ربّما لم يكن يخطر ببال المختار محي الدين الميس أنّ ابنه الأصغر الذي اسماه خليل، والمولود عام 1941م ببلدة مكسة الخير البقاعية، سيملأ المكان والزمان علماً وخلُقاً وتواضعاً وزهداً وكرماً. وبما سيُنشئ من مؤسسات تربوية واجتماعية ستبقى صدَقَةً جارية الى ما شاء الله.

 


بعدما تلقى الطالب خليل الميس علومه الابتدائية في مدرسة قب الياس، حاز على الثانوية الشرعية من معهد أزهر لبنان في بيروت عام 1963، لينتقل بعدها الى جامعة الأزهر الشريف في القاهرة ليحصل على شهادتي البكالوريوس والماجستير من كلية الشريعة عام 1969. وبينما هو يتابع دراساته العليا على علماء الأزهر وشيوخه الكرام في القاهرة.

 

 

حينها انتخبت القيادات الإسلامية في لبنان بعد مخاضٍ عسير مفتي الإصلاح والمؤسسات والنهوض العلاّمة الشيخ حسن خالد في أواخر عام 1966، والتي استعدت القاهرة بقيادة الزعيم عبد الناصر للاستقبال التاريخي لمفتي الجمهورية الجديد آنذاك الشيخ حسن خالد مع بداية عام 1967، وقتها التقى العلامة المفتي حسن خالد مع الطلبَة اللبنانيين في الأزهر الشريف ومن بينهم الطالب المميّز خليل الميس والذي طلب منه العودة الى بيروت بعد انتهائه من دراسته العليا، لينهض بمعهد أزهر لبنان في بيروت.

 


عاد الشيخ خليل الميس الممتلئ نشاطاً وشباباً وعلماً وثقافة أزهرية ورسالة ودعوة الى سيّدة العواصم بيروت، ليتولى إدارة معهد أزهر لبنان فيها عام 1970 ومعه بعض أقرانه من متخرّجي الأزهر الشريف، وليكون آنذاك البقاعيّ الأول الذي تسلّم موقعاً تربويّا اسلاميًا مهما بجانب مفتي الجمهورية العلاّمة الشيخ حسن خالد الذي حمل عبء الدفاع عن وحدة الوطن والمواطنين في كل لبنان، وسار على دربه وسيرته، متجاوزاً بعلمه واحتضانه لطلاب الأزهر المكان والزمان، لينتشر طلابه ومُريدوه من عكار الى طرابلس، ومنها الى جبل لبنان والبقاع وصيدا وصور وشبعا وكل الجنوب، حتى غدا العلاّمة الميس مقصِداً لطلاب العلم الشريف وطالباته في مقرّه أزهر لبنان بجانب دار الفتوى في بيروت، الذي لم يفارقه ليلاً أو نهاراً، يتفقّد طلابه فرداً فرداً، ويسأل عن أسرهم وأحوالها، ويسهر عليهم علماً وغذاءً فكرياً ومادياً من لبنان وسوريا، وبعضهم من اليمن والمملكة العربية السعودية ومِصر والجزائر وتونس، والعديد من طلبة العلوم الشرعية من دول إفريقية وآسيوية.

 


وبرغم الحروب العبثية التي بدأت عام 1975، في شوارع بيروت وأزقّتها وصراع الميليشيات على المغانم والمكاسب، بقي العلّامة الشيخ خليل الميس منتصب القامة، مرفوع الهامة، محتضناً طلّاب الأزهر ومريديه في بيروت، وملازماً للمفتي العلّامة الشيخ حسن خالد وهو يصارع سياسيًا ووطنيًا، محليّا وعربيّا للحفاظ على لبنان ووحدته وتنوّعه وهُويّته العربية في مواجهة مشاريع الصهينة والتمذهب والطائفية التي كادت تنهي الكيان اللبناني.

 

 

عاش العلّامة الشيخ خليل الميس مآسي الحروب العبثية في بيروت، بين رؤساء الميليشيات اللبنانية من ناحية والمقاومة الفلسطينية من ناحية أخرى، والصراع بين الفصائل الفلسطينية أحياناً، ولعب دوراً كبيراً مع مفتي الجمهورية الحالي الشيخ عبد اللطيف دريان والدكتور يحيى الكعكي، وشاءت لي إرادة الله أن أكون معهم في تخفيف آلام الناس ومنع التجنّي عليهم بل واختطاف بعضهم بحجج واهية. واستمر العلّامة الميس حول العلّامة المفتي الصالح الشيخ حسن خالد وهو يلملم ويبلسم جراحات الفلسطينيين في بيروت والبقاع وطرابلس، كما شهد العلّامة الميس مع المفتي المجاهد حسن خالد حصار بيروت من العدو الصهيوني عام 1982 واجتياحها بعد ذلك لإخراج بندقية المقاومة الفلسطينية، وإلحاق لبنان بالمشروع الصهيو-أميركي لتمزيق لبنان والمنطقة لإبقاء فلسطين محتلة من دعاة المشروع التلمودي على أرض فلسطين المباركة.

