كنّا ذات يوم نتحاور حول: أيّ لبنان نريد ...

واليوم أصبحنا نتساءل: أيّ لبنان سيبقى ...

 

الرئيس ميشال عون، يكـرّر جازماً: «أنّـه سيسلِّم لبنان في نهاية عهده أفضل مـمّا استلمه..» وهذا ما يـردّده النائب جبران باسيل ويزيد: «رئيس الجمهورية لا يسقـط إلاّ إذا أراد هو أنْ يستقيل وهذا لـن يحصل مع الجنرال عـون... بل سيخرج أقوى مـمّا دخل...»

 

من المبدئيات المطلقة، أنَّ أيّ مواطن لا يتمنّـى أنْ ينهض الوطن على أيدي حكامه، سواء كان موالياً لهم أو معارضاً، يُعتبـر في علم الإجتماع مواطناً مزيَّـفاً.


 
 

وأنا على الصعيد الشخصي كان لي مع إرتقـاء نجوم هذا العهـدِ عهـد.

 

ولكنْ... ومن باب التصويب التاريخي نوضح: أَنّ رئيس الجمهورية أيضاً يسقط ، وهو ليس ملكاً يحكم بموجب التفويض الإلهي.

 

بشارة الخوري الرئيس الإستقلالي الأول، وبكلّ ثقلـه التاريخي والسياسي والفكري، سقـط... عندما راح أخـوه السلطان سليم يرتدي عبـاءة الرئيس الظـلّ، بما رشَح منها ما رشَح من فسادٍ وارتكابات.

 

وبشارة الخوري أيضاً استقال، وفي كتاب الإستقالةِ كتب: «لو لم أكـنْ مرتاح الضمير وأميناً من أن ينصفني الغـدُ لتمسّكتُ بالسلطة...»

 

السقوط، بالإدراك الواقعي، لا يعني السقوط الجسدي، يمكن أنْ يكون السقوط جلوساً أو وقوفاً، إلاّ إذا كان من باب التصّور الخيالي كمثل ما يصـف سعيد عقل جبل صنين: «كرأسِ صنين يهـوى إنْ هـوى صُعُـدا..» أو، كمثل ما يتخيّل مخايل نعيمه، ذلك الذي يصعد من الأرض وينزل على القمر، ما إذا كان صعودُه يُـعتبرُ صعوداً أو نـزولاً.

 

ومثل النزول والصعود، يمكن أن تكون الإستقالة بين: مَـنْ يستقيل مِـنَ الحكم ومَـنْ يستقيل الحكمُ منه.

 

وحدَها، الإسرة المالكة في بريطانيا لا تستقيل لأنها تملك ولا تحكم، وقد يصـحّ لأفرادها أن يمارسوا أعمالاً منحرفة بما في ذلك الخيانة الزوجية، لأنهم ليسوا مسؤولين تجاه الأمـة، أما الإسرة البريطانية الحاكمة فـإنْ دلَّـت إصبعٌ على أيِّ مسؤول منها بالشبهة عليه فوراً أنْ يستقيل.


 
 

كـمْ نتمنّى مع فائق الإبتهالات أنْ يسلّم الجنرال لبنانَ أفضل مما استلمه، لو لم نتهـيَّب المقارنة بين ما كانت عليه حال لبنان من قبل، وما آلـت إليه حالُـهُ اليوم، فلا نـرى في المعادلة إلاّ المعجزات.

 

ولا حاجة في ظنّي للإعلان عن المستقبل بلهجةِ تنبُّـؤيّـة، لأن الحاضر لا يحمل البشائر، بل يُنـذر بهبوب عاصفة تساوي في خطورتها السبب الذي أوجدها.

 

الرئيس ميشال عون، لم يكن رئيساً نازحاً إلى نادي رؤساء الجمهورية محمولاً على كرسي المقعدين.

 

ولأنه يعرف – وهو قائدٌ عسكري – مقدار صعوبة تغيـير الأسلحة في خضـمّ المعركة، يعرف أيضاً أنّ الكبار لا يتكابرون على الوقائع التاريخية الصارمة التي تواجه أحلامهم.

 

نابوليون الذي طـبَّع بعضاً شاسعاً من خريطة الأرض واجـهَ بكبَـرٍ حقائق التاريخ وهو منفيٌ في جزيرة القديسة هيلانه بقوله: «لا أحد مسؤول عن هزيمتـي، لقد كنت أنا أكبـرَ عـدَّوٍ لنفسي...»

 

والرئيس جمال عبد الناصر حين اعترف بتحمُّـل مسؤولية الهزيمة في حرب 1967... أصبح القائدُ المنكسر زعيماً منتصراً في أعين الجماهير.

 

الحاكم القوي يتمتّع بقدرة التحوُّل، والجنرال القوي لا تـزال المسافة أمامه على ضيقها تسمح له بأن يرفع الرهان من التحيُّـز للحكم إلى التحيّـز للتاريخ، وهو قادر على إنقاذ ما تبقـىّ من تراث الوطن، وما يحفظه التراث من مـاء الوجه للمقعد الرئاسي المعرّض للسقوط.

 

نعم... الكبار لا يحسبون حساب السقوط من الحكم، لأنهم لا يسقطون من التاريخ.