كل الدولة من رأسها الى اخمص قدميها منهمكة حتى العظم في ورشة الانقاذ المفترض ان تقي لبنان شر الانهيار وتلطيخ سمعته في العالم. الاجتماعات المكوكية لا تتوقف. اللجان تتشكل. الوفود الاستشارية تصل وتغادر بعد تقديم االمشورة من ذوي الخبرة في ميادين الانقاذ. اليوروبوند وسنداته، مالئ الدنيا وشاغل الناس، ولكن...
 
 
في المقلب الآخر من الوطن المصاب بداء النهب والفساد والسرقة والتلوث الاخلاقي، شعب لا يأبه لليوروبوند ولا لتسديده او تقسيطه او اعادة جدولة الديون. شعب فقير او مُفقَر عنوة بفعل سياسات قادته والمسؤولين عن ادارة شؤونه، شعب يقبع 300 الف من ابنائه في قعر البطالة بفعل الازمة اضافة الى الكثيرين من العاطلين عن العمل لندرة الوظائف اساساً، شعب سُدت في وجهه سبل العيش ما دفع بعض ابنائه الى الانتحار لعجزهم عن تسديد ابسط الحاجيات اليومية لعائلاتهم. هذا الشعب، ينتظر من حكومة "مواجهة التحديات" ان تحد من انهيار احواله لأنه قد لا يتمكن من الصمود الى حين تتفرغ الدولة من ارساء الحلول لسنداتها واستحقاقاتها وتُنبِت من برها او بحرها نفطاً يعد المسؤولون بأنه سينقلهم الى حياة الرخاء.
 
تقول مصادر سياسية معارضة لـ"المركزية" ان واجب الحكومة، في موازاة واجبها الانقاذي للدولة، الالتفات لشؤون هذا الشعب واوجاعه وصرخاته، فتعمد الى انشاء لجنة طوارئ للشؤون الاجتماعية على غرار اللجان المالية والاقتصادية التي تشكلها، تنظر في احوال من تنطبق عليهم صفة "المعدمين" من الشعب، مصدر السلطات المفترض ان الحكومة في خدمته لا في خدمة السلطة. هذه الطبقة، تضيف المصادر، ترتفع اعدادها باضطراد وبشكل صاروخي ما ينذر بانفجار اجتماعي يصعب احتواؤه، وآنذاك تصبح كل المعالجات والاجتماعات والاستعانات والاجراءات الاصلاحية من دون جدوى، لان بحر الشعب الهائج قد يجرف السلطة ومن فيها ويقطع كل الدروب الانقاذية.
 
وتشير المصادر في السياق، الى ان ما يتم تداوله من اجراءات موجعة قد تعمد اليها الحكومة لمنع افلاس الدولة من فرض ضرائب ورسوم اضافية قد يشكل الشعرة التي تقصم ظهر البعير والنقطة التي يفيض بها كأس الشعب المحتقن، وهذه المرة، ستكون الانتفاضة حكماً اكثر وقعاً وقساوة من ضريبة "الواتساب" التي فجّرت ثورة 17 تشرين.
 
تبعا لذلك، تلفت المصادر الى ضرورة تنبّه الحكومة للمسألة وعدم حصر اهتمامها، على اهمية الملفات الخطيرة التي تعالجها، بالاستحقاقات المالية وترك اللبنانيين يتخبطون في فقرهم وعوزهم، خصوصا في ضوء ارتفاع اسعار المواد الاستهلاكية في شكل جنوني من دون حسيب او رقيب، حيث زادت اسعار بعض هذه المواد اضعافا مضاعفة، طاولت سلعا اساسية من بينها حليب الاطفال الرضّع. وتشير الى ان من لم يلتحقوا بالثورة في انطلاقتها الاولى قد يلتحقون بها هذه المرة ، لا سيما من كانوا في 17 تشرين ما يزالون في وظائفهم وفقدوها اليوم او من اقفلوا مؤسساتهم واعدادهم بالمئات لا بل الالاف. فكرة نار الانتفاضة الشعبية تتضخم مع كل يوم يمر من دون معالجات جذرية للواقع الاحتماعي القاتل، وموجة الاحتجاجات المتنقلة امام الوزارات والمؤسسات المسؤولة عن الفساد والهدر قد تنتقل الى المواقع الرئاسية لتطيح ما تبقى من دولة السمسرات والصفقات على حساب الشعب.