أياً كانت النتائج التي سينتهي اليها اجتماع «مجموعة الدعم الدولية من اجل لبنان» في بعبدا، فإنّ البناء عليه من اجل الحصول على مساعدات استثنائية ليس أوانه. لا بل على العكس، فلو لم توجّه الدعوة الى المجموعة لم يكن في ذهن أحد القيام بأي مبادرة، باستثناء تلك المبادرات الدولية المتواضعة والمحدودة. وعليه، هل جاء الاجتماع بجديد يُذكر؟ وما هو المتوقع منه؟
 

ليس هناك ما هو محسوم في انّ دعوة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ممثلي «المجموعة الدولية من اجل لبنان» الى اجتماع الامس في بعبدا في الذكرى السنوية الثانية لمؤتمر «سيدر» الذي عُقد في مثل هذا التاريخ من العام 2018 قصداً او مصادفة. وأياً كانت النيات التي قصدها الداعون الى الاجتماع ومن خطّطوا له، فإنّ الشكليات لن تؤخّر او تقدّم تجاه ما هو مُتوقع من دعم للبنان في مثل هذه الظروف الاقليمية والدولية، التي انعكست على لبنان كثيراً من الإهمال وقلّة الإهتمام العربي والغربي بكل ما يجري فيه.

 

مصادر ديبلوماسية واكبت المساعي الجارية لاستدراج الدعم الدولي للبنان قالت، انّ من الصعب ان يتوافر هذا الدعم بهذه الوسائل. فما هو مطلوب من لبنان لاستعادة الثقة الداخلية والخارجية بالدولة ومؤسساتها لم يُنجز بعد. فالإشارات الواضحة التي حملتها كلمة المنسق الخاص للأمم المتحدة يان كوبيتش في الاجتماع تعني الكثير. وقبل التوقف عند بعض ما جاء فيها، تجدر الإشارة، انّها أُعدّت قبل الاجتماع، ولا يجب فهمها على انّها تلبية لمطالب استثنائية وجديدة طُرحت فيه. وانّ ما أشار اليه من إجراءات وآليات، كانت مطروحة على المسؤولين اللبنانيين، قبل ان تتعدّد الاستحقاقات الكبرى التي دهمتهم واختلط ما فيها مما هو اقتصادي وسياسي، بما تسبّبت به أزمة «كورونا».

 

 
 

وأضافت هذه المصادر، «انّ مضمون الكلمة جاء بكلمات اختيرت بدقّة متناهة، وأُخضعت للدرس في الساعات القليلة التي سبقت اللقاء ما بين من شاركوا فيه، على خلفية فهمهم المُسبق، من أنّه لن يكون هناك من جديد يُعرض عليهم في الاجتماع. فالكلمات التي أُلقيت «ارشفت» مجموعة الإجراءات والقرارات الحكومية التي تابعها الديبلوماسيون لحظة بلحظة. فهم يعلمون علم اليقين بكثير من الحقائق المخفية عن اللبنانيين، والتي ما زالت مدار جدل في الأندية الداخلية، على وقع المناكفات السياسية والحزبية، وهي مخالفة لكثير مما تمتلكه المؤسسات الأممية والدولية وبعض السفارات في لبنان من ارقام وتقارير، تدلّ الى مؤشرات تثبت بما لا يرقى اليه اي شك الفشل في إدارة شؤون البلاد والعباد».

