يلعب تحالف السلطة السياسية والمصارف بالمواطنين ومصير البلد، غير آبهين بدستور ولا قانون ولا حق ولا منطق ولا عدالة، وغير خائفين من ملاحقة ومحاسبة لا غداً ولا مستقبلاً.

 

بعض أهل السلطة السياسية يعتبر انّه أقوى من صدام حسين ومعمر القذافي وزين العابدين بن علي، معتقداً أنّه محميٌ بحزبه أو بمجموعات مسيّرة غرائزياً وطائفياً، ومستعدة دائماً للدفاع عنه مهما أخطأ أو أهمل أو ارتكب، وأنّ لا أحد يمكنه ان يطاله أو يحاسبه، وينسى أنّ صدام والقذافي وزين العابدين، كانت لديهم أيضاً سلطات ومخابرات وأموال وأحزاب ومجموعات موالية مسيّرة غرائزياً.

 

وبعض أهل المصارف لم يرف لهم جفن، بعدما نسفوا النظام المالي اللبناني الحرّ وفجّروا ثقة بُنيت على مدى ثمانين عاماً في ثمانية أيام، وأرعبوا المستثمرين العرب والأجانب وهدّدوا مصير بلد وشعب، بحجز أموال المودعين والتعامل معهم، وكأنّهم على طريق التصفية وليس على طريق إعادة الامور الى نصابها والحفاظ على مستقبل مع الزبائن.

 

ويخرج عليك من يُدلي بتصريح مضمونه، انّ «الودائع موجودة وستبقى موجودة ولا وجود لـ haircut». ماذا يعني انّها موجودة، والجميع يعلم انّ قسماً كبيراً منها لم يعد موجوداً؟ وهل يعني «ستبقى موجودة»، انّها ستبقى قيد الحجز التعسفي وغير القانوني على الورق في المصارف؟

 

ومن البديهي الّا يكون هناك haircut بطريقة قانونية وشفافة في الوقت الراهن، ما دامت غالبية المصارف تقبض على كامل أموال اللبنانيين وغير اللبنانيين من المودعين، ولا تُفرج حتى عن الفوائد او كامل الرواتب المحوّلة اليها، إضافة الى انّ هناك عمليات اقتطاع من الودائع تجري بشكل غير مباشر عبر سعر الصرف الرسمي غير الواقعي.

 

مخطئ من يبني حساباته على أنّه يستطيع الاقتطاع من أموال الناس في المصارف، سواء بطريقة قانونية أو غير قانونية. والناس التي صَبرت على المصارف وتفهّمت ضرورة التضييق على السحوبات كإجراء وقائي لعدم الإفلاس، لن تبقى مكبّلةً ومكتوفةً إذا جرى تحميلها أثمان السياسات الخاطئة التي اعتمدها تحالف السلطة السياسية والمصارف على مدى سنوات طويلة، وحينها ستنطلق الثورة الفعلية.

 

السلطات السياسية هي التي فاقمت الدين العام الى أرقام خيالية بلا أي روح مسؤولة. هي التي أهدرت المال العام في الكهرباء والمشاريع غير المجدية والصفقات والسمسرات والاحتكارات والامتيازات والمرافئ والمعابر والتوظيفات السياسية. وليس مسموحاً أن تهرب اليوم من مسؤولياتها وأن تلجأ الى تحميل المواطن الأثمان من رزقه وجنى عمره.

 

المصارف والبنك المركزي مسؤولان لأنّهما شاركا في تغطية العجز الناجم عن الفساد وهدر المال العام وسوء الادارة السياسية والصفقات والسمسرات، ولأنّهما هما اختارا تمويل العجز من أموال الناس دون مراجعتهم.

 

فليس مسموحاً ولا مقبولاً أن تراكم المصارف ما راكمته من أرباح خيالية خلال سنوات من المقامرة والمغامرة، وتهرب اليوم من تحمّل مسؤولية رهاناتها، فتهرّب أرباحها بالمليارات وتتواطأ مع أهل السياسة على تدفيع المواطن الثمن، من خلال مناورات ليس أقلّها، إرغام الناس على صرف ودائعهم بالدولار الى الليرة اللبنانية بالسعر الرسمي الوهمي.

 

مخطئ من يبني حساباته على انّ الحراك الشعبي انتهى، ومخطئ من يعتقد انّه يستطيع أن يفعل بالناس والبلد ما شاء الى ما شاء الله، ومخطئ من يظن أنّ الثورة لن تشتعل إذا تمادوا في قهر الناس والاستهتار بحقوقهم وقدسية العدالة والحرّية.