وكأنّما كانوا يماطلون تعجيزاً بتأليف الحكومة في انتظار حدَثٍ يحقّق رغباتهم المستنفرة، على أنهم القدَرُ الدائم للفريق الحاكم.

 

وكأنّهم يتلقَّـفون الحدثَ الإقليمي الرهيب باغتيال قائدِ فيْلقِ القدس في الحرس الثوري الإيراني، على أنه انقلاب على الساحات الشعبية الثائرة، يشدُّ عصَبَ الشعبِ حول النظام، ليشدَّ النظامُ عصَبهُ حول أعناق الشعب... مصائبُ قـومٍ عند قـومٍ فوائدُ.

 

بذريعة أنَّ المرحلة الخطيرة تستوجب حكومة سياسيةً أو تكنو- سياسية، راحوا يتبرَّأون ممّا وعدوا، والوعدُ عند غير الحرّ لا يُـشبهُ الدَيْن.

 

عن أيّ حكومة يتكلمون وقد ملَلّنا التسميات الفارغة: من حكومة الوحدة الوطنية، الى حكومة الوفاق، الى حكومة استعادة الثقة، الى حكومة العمل، وكل هذه الحكومات هي التي تسبَّبت بالويلات، وكيف تنجح حكومة لمِّ الشمل؟ ما دام الشملُ عند فريقٍ واحد غيـرَ ملموم... مع العلم أن الملموم في القاموس هو الذي يصيبه طرفٌ من الجنون.

 

يريدون حكومة في مستوى المرحلة لأن في الأفق ملامح خطر، وفي أي مرحلة كانت الحكومة هي التي تحكم في معزل عـن الصقور الرابضة في أوكارها؟ وماذا يمنع من أن تحلّق الصقور في الأجواء لرصد المخاطر من فوق، بدلاً من رصد الصفقات من تحت الوزارات، والصفقات بعد النهب أصبحت كالعظام الرميم.

 

ولكن... ماذا عن الأزمة الإقتصادية المالية المصرفية المعيشية الخانقة، فهل تتدواى بمَنْ كانوا هُـم الداء..؟

 

إذا كان الإنسان يعاني مصيراً قاتماً الى حدّ الخطر الوجودي يصبح كل جهده محصوراً بتأمين بقائه، ويصبح قطعُ الطرقِ عنده بديلاً من قطع الأرزاق وقطعُ الأرزاق شبيهاً بقطع الأعناق.

 

وعندما يكون المرض بلا علاج، والشيخوخة بلا مأوى، واليوم بلا غـد، والمستقبل بلا أفـق، والنهار بلا أمل، والليل بلا ضوء، والمائدة بلا خبز، فإن هذا الإنسان ينكمش بالغريزة التي فيه فتُخرجه من إنسانيتهِ الواعية الى وحشيـةٍ كاسرة.

 

أنْ يتوصّل الإنسان بسبب البؤس والحرمان وضائقة العيش إلى أن يحرق نفسه بالنار فلا يتورع من أن يطلق النار على غيره، ومن يقتل نفسه بالإنتحار، فلن يتورع عن قتل غيره بالإغتيال لإشباع نزعة الحرمان فيه.

 

الجوع الكافر، يجعل الجائع كافراً سياسياً وملحداً إيمانياً وثائراً إنسانياً، ويصبح الخبز عنده ـ حسب النظرية الماركسية - هو المطلق الأسمى، ويصبح إلهُهُ الأول هو الذي يعطيه الخبز.

 

العالم المتحضّر يكاد يتسلّق الى القمر على الدراجات الهوائية، ونحن في التخلّف الذي أوصلونا إليه، نكاد نلْهثُ خلف الرغيف في دولة الفساد وفي الوطن الضائع والمستقبل الغامض، ونخشى مع هذه الغيبوبة من المسؤولية ألاّ نستطيع أن ننقذ أنفسنا إلاّ بمسدّس ذي فـوَّهتين: فوهةٍ موجّهة الى صدر مَـنْ يحملهُ، وفـوَّهةٍ موجهةٍ إلى من يحمله على الموت.