 


صمد العلّامة الشيخ خليل الميس في مقرّه في بيروت بجانب المفتي الخالد الشيخ حسن خالد خلال حصار بيروت ومعهما رجل الفكر والعلم الدكتور حسين القوّتلي المدير العام لدار الفتوى ونخبة من الفتية العلماء متنقّلين ومتابعين لأماكن تنقلات المفتي حسن خالد الذي دعم مع أبناء بيروت وأبناء بعض المناطق الانتفاضة العسكرية ضد الوجود الصهيوني على أرض سيّدة العواصم بيروت. وشاءت ليَ إرادة الله أن أكون مشاركاً وشاهداً في هذه الحقبة من مقاومة بيروت وأهلها لعصابات الجيش الصهيوني وما رافقها من تحرير بيروت والانسحاب تدريجيّا نحو جنوب الوطن.

 


حينها كان العلّامة الميس متموضعاً في بيروت وفي البقاع، وفي صيدا وفي طرابلس بين المتحاورين والمتقاتلين، وبين دار الفتوى وبكركي ومقرّ المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى ومقر البطرييركية الأرثوذكسية ومشيخة عقل الموحدين الدروز، وأحياناً في إقليم الخروب، لتضميد الجراح وحمل المواد الغذائية الى هنا وهناك بمتابعة من المفتي الصابر والصامد الشيخ حسن خالد، ومؤازرة الدكتور حسين القوتلي وأعضاء المجلس الاستشاري، والمجلس الشرعي الإسلامي الأعلى في دار الفتوى.

 

 

تجاوز العلّامة الميس بعلمه وفضله الزمان والمكان، فهو عضوٌ في المجلس الاستشاري لدار الفتوى، وهو عضوٌ في المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى، وهو ممثّل مفتي الجمهورية هنا وهناك، وعضو المجمَع الفقهي العالمي التابع لمنظمة تعاون الدول الإسلامية في جدة المملكة العربية السعودية، وهو في الوقت عينه مديراً لأزهر لبنان، وأستاذاً في كليّة الشريعة والمعهد العالي للدراسات الإسلامية في بيروت، وهو المشارك بالمؤتمرات العربية والإسلامية الفقهية واللغوية والفكرية والحداثة، ممثلاً مفتي الجمهورية حينًا وبصفته الشخصية حينًا آخر.

 


العلّامة الميس الذي تجاوز الزمان والمكان بسعة افقه وعلمه وزهده، عيّنه مفتي الجمهورية الشيخ حسن خالد آنذاك مفتيا لزحلة والبقاع عام 1985، الى جانب مهامه المتعددة ليتوزّع العلّامة المفتي الميس بين بقاع الخير وسيّدة العواصم أسبوعيّا، وليشهد البقاع منذ عام 1985 فجراً جديداً لنهضةٍ إسلامية ووطنية جامعة لتبقى شعلتها مضيئة بسماء لبنان عندما أنشأ العلّامة المفتي الميس أزهر البقاع وصندوق الزكاة بمباركة ودعم العلّامة المفتي الشيخ حسن خالد على ربوةٍ بقاعية وبعدها جامعة الأزهر، لتكون شاهدةً على التاريخ والجغرافيا والوجود، ولتكون البداية لنهوض أمة إقرأ بأفواج علمائها الموزّعين على كل بقاع الدنيا وإلى ما شاء الله.

 


حسبُكَ أيّها المفتي الميس علّامة هذا الزمان، أنك أعطيت وأعطيت، وزرعت وزرعت علمًا ومؤسسات ورجالاً أوفياء وعلماء صادقين ومؤمنين تبوّؤوا أعلى المواقع والمراكز الإسلامية من أوقافٍ ومحاكم شرعية وإفتاء، ولم يبدّلوا تبديلاً.

 


حسْبُكَ أيّها العلّامة المفتي الميس، أنك بقيت كبيراً بعِلمك وأخلاقك وكرمِك وزهدك ونظافة كفّك وتواضع العلماء في شخصك. وليُخاطبُكَ مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان بأكثر من مناسبةٍ موقع بقوله لك: أستاذي ومعلّمي، ومعلّم القضاة والعلماء في وطنك لبنان ..