حكومة الوفاق تسعى إلى استرضاء فرنسا من أجل استفزاز إيطاليا وإقحامها في الصراع الليبي.
 
استغلت حكومة “الوفاق” الواجهة السياسية للإسلاميين، تصريحات للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قال خلالها إن حكومة طرابلس أسيرة الميليشيات وهو الأمر الذي سبق لوزير الداخلية فتحي باش آغا أن اعترف به في أكثر من مرة، لافتعال أزمة مع مصر في خطوة تهدف أساسا إلى تبرير التدخل العسكري التركي في ليبيا.
 
ورغم أن تصريحات السيسي كانت واضحة حيث أكد عدم وجود نية لدى بلاده للتدخل عسكريا في ليبيا إلا أن المجلس الرئاسي تعمد تحريف تلك التصريحات واتهامه بالتلويح بإرسال قوات مصرية إلى البلاد، في وقت تزايدت فيه التوقعات بقرب وصول قوات تركية للقتال إلى جانب الميليشيات في طرابلس.
 
وكان الرئيس المصري قال في تصريحات في قمة الشباب بشرم الشيخ الأحد “كان أولى بنا التدخل المباشر في ليبيا، ولدينا القدرة على ذلك، ولكننا لم نفعل، لأن الشعب الليبي لن ينسى التدخل بشكل مباشر في أمنه”.
 
وأعربت حكومة الوفاق في بيان نشرته، الاثنين، دون توقيع من رئيسها فايز السراج، عن استغرابها الشديد من تصريحات الرئيس المصري حول ما وصفه بـ“غياب الإدارة الحرة لحكومة الوفاق الوطني ووقوعها أسيرة للتشكيلات المسلحة والإرهابية والتلويح بالتدخل المباشر”.
 

وأكدت “شرعيتها ومشروعيتها في أداء عملها واستقلالها وبسط سلطتها على كافة المؤسسات، وأنهم واجهوا الإرهاب في سرت وقضوا على داعش في زمن قياسي”، في محاولة للتملص من اتهامات تواجهها بدعم الإرهاب الذي تحصره في تنظيم داعش، متجاهلة بقية التنظيمات الأخرى المصنفة دوليا على لائحة الإرهاب كتنظيمي القاعدة وأنصار الشريعة والتي تتواتر الأنباء عن قتال عناصر منها إلى جانبها.

وقال مراقبون إن تصريحات السيسي لم تأت بالجديد ولم تعكس تبدلا في الموقف المصري الذي لطالما اعتبر أن طرابلس واقعة تحت سيطرة الميليشيات وأن معركة الجيش بقيادة المشير خليفة حفتر على الفوضى والإرهاب مشروعة، وهو ما يؤكد أن حكومة السراج ومن خلفها الإسلاميون، تتعمد افتعال أزمة مع مصر كانت قد بدأتها ميليشياتها الإلكترونية منذ فترة لتبرير التدخل التركي.

وكثفت صفحات ليبية على مواقع التواصل الاجتماعي، محسوبة على الإسلاميين، منذ الأسبوع الماضي الحديث عن التدخل المصري حيث تم تداول صور لجنود من الجيش الليبي والإيهام بأنهم مصريون، كما تحدثت تلك الصفحات عن تنفيذ طيران مصري لضربات استهدفت الكلية الجوية في مصراتة وهي نفس الضربات التي تبناها سلاح الجو التابع للقيادة العامة للجيش الليبي.

وكان المشير خليفة حفتر أطلق الأسبوع الماضي إشارة الهجوم الحاسم للسيطرة على طرابلس بعد نحو تسعة أشهر من بدء عملية تحرير العاصمة من الميليشيات والمجموعات الإرهابية، وهي الخطوة التي جاءت حسب رئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح، استباقا لتدخل تركي لوح به الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من شأنه تغيير موازين القوى لصالح الميليشيات التي تقهقرت بعد أشهر من المعارك.

ويندرج استقدام قوات تركية إلى ليبيا في إطار مذكرة التفاهم الأمنية والعسكرية التي وقعها السراج مع أردوغان الشهر الماضي وتم تحويلها، السبت، إلى البرلمان التركي للتصويت عليها. ومن المتوقع أن تبدأ تركيا تطبيق بنود مذكرة التفاهم بمجرد مصادقة البرلمان عليها.

وقال الرئيس التركي إن الاتفاقيات الموقعة بين ليبيا وتركيا “تضمن حماية حقوق البلدين” في البحر المتوسط، مشددا على أن الخطوات التي تتخذها أنقرة “تزعج الأطراف التي تحاول تقاسم شرق المتوسط متجاهلة القانون الدولي وحقوق تركيا”.

