بمقتل قائد "فيلق القدس" الإيراني، قاسم سليماني، في غارة أمريكية بالعاصمة العراقية بغداد، الجمعة الماضي، تتعزز احتمالات المواجهة المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران، التي توعدت هي وجماعات إقليمية موالية لها بالانتقام من واشنطن، وإنهاء وجودها العسكري في المنطقة.
 
العلاقات الهشة بين البلدين شهدت هدوءًا نسبيًا خلال فترة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما (2009 - 2017)، ليعود التوتر المتصاعد إليها مع وصول خلفه دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في 2017.
 
بدأ تصاعد التوتر بإعلان ترامب، المعروف بمعاداته لطهران، انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي المبرم في يوليو/تموز 2015، بين إيران والدول دائمة العضوية بمجلس الأمن الدولي (الولايات المتحدة، بريطانيا، الصين، فرنسا وروسيا) إضافةً إلى ألمانيا.
 
ولم يكتف ترامب في مايو/أيار 2018، بالانسحاب من الاتفاق، إذ أعلن إعادة العمل بـ"أعلى مستوى" من العقوبات الأمريكية المرتبطة ببرنامج إيران النووي، التي تقول واشنطن إنه يستهدف إنتاج أسلحة نووية، بينما تقول طهران إنه سلمي لأغراض مدنية.
 
وطالب وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، طهران بوقف أنشطتها للتسلح النووي، ووقف دعمها لـ"المجموعات الإرهابية" في منطقة الشرق الأوسط، متوعدًا إياها بـ"فرض أقسى عقوبات في التاريخ"، ما لم تقم بذلك.
 
واقترح بومبيو توقيع اتفاقية جديدة مع طهران، تتضمن 12 شرطًا، ثم أعلن لاحقًا استعداد واشنطن لمباحثات دون شروط مسبقة.
 
ردًا على عرض بومبيو، قال الرئيس الإيراني حسن روحاني: "نجلس على طاولة المباحثات عندما نتأكد من إدراك العدو بشكل قاطع بأنه على الطريق الخاطئ."
 
الحزمة الأولى من العقوبات الأمريكية على إيران دخلت حيذ التنفيذ في 7 أغسطس/آب الماضي، إذ حظرت واشنطن شراء طهران لعملة الدولار، وتجارتها بالذهب والمعادن الثمينة الأخرى.
 
وفي نوفمبر/كانون ثانٍ 2019، فرضت واشنطن الحزمة الثانية، لتصفير صادرات طهران النفطية.
 
من جهتها، خاطبت إيران البلدان الأوروبية (أطراف الاتفاق) وأبلغتها أنها ستواصل التزاماتها بموجب الاتفاق، إذا حمت تلك الدول حقوق طهران النابعة من الاتفاق.
 
** "الحرس الثوري" بقوائم الإرهاب
 
بحلول 8 أبريل/نيسان 2019، أعلن ترامب تصنيف "الحرس الثوري الإيراني" وهو جزء من جيش الجمهورية الإسلامية، على أنه "منظمة إرهابية أجنبية".
 
وهو ما رد عليه المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، بإدراج القيادة المركزية الأمريكية "سنتكوم" ضمن لائحة التنظيمات الإرهابية.
 
** حاملة طائرات إلى الخليج
 
في 5 مايو 2019، أعلن مستشار الأمن القومي الأمريكي آنذاك، جون بولتون، إرسال حاملة الطائرات "أبراهام لينكولن"، وقاذفات استراتيجية، إلى منطقة الخليج العربي، لـ"إرسال رسالة جلية إلى النظام الإيراني."
 
** إيران تجمد جزءًا من التزاماتها
 
في 8 مايو 2019، أعلنت طهران تخليها عن جزء من التزاماتها المتعلقة بالاتفاق النووي، وأمهلت بقية أطرافه 60 يومًا، لاتخاذ تدابير تحمي مصالحها في ظل العقوبات الأمريكية.
 
وفي اليوم ذاته، وقّع ترامب قرارًا رئاسيًا بفرض عقوبات على قطاعات الحديد والصلب والنحاس والألومنيوم الإيرانية.
 
** استهداف حاملات نفط
 
المحاولات الأمريكية لعرقلة بيع طهران للنفط، وهو من أهم موارد دخلها، قوبلت بإشهار إيران ورقة مضيق هرمز.
 
وقال روحاني إنه لن يستطيع أحد تصدير النفط من منطقة الخليج، ما لم تتمكن إيران من تصدير نفطها؛ مما أثار مخاوف من إغلاق طهران للمضيق.
 
ووصل رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، إلى العاصمة طهران، في 13 يونيو/حزيران 2019، محاولًا لعب دور الوسيط لتخفيف حدة التوتر بين طهران وواشنطن.
 
لكن خلال لقاء "آبي" بالمرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، تعرضت ناقلتي نفط كانتا تنقلان حمولتهما إلى اليابان، لانفجارات في مياه خليج عمان.
 
