ماذا لو لم تقرّ الموازنة؟ سؤال كبير ليس بمعناه بل بتداعياته، في وقت تحاول السلطة سرقة الوقت لحاجتها الماسّة إليه في أدق مرحلة يمر بها لبنان منذ مئة عام. فهل يُرجئ رئيس مجلس النواب نبيه بري جلسة إقرار الموازنة بسبب عقبات مهمة، ويكتفي بجلسة الثقة بالحكومة؟
 

تحاول الحكومة سرقة الوقت مُنكبّة على إعداد بيانها الوزاري للمثول لاحقاً امام المجلس النيابي لنيل الثقة، ومن ثم الانكباب على مناقشة فذلكة الموازنة لإقرارها تجنّباً للانفاق على القاعدة الاثني عشرية. الّا انّ ما فات الحكومة «المبتدئة سياسياً» والضليعة في «الاختصاص» انّ معنى كلمة «فذلكة الموازنة» هو عملياً «فلسفة الموازنة»، وأنّ راعي هذه الموازنة هي الحكومة التي أسقطها الشعب، أي انّ هذه الموازنة تشكل رؤية الحكومة المستقيلة ولا تصلح إحالتها الى الحكومة الجديدة، والتي من المفترض ان تكون متخصصة مستقلة، والأهم من التخصص والاستقلالية ان تكون لها رؤيتها لموازنتها الخاصة بحيث انّ من المفترض ان يكون لكل حكومة رؤية اقتصادية خاصة لموازنتها.

 

وانطلاقاً من هذا المبدأ، يلفت خبراء دستوريون الى عقبات عدة تحول دون إقرار موازنة 2020، وأبرزها:

 

1- قطع الحساب: حتى الآن لم يتأمّن قطع الحساب، والسؤال لماذا وما هو السر الذي يمنع ديوان المحاسبة من إصدار قطع الحساب؟ أي اننا اليوم سنشهد موازنة 2020 بلا قطع حساب، وهذا الامر غير مبرر لأنه سابقاً، وتحديداً في موازنة 2019، كان المخرج تعهد الحكومة بالانتهاء من قطع الحساب خلال 6 اشهر، ولكن مرّت الاشهر الستة ولم نشهد قطع حساب. والسؤال: الى أين نحن ذاهبون؟ فهل الاتجاه هو الى إقرار موازنة اضافية للمرة الثالثة على التوالي من دون قطع حساب؟

 

هذا هو الامر الاساسي الذي لم يشر إليه اي مكوّن سياسي حتى الساعة.

 

2- عدم تناسب أرقام الموازنة مع الارقام الحالية: وذلك لأنّ الموازنة تم تحضيرها في ايلول وتشرين الاول من العام الماضي، أي عندما كان هناك أمل في ارتفاع نسبة الواردات التي ستدخل الى موازنة الدولة. لكنّ ثورة 17 تشرين الأول أدّت الى تهاوي الايرادات بنحو دراماتيكي، ولم يعد ممكناً الحديث عن عجز بنسبة 0% في مالية الدولة، لأنّ العجز اليوم يتجاوز الـ 12% وذلك بعد انخفاض الايرادات بنحو مخيف، في وقت ما زالت المصاريف كما كانت في السابق، وهذه المستجدات تستوجب إعادة قراءة للموازنة وليس فقط بسبب انخفاض الواردات، بل أيضاً بسبب نقطة مهمة وأساسية، هي:

 

كيف تقرّ موازنة من دون ان يكون للحكومة الحالية دور فيها، بمعنى انّ الحكومة الحالية يتم إجبارها على الالتزام بأرقام قد لا تؤيّدها، اي انّ فذلكة الموازنة وفلسفتها هي الرؤية الحكومية للموازنة على الصعيد الاقتصادي، فإذا كانت هذه الحكومة خبيرة في الشؤون الاقتصادية بغالبيتها، واذا كانت قد تشكّلت على هذا الاساس في الأصل، وليس على اساس الاولوية السياسية، فيجب ان يكون لهذه الحكومة رؤيتها الاقتصادية الحكومية الخاصة بها، أي فذلكتها الخاصة بها، وألّا تكون مقيّدة بأرقام موازنة الحكومة التي سبقتها وأسقطها الشارع. والسؤال المشروع كيف ستنفّذ الحكومة الانقاذية رؤية حكومة فاشلة أسقطتها الثورة والانتفاضة؟

 

3- معادلة عدم إقرار الموازنة تُنذر بعواقب وتداعيات، لذلك من الأنسَب وفق الخبراء الدستوريين أن يتّجه رئيس مجلس النواب الى دعوة الهيئة العامة لطرح الثقة في الحكومة فقط، وتأجيل جلسة إقرار الموازنة وإعطاء مهلة مقبولة للحكومة الجديدة لدرسها وتعديلها بما يتقارب مع رؤيتها الاقتصادية الخاصة وليس إقرارها كما هي، حتى ولو تأخّرت.

 

أمّا عملية قطع الحساب، فقد رأى الخبراء الاقتصاديون انها الأهم، لأنه عملياً لا يمكن لأي حكومة إقرار الموازنة ما لم يتم قطع الحساب عن السنة التي سبقتها. أي نحن اليوم في 2020 يلزمنا قطع حساب عن العام 2018 لأنها سبقت الـ2019 والتي مرّ عليها مدة 6 أشهر ولم يتمكّن ديوان المحاسبة من إنجاز قطع الحساب الذي وُعد اللبنانيون به.

 

وبالتالي السؤال المطروح، هل انّ قطع الحساب سيشكّل زلزالاً مالياً وهذا هو سبب عدم نشره، أو عدم التصديق عليه حتى الساعة؟ وهل هناك تَقصّد لعدم نشره في مجلس النواب؟ وهل نحن أمام مشكلة كبيرة أم أمام زلزال كبير يؤدي الى تغيير في المقاييس وتبديل في الاحجام؟ أم هل هو عظيم ما يخفيه قطع الحساب؟