يغرق اللبنانيون في متاهاتِ الكورونا وسنداتِ اليوروبوند، ندفعُ أو لا ندفع، وصندوقُ النقد نستعين به أو لا نستعين، والكابيتول كونترول أو لا كونترول...

 

لم تُعطَ حكومةُ الرئيس حسان دياب أي فرصة، منذ تأليفها، وقد لا تُعطى.

 

فهي وُلِدت برئةٍ واحدةٍ أساساً، وسُمّيت حكومة اللون الواحد في أفضل الحالات، وحكومة «حزب الله» في الغالب، وجيء بها لغايةٍ واحدةٍ هي الإنقاذ المالي والاقتصادي، على رغم أنّ جانباً مهماً من الضغط المالي والاقتصادي الخارجي على لبنان هو لتضييق الخِناق على «حزب الله».

 

من أتى بحكومة دياب من القوى المحلية، حاصرها بخطوطِ حمرٍ تبدأ من وضع الفيتو على الإستعانة بصندوق النقد الدولي ووصفاته، ولا تنتهي بالفيتو على التشكيلات القضائية المستقلّة إلى الحدود الممكنة، على رغم خطورة الوضع، ومطالبة اللبنانيين والمجتمع الدولي بالإسراع في تنفيذِ إصلاحاتٍ جذرية وشاملة في البلاد.

 

ومن هو قادرٌ من القوى الخارجية على مساعدة لبنان، نأى بنفسه عن مساعدة حكومة دياب، لأنّه يعتبر أنّ المساهمة في إنقاذ لبنان، ضمن الواقع السياسي الحالي، وعدم توافر التوازنات الداخلية، ستؤدي الى انتعاش «حزب الله» بدل انكماشه.

 

لذلك، فإنّ الاميركيين والسعوديين والإماراتيين، لن يقدّموا أي دعم قبل التأكّد من التزام حكومة الرئيس دياب سياسة النأي بالنفس في المسائل الاقليمية، بالأفعال وليس بالأقوال، حتى لا تتكرّر السياسات السابقة بالسير عكس مواقف الدول العربية، التي لم تتأخّر يوماً في دعم لبنان.

 

ويذهب أحد الدبلوماسيين البارزين بوصف الحكومة بـ»حكومة اللجان»، استناداً إلى كثرة اللجان التي يؤلّفها دياب. ويقول، إنّه «من الطبيعي أن تتعرّض الدول إلى أزمات في مراحل معيّنة، ولكن يبادر الحكماء والمسؤولون إلى مصارحة الناس واتخاذ تدابير إنقاذية سريعاً. فأين هم الحكماء في لبنان؟ وهل من المعقول أن يُترك البلد والناس في هذا الضياع والتخبّط؟».

 

ويضيف الدبلوماسي، أنّ «الدول التي يمكن أن تساعد لبنان، مثل الولايات المتحدة الأميركية والسعودية والإمارات، مالياً واقتصادياً واستقراراً، يُصنّفها الفريق الراعي لحكومة دياب، وخصوصاً «حزب الله»، في خانة العدوّة. فهل تنتظرون أن تبادر هذه الدول إلى دعم وإنقاذ من يعاديه ويحاربه في كل الميادين الإقليمية والسياسية والأمنية؟».

 

من هنا، يتوقع العارفون أن تزيد واشنطن التضييق على طهران وحلفائها من خلال تشديد العقوبات، خصوصاً أنّ حسابات الانتخابات الرئاسية الأميركية دخلت بقوة على هذا الملف، وأن تواصل إسرائيل ضرباتها الجوية والصاروخية على الأهداف والمصالح الإيرانية في سوريا، وسط تفهّم روسي مبنيّ على مصالحها الحيوية في سوريا والمنطقة.

 

ولا يخفي العارفون وجود تنسيق أميركي - خليجي متواصل في أسلوب التعامل مع الأزمة اللبنانية، لا يتناغم مع الرغبة الفرنسية في إعادة الإستقرار المالي والاقتصادي والاجتماعي إلى لبنان. وبالتالي تبرزُ صعوبة تحقيق المبادرات الفرنسية، «لأنّ التحالف الاميركي - الخليجي - المصري مستعدٌ لمساعدة لبنان إذا قام بالإصلاحات أولاً، وليس مستعداً لتقديم أي دعم لحكومة يستفيد منها حلفاء إيران».

 

هكذا أصبحت حكومة دياب محاصرة بأجندة قوى الثامن من آذار من جهة، وأجندة القوى الاقليمية والدولية من جهة ثانية، ومن الأحزاب المُعارضة في هذه المرحلة، ومن الإنتفاضة الشعبية وغضب الناس.

 

أصبح صندوق النقد تفصيلاً في بلدٍ احتُجز شعبه في صناديق.