لو أردت أن تستدلّ على استفحال الأزمة المالية والاقتصادية الحرجة التي تعانيها البلاد هذه الأيام وضيق حلقاتها، وبلوغها مهاوي الانهيار والاضمحلال والفوضى،يكفيك أن تطالع وجوه المدافعين عن تيار المقاومة والممانعة، وهم يتزاحمون على شاشات التلفزة والاعلام، ليقدّموا تحليلات سياسية ركيكة، وترهات وتفاهات وآراء ما أنزل الله بها من سلطان،  من شيمهم اصطفاء اللئام، والتحامل على الكرام، همتهم رفع الخامل الوضيع، ووضع الفاضل الرفيع، لم يمسس الحياء وجوههم، حتى ليربأ المرء على نفسه بأن يذكرهم بأفرادهم وأسمائهم، لأنهم لا يحصون عددا، ظاهرهم يسرّ الناظرين، وباطنهم يسوء العارفين، والعجب العجاب أنّ تلك الشاشات الفضائية تتسابق على استضافتهم وتقديمهم، وتغدق عليهم الألقاب، لعلّ أدناها رتبة هي "الأستاذ"، وتطلقها على من لا يحمل شهادة متوسطة، علماً أنّ من يحمل شهادة دكتوراه ويقوم بمهام التدريس في جامعة معروفة، لا يُرفّع إلى رتبة أستاذ قبل أن يمضي أعواماً في التدريس والبحث العلمي، والتدرّج من محاضر إلى رتبة أستاذ مساعد إلى أستاذ بعد الجهد والبلاء، أمّا لقب معالي الوزير وسعادة النائب وسيادة العميد، فهي الأنشودة الرائعة التي لا يملّ مقدمو البرامج الحوارية على تردادها طوال الوقت، هذا في حين أنّ من لا ينطقون عن الهوى، ولا يتمادون في غيّهم، وهم أصحاب الكفاءات الوطنية والحسب والأدب والعلوم، ولهم الباع الطويل في السياسة والإجتماع والانتروبولوجيا، لا سبيل لهم إلى دخول دار الفضائيات و القنوات ودوس أعتابها، ذلك أنّهم ليسوا بمدّاحين ولا مُضلّلين، ولا دعاة فجارٍ ولا ضرار، يتحفّظون من كلٍ دجلٍ ومراءٍ وغُلوّ.


يبقى أنّ المضحك المبكي أنّ عدداً لا يستهان به من بعض مداحي الممانعة وخُدّامها إعلاميّاً، غالباً ما يتبرئون من ماضيهم "النضالي، ولعلّ أبرزهم الوزير السابق وئام وهاب بعد مغادرته الحزب التقدمي الاشتراكي، وجوزف أبو فاضل بعد مغادرته صفوف القوات اللبنانية، وابراهيم الأمين رئيس تحرير صحيفة الأخبار، بعد خلعه الثوب الشيوعي، وارتدائه جلباب ولاية الفقيه، وآخرهم غسان جواد الذي كان قد ابتدأ مقارعته لحزب الله مع الإنتماء اللبناني، ليتنصّل أخيراً من الإنتماء وينقلب للمنافحة عن حزب الله، ولعلّ أبلغ مثالٍ لهؤلاء "المُتحوّلين" من حالٍ إلى حال، تلك الحكاية المعروفة عن الإمام أبي حنيفة( أبو حنيفة النعمان، أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة)، الذي كان يُشاربُ حمّاد عجرد وينادمه، فنسَك أبو حنيفة وأقام حماد في الغيّ، فبلغهُ أنّ أبا حنيفة يذمّهُ ويعيبه،  فكتب إليه حماد:


إن كان نُسكُكَ لا يتِمُّ


بغير شتمي وانتقاصي 


فاقعد وقُم بي كيف شئت 


مع الأداني والأقاصي 


فلطالما زكّيتني 


وأنا المقيم على المعاصي 


أ يّام تُعطيني وتأخذُ في أباريق الرصاصِ.