طهران، وفي معرض تعليقها على الهجوم، اتهمت واشنطن بانتهاج "دبلوماسية التخريب"، فيما أعلنت الأخيرة أن الهجوم نُفّذ بألغام، متهمة إيران بالوقوف ورائه، وهو ما نفته طهران.
 
** إسقاط طائرة مسيرة أمريكية
 
في 20 يونيو 2019، أعلنت القوات الجوية التابعة للحرس الثوري إسقاط طائرة مسيرة من طراز "غلوبال هوك" تابعة للجوية الأمريكية؛ ما أثار مخاوف من اندلاع مواجهة مباشرة.
 
وقالت طهران إن الطائرة الأمريكية كانت تحلق فوق ساحل مدينة كوه مبارك بولاية هرمزغان، على خليج عُمان، بينما أعلنت "سنتكوم" أن الطائرة استُهدفت خلال تحليقها في الأجواء الدولية فوق مضيق هرمز.
 
وترأس ترامب اجتماعًا أمنيًا طارئًا في البيت الأبيض، لبحث كيفية الرد على إسقاط الطائرة، ليعلن بعدها أنه تراجع عن قرار توجيه ضربات إلى إيران، قبل تنفيذها بـعشر دقائق، "حفاظًا على أرواح المدنيين."
 
وردت واشنطن، في 23 يونيو/حزيران الماضي، على إسقاط الطائرة، بشن هجمات سيبرانية (إلكترونية) على الأنظمة العسكرية الإيرانية.
 
** عقوبات على خامنئي وظريف
 
في 24 يونيو 2019، أعلنت واشنطن فرضها عقوبات جديدة على طهران، تشمل خامنئي، ووزير خارجيتها، محمد جواد ظريف.
 
وعقب احتجاز الأسطول البريطاني ناقلة نفط إيرانية في مضيق جبل طارق في 4 يوليو/تموز الماضي، احتجزت طهران ناقلة نفط بريطانية بالخليج العربي، في 19 من الشهر ذاته.
 
لاحقًا، انخفضت حدة التوتر لفترة قليلة، مع امتناع واشنطن عن الرد على إسقاط طهران للطائرة، وإفراج لندن عن الناقلة الإيرانية، التي كانت تتهمها بخرق العقوبات.
 
هذه التطورات دفعت دولة الإمارات إلى مراجعة علاقاتها مع إيران، وأعلنت توقيعها اتفاقية مع طهران حول الأمن البحري، وانسحابها من التحالف العسكري العربي ضد جماعة "الحوثي" المدعومة من إيران في اليمن، ما اعتبره مراقبون ضربة للسعودية، قائدة التحالف.
 
توقع البعض احتمال تحسن العلاقات الأمريكية الإيرانية، ولو قليلًا، إثر عزل ترامب، في سبتمبر/أيلول 2019، لمستشاره بولتون، المعروف بمواقفه المعادية لطهران.
 
وفي 14 سبتمبر/أيلول الماضي، تعرضت منشأتين نفطيتين تابعتين لشركة "أرامكو" السعودية، لهجوم بطائرات مسيرة تبنته جماعة الحوثي؛ ما أدى إلى تصاعد التوتر مجددًا بين طهران وواشنطن. واتهمت واشنطن طهران بالوقوف خلف الهجوم، ما نفته الأخيرة.
 
** استهداف "الحشد" واقتحام السفارة
 
تعرضت قاعدة "K1" العسكرية الأمريكية، في محافظة كركوك شمالي العراق، في ديسمبر/كانون أول 2019، لهجوم قالت واشنطن إن الميليشيات الشيعية، المدعومة إيرانيًا تقف وراءه، وهو ما نفته الأخيرة.
 
وردّت واشنطن، في 29 من الشهر ذاته على الهجوم بضرب مواقع لكتائب "حزب الله"، التابعة لـ"الحشد الشعبي" العراقي المدعوم إيرانيًا، في الجارتين سوريا والعراق؛ ما أسقط 25 قتيلًا و51 جريحًا.
 
بعد يومين، اقتحمت ميليشيات شيعية حرم مبنى السفارة الأمريكية، في المنطقة الخضراء شديدة التحصين ببغداد.
 
واللافت، أن مقتحمين كتبوا على أحد جدران السفارة "سليماني قائدي".
 
** مقتل سليماني في غارة أمريكية
 
فجر الجمعة، قتلت واشنطن قائد "فيلق القدس"، في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، ونائب رئيس هيئة "الحشد الشعبي" أبو مهدي المهندس، وعشرة أشخاص آخرين، عبر غارة أمريكية استهدفت موكب سيارات على طريق مطار بغداد.
 
عقب الهجوم، توعّد مسؤولون إيرانيون رفيعو المستوى، على رأسهم خامنئي، بالانتقام من واشنطن.
 
وهو ما رد عليه ترامب بالتهديد بضرب 52 موقعًا إيرانيًا، بعضها على مستوى عال جدًا، إذا شنت طهران هجمات، ردًا على مقتل سليماني.
 
ويقضي هذا الوعيد المتبادل، في حال تنفيذه، على إمكانية استئناف المباحثات بين طهران وواشنطن، ويعزز من احتمالات الانزلاق إلى مواجهة مباشرة بينهما.