 

وقالت هذه المصادر: «انّ الكلمة الأممية اكّدت فهم واضعيها للإجراءات اللبنانية التي واكبت أزمة «كوفيد- 19»، وعبّرت عن تقديرها عالياً لما اتُخذ من اجراءات قياساً الى حجم التحدّيات المفروضة على لبنان. فهم يدركون حجم الصعوبات الاقتصادية التي قادت لبنان مرغماً الى وقف تسديده مستحقات سندات «اليوروبوندز» لمالكيها اللبنانيين والدوليين، كما بالنسبة الى تقنين السيولة في العملات الأجنبية، وعدم كبح جماح الغلاء. ولكن ذلك لم يحل دون الإشارة، التي حملتها قصداً، حول تجاهل المسؤولين اللبنانيين حجم» الفساد المستشري والنقص في الشفافية»، إضافة الى «المشكلات والضغوط الاجتماعية والبطالة»، والتي تؤدي كلها الى ما يعانيه لبنان من صعوبات، سببها سوء الإدارة، والتي ادّت الى «مزيد من اليأس».


 
 

ولذلك، قرأت المصادر الديبلوماسية ما سمعته في لقاء بعبدا نوعاً من الخطاب الذي «يمكن ان يتوجّه به المسؤولون الى مواطنيهم، وليس الى المجتمع الدولي، الذي يعرف مسبقاً، انّ معظم الأرقام المتداولة والتقارير المُعلن عنها في الداخل اللبناني «غير دقيقة»، لمجرد انّها تجاهلت كثيراً مما نبّه منه هذا المجتمع الدولي ومؤسسات التصنيف الدولية، التي قالت كلمتها في السياسات المالية والمصرفية، وتلك المعنية بمقومات التعافي والصمود».

 

والمؤسف، تكشف المصادر الديبلوماسية، انّها وعلى رغم قساوتها في الحكم على الفشل في ادارة شؤون البلاد، فهي لا تلوم جميع المكونات اللبنانية. وليس سراً انّها تحمّل فئة من هذه المكونات مسؤولية قيادة الدولة ومؤسساتها الى حيث هي اليوم من الوهن والضعف. وليس سراً ايضاً إن عبّر عدد منها، بشكل من الأشكال، عن أنّ هناك فئة من اللبنانيين قادتهم الى حيث هم، على مسافة بعيدة من المجتمع الدولي الداعم للبنان تاريخياً. فهو كان وما زال يناديهم بـ «النأي بالنفس» وإبعاد لبنان عن المناطق المحروقة المحيطة به، وعدم الإنخراط في الأحلاف الدولية التي قادت الحكومة اللبنانية، برضى من ألّفها ورعاها، الى حيث هي محاصرة من كل الجوانب المالية والاقتصادية والنقدية، الى ما هنالك من أشكال الحصار الديبلوماسي والسياسي والاقتصادي الذي لم يعرفه لبنان سابقاً. فعلى رغم انشغالات الدول الراعية للبنان بهمومها وأزماتها وما خلّفته «الكورونا» من عزلة دولية وفشل النظم الطبية في مواجهتها، فإنّ ذلك لا يحول دون القدرة على مساعدة لبنان في مجالات حيوية إن ارادت ذلك.

 

وبناءً على ما تقدّم، تنتهي المصادر الديبلوماسية الى الإشارة، انّ صدور البيانات باللغات والتعابير الإنسانية المعتمدة لن يغيّر من شكل التعاطي مع لبنان ببرودة غير مسبوقة. ولذلك، تحسم لتقول «انّ المساعدات المقبلة ستبقى محصورة بما اشار اليه البيان الذي حصر أشكال الدعم «من أجل الوقاية والتخفيف من تأثير فيروس «كورونا» على البلد... واستجابة الطاقم الطبي لأزمة الكورونا»، كذلك بالنسبة الى مساعدة «الأشخاص الذين يعانون من وضع هش، كاللاجئين السوريين والمواطنين اللبنانيين الذين يحتاجون إلى مساعدة».

 

عند هذه الحدود سيتوقف الدعم الدولي، الى ان يأتي الله بما ليس محسوباً حتى اليوم. فهل سيتعظ اهل الحكم والحكومة، فيسارعون الى القيام بما هو مطلوب، ووقف المناكفات التي تسببت بانهيار الثقة الدولية كما الداخلية بلبنان للانتقال الى مرحلة أخرى؟.