أثار تفشي وباء كورونا مخاوف من نوع خاص في لبنان، وبعدما تداول كثيرون مفارقة قدرة الوباء على إخلاء الشوارع من المتظاهرين الغاضبين، المطالبين باستعادة المال المنهوب من الدولة، استعاد اللبنانيون واحدا من مشاهد الحرب الأهلية (1975 – 1990) عبر مفهوم الأمن الذاتي الذي اتبعته المدن آنذاك.
 
وأقفلت مناطق لبنانية مداخلها ومخارجها بسواتر ترابية تعيد إلى الأذهان صورة المتاريس خلال الحرب، من أجل منع دخول غير المقيمين فيها تفاديا لنقل الوباء إليها.
 
واللافت أن بلديات مناطق عديدة ساهمت في إغلاقها لعزلها معيدة أسلوب الأمن الذاتي الذي كان مرتبطا بالحرب الأهلية، رغم استعانة الحكومة بقوى الجيش اللبناني وقوات الأمن بكل أجهزتها لفرض حال التعبئة الصحية.
 
وأثارت التعبئة سجالا وسط تساؤلات عن الدوافع الجدية التي منعت حكومة حسان دياب من إعلان حالة الطوارئ، وتناولت أوساط مطلعة السجال من زاوية انعكاس الانتقال إلى مرحلة الطوارئ، على العلاقة بين الجيش والدولة من جهة وحزب الله من جهة أخرى.
 
وتطلق هذه الخطوة يد الجيش في كل المناطق اللبنانية، بما فيها تلك التي تسمى البيئة الحاضنة لحزب الله ومناطق نفوذه، فضلا عن المعابر الحدودية غير الشرعية التي ما زال حزب الله يسيطر عليها.
 
وأكد رئيس الحكومة اللبنانية، الثلاثاء، أن بلاده تعيش في محنة وضيق بسبب خطر وباء كورونا المستجد، داعيًا إلى المزيد من التلاحم والمبادرة، لتحصين الدولة.
 
وقال دياب، خلال تسلّمه منحة من جمعية المصارف اللبنانية بقيمة تناهز ستة ملايين دولار لتأمين أجهزة طبية واستشفائية لمعالجة المصابين بالفايروس، إن “ما نمر به اليوم يحتاج إلى تضافر كل الجهود، من دون مزايدات، ولا حسابات، البلد كله يرزح تحت وطأة ضغوط قاسية، ولا يمكن لأي كان أن يحمل وحده عبء هذه الضغوط”.
 
وأشار إلى أن “الدولة، في ظل إمكاناتها الحاضرة، يصعب عليها القيام بكامل واجباتها تجاه مواطنيها، ولذلك فإن الرهان هو على تكافل المجتمع اللبناني، والتعاون مع الدولة التي لا ملاذ إلا بها، باعتبارها الحاضن الوحيد لجميع أبنائها، من دون تمييز”.
 
وأنهى دياب كلمته دون أن يشير إلى مسألة الطوارئ التي تبدو مرتهنة بحسابات حزب الله وارتباطاته الخارجية.
 
ونفى مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية في بيان له، الثلاثاء، ما يروج عن أن الرئيس ميشال عون يعارض “إعلان حالة الطوارئ لأسباب سياسية”، معتبرا أن ذلك “يدخل في إطار الدس الرخيص الذي دأبت جهات إلى اعتماده لأسباب لم تعد تخفى على أحد”.
 
ودون أن يحدد البيان موقفا واضحا للرئاسة من إعلان الطوارئ، شدد على أنه “لا داعي للتذكير بأن رئيس الجمهورية هو رأس الدولة ورمز وحدتها وأقسم اليمين على المحافظة على دستورها وعلى قوانينها”.
 
وطرحت علامات استفهام حول مغزى إشاعة معلومات متضاربة عن موافقة رئيس مجلس النواب نبيه بري زعيم حركة أمل حليف حزب الله على إعلان حالة الطوارئ، ثم تجميد الخطوة لحسابات بدا واضحا أنها تعكس اعتراض الحزب.
 
والثلاثاء دعا زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط إلى فرض حالة الطوارئ، مبديا قلقه من “قطع بعض البلديات الطرق وإقامة حواجز هي نوع من الأمن الذاتي”.
 
في السياق ذاته، حذر عضو كتلة اللقاء الديمقراطي النائب بلال عبدالله من “عواقب وخيمة” في حال “العودة إلى مفهوم الأمن الذاتي للمناطق والقرى والأحياء”.
 
وانضم إلى الدعوة لإعلان الطوارئ النائب عن تيار المستقبل بزعامة سعد الحريري محمد الحجار، منتقدا الحكم اللبناني، وقال “المرحلة ليست للحساسيات ولحسابات سياسية ورئاسية…البلد أهم منكم”.
 
يذكر أن إعلان حالة الطوارئ يتطلب، بموجب المادة 65 من الدستور، موافقة ثلثي أعضاء مجلس الوزراء، وبات معروفا أن الغالبية تتوزع بين التيار الوطني الحر بزعامة جبران باسيل وحزب الله وحركة أمل.
 
وهاجم النائب سليمان فرنجية، زعيم تيار المردة، بشدة “استغلال تفشي كورونا لتهريب التعيينات وتمرير الصفقات” داعيا إلى إعلان حالة الطوارئ.