على هذه السلطة للرضوخ لمطالبهم.