وحول لقائه رئيس الحكومة الليبية فايز السراج في إسطنبول، الأحد، قال أردوغان إنه جرى بمشاركة وزير الدفاع خلوصي أكار، وتناول مستجدات الأوضاع في ليبيا.

وتنص الاتفاقية التي أرسلت إلى النواب الأتراك على أن طرابلس قد تطلب مركبات وعتادا وأسلحة لاستخدامها في العمليات البرية والبحرية والجوية. وتنص أيضا على تبادل جديد لمعلومات المخابرات.

وانخرطت تركيا في الصراع الليبي مبكرا حيث سبق أن صادرت اليونان خلال السنوات الماضية شحنات أسلحة على متن سفن قادمة من تركيا كانت متجهة إلى ليبيا، لكن هذا الدعم خرج إلى العلن في مايو الماضي عندما أكد أردوغان استعداده لمساعدة الميليشيات في التصدي للجيش.

وحطت طائرة تركية مسيرة مسلحة، الاثنين، في شمال قبرص حيث ستتمركز في أجواء من التوتر الشديد بين تركيا ودول أخرى في شرق المتوسط حول استغلال محروقات.

وذكرت مراسلة لوكالة الصحافة في المكان أن الطائرة المسيرة وهي من نوع “بيرقدار تي.بي 2” حطت في مطار غجيت قلعة في منطقة فاماغوستا بشرق الجزيرة المقسومة.

وأرسلت تركيا أسلحة ومدرعات وطائرات دون طيار إلى حكومة الوفاق. وأعلن الجيش في أكثر من مناسبة تدميره لمخازن أسلحة وطائرات دون طيار تركية في مطاري معيتيقة ومصراتة.

لكن مصادر عسكرية قالت لـ”العرب” إن الاستنفار الأمني من مدينة مصراتة لطرابلس جاء بعد وصول شحنات جديدة من الأسلحة والمعدات التركية. وتحدثت صفحات تابعة للإسلاميين عن إرسال المدينة، التي تقود معركة التصدي لدخول الجيش إلى العاصمة، أرتالا مسلحة إلى طرابلس.

ومن المتوقع أن يؤجج التدخل العسكري التركي الصراع الإقليمي والدولي على ليبيا، في حين تنتهج حكومة الوفاق سياسة التفريط في الثروات والسيادة الليبية لاسترضاء الدول الفاعلة في الملف الليبي، في سبيل البقاء في الحكم.

وتبدو إيطاليا أكبر الخاسرين من التطورات الأخيرة لاسيما بعدما باعت مؤسسة النفط الموالية لحكومة الوفاق 16 بالمئة من حصة شركة الواحة النفطية لصالح شركة “توتال” وسط أنباء عن طرح المؤسسة عطاءات للشركات الفرنسية في فبراير المقبل.

وفي محاولة للتقليل من الغضب الأوروبي بشأن اتفاقيتها مع تركيا لترسيم الحدود البحرية، أعلنت حكومة الوفاق أن الأولوية ستكون لشركة توتال في المجال الاقتصادي الجديد، باعتبار أن “إيني” الإيطالية سبق أن وقعت مع إسرائيل ومصر وقبرص واليونان عقدا قبل اتفاق السراج وأردوغان.


واستفزت هذه التطورات إيطاليا التي تحاول استعادة زمام المبادرة في ليبيا من خلال زيارة محتملة لوزير الخارجية لويجي دي مايو إلى طرابلس وبنغازي هذا الأسبوع، في ظل أنباء عن غضب في غرب ليبيا من موقف إيطاليا من الحرب الحالية.

ويبدو أن حكومة الوفاق تحاول استفزاز روما للانخراط بشكل أكبر في المعركة. وكانت قوات الجيش أسقطت في نوفمبر الماضي طائرة إيطالية مسيرة كانت تحلق فوق مدينة ترهونة لكن إيطاليا نفت أن تكون الطائرة في مهمة قتالية ضد الجيش.

وبات خيار التدخلات العسكرية الخارجية التي تقوم بها حكومة أردوغان يثير غضبا في الداخل التركي بسبب تأثير تلك التدخلات، والرفض الدولي لها، على الاقتصاد التركي الذي يعيش وضعا صعبا بسبب أزمات مع دول مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول الخليج.

وقال أوتكو جاكيروزر، وهو نائب عن حزب الشعب الجمهوري المعارض وعضو في الجمعية البرلمانية لحلف شمال الأطلسي، إن حديث أردوغان عن إمكانية إرسال قوات والانحياز إلى طرف دون آخر في الصراع الليبي “يثير القلق”.

وأضاف “ينبغي ألا تدخل تركيا في مغامرة جديدة. يتعين على حكومة العدالة والتنمية التوقف فورا عن أن تكون طرفا في الحرب في ليبيا”.