أكدت الحكومة اللبنانية عدم تبنّيها "قانون قيصر" الأميركي الذي يهدف الى معاقبة النّظام السوري، وعدم التزامها به، وأنها بصدد دراسة تأثيره على لبنان، والهوامش التي يُمكنها أن تعمل فيها دون ارتدادات سلبية على البلد.
 
ورغم كل التأكيدات، فإن المنطق المالي والإقتصادي، قبل السياسي، يؤكد أنه لن يكون أمام الحكومة إلا العمل بموجب هذا القانون، أي الإلتزام بتفاصيله كافّة، من حيث السّلوك، ولكن من دون تبنّيه رسمياً على صعيد الموقف، وذلك مهما عَلَت الأصوات المعارِضَة لذلك، بحجج تتعلّق بخصوصيات العلاقة بين لبنان وسوريا.
 
بطريقة خفيّة
 
فلا خصوصيات بين بيروت ودمشق بعد اليوم، من خارج المنظومة الدولية. وما على المتعوّدين على خلاف ذلك لسنوات وسنوات، إلا التأقلُم مع الوقائع الدولية الجديدة، بمعزل عمّا يحصل حالياً في الداخل الأميركي، أو على مستوى التبايُنات الأميركية - الأوروبية - الروسية - الصينية، في ما يتعلّق بالملف اللبناني، واللبناني - السوري.
 
هنا نطرح السؤال عمّا إذا كان "حزب الله" سيتموضع بطريقة خفيّة، تقوم على تبنّي العقوبات على نفسه، داخل مجلس الوزراء، بمعيّة العمل على خرقها ميدانياً، على مستوى مختلف أنواع أنشطته في سوريا؟
 
قد يقود المنطق المعتاد الى هذا الواقع، نظراً الى أن سرعة الأحداث الاستراتيجية تُربِك الجميع. ولكن هل تبقى الحكومة اللبنانية، ومعها لبنان، بمنأى عن نتائج "الفصام" الحكومي هذا، الذي يقوم على أن أحد أكثر الأطراف الوازنة داخل مجلس الوزراء، يُعاقب نفسه على الطاولة، أي من حيث الموقف، فيما يفسّح لنفسه التجاوزات، على مستوى السّلوك الميداني؟ وهو ما يعني أن "حزب الله" سيعمل بطريقة معاكسة عن الحكومة، التي ستلتزم بـ "قانون قيصر" سلوكياً، دون أن تتبنّاه على مستوى الموقف.
 
بروتوكول
 
ذكّر الوزير السابق رشيد درباس بأنه "يوم بدأ النّزاع في سوريا، ابتُكِر في لبنان ما اصطُلح على تسميته "النأي بالنّفس". ولكن هذا الموقف الوسطي يحتاج الى إرادة قوية، والى توافق كلّ أطرافه لتنفيذه، مع مهارة كاملة في التعاطي معه، حتى لا يتحوّل الى انحياز، في أي حركة على هامشه قد تجنح أحياناً نحو اليمين أو اليسار".
 
وأشار في حديث الى وكالة "أخبار اليوم" الى أنه "في الظرف الحالي، وبعد تغيُّر موازين القوى، وبموازاة وجود حكومة يمكن اعتبارها حكومة الطرف الواحد، لا أحد يعلم الى أي مدى لديها (الحكومة) قدرة على السّير بين النّقاط، مع تحاشي حقل الألغام. فإذا أخذت الحكومة موقفاً ينقض "قانون قيصر" رغم تنفيذها له، فإن ذلك قد يُعتبَر إخلالاً بالقانون".
 
وأوضح:"الصّعوبة تكمُن في أن التعاطي مع هذا القانون، لا يتمّ وفق مفاوضات أو بروتوكول تمّ الإتّفاق عليه بين الدولة اللبنانية من جهة، والأميركيين الذين وضعوه (القانون)، من جهة أخرى، في ما يتعلّق بأسلوب التعاطي اللبناني معه على مستوى السلوك والقول، لا سيّما أن له تداعيات على لبنان".
 
مظلّة...
 
واعتبر درباس أنه "لا يُمكن لطرف واحد من تلقاء نفسه أن يضع معادلة وينجح فيها، في هذا الإطار. ولكنّنا نتمنى نجاح الحكومة اللبنانية على هذا المستوى، لتجنيب لبنان الكثير من المشاكل. فمن الناحية العملية، يبدو الوضع شديد الصّعوبة، في ما يتعلّق بمقاربة هذا الملف على المستوى الرسمي، لا سيّما أن الحكومة يطغى عليها اللّون الواحد".
 
وختم:"يُمكن تلمّس الصّعوبة أيضاً، من خلال ما حصل مع المصارف في وقت سابق، والتي وصلت الى حدّ الإفلاس وتجفيف أموالها، وتعرّضها للكثير من الهجوم. وهو ما يعني أنه ليس سهلاً اتّخاذ موقف سلوكي من "قانون قيصر" بلا مظلّة سياسية، فيما الخطورة تكمُن أيضاً بأن تتمّ ممارسة أشياء أخرى تحت تلك المظلّة نفسها. وهو ما سيجعل العمل ضمن إطار التمنيات، وبلا أي معطيات واقعيّة للتّنفيذ".