توقفت أوساط سياسية لبنانية عند أهمّية نص البرقية القصيرة التي أرسلها الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الرئيس اللبناني ميشال عون لتهنئته بالذكرى السادسة والسبعين للاستقلال.
 
وقال سياسي لبناني في تصريح لـ”العرب” إن الكلام القليل في برقية ترامب إلى عون “يقول الكثير في وقت يمرّ البلد في أزمة سياسية واقتصادية لا سابق لها في تاريخه”.
 
ولفت السياسي، الذي تقلد مناصب حكومية عليا إبان عقدي السبعينات والثمانينات في لبنان، إلى تأكيد الرئيس الأميركي للرئيس اللبناني “استعداد أميركا للعمل مع حكومة لبنانية جديدة تستجيب لحاجات اللبنانيين”، مع ما يعنيه ذلك من انحياز واشنطن لمطالب المتظاهرين في لبنان والتي تتلخص بتشكيل حكومة جديدة تضم وزراء اختصاصيين، أي من دون حزب الله.
 
واعتبرت هذه الأوساط أن برقية التهنئة لم تكن مجرد إجراء بروتوكولي معتاد من نوع تبادل البرقيات بين رؤساء الدول، ذلك أن الإدارة الأميركية ركّزت على أعلى المستويات على ضرورة تشكيل حكومة لبنانية يستبعد منها حزب الله الذي تصنّفه بأنه “منظمة إرهابية” من دون تفريق بين الجناح السياسي للحزب وجناحه العسكري.
 
وذكرت أن برقية الرئيس الأميركي، على الرغم من أنها مقتضبة، تختصر الأزمة الحكومية اللبنانية التي بدأت في التاسع والعشرين من أكتوبر الماضي عندما قدّم سعد الحريري استقالة حكومته التي تضمّ ثلاثة وزراء من حزب الله.
 
ولاحظت أن الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله كان دعا في أول خطاب ألقاه بعيد اندلاع الثورة الشعبية في لبنان في السابع عشر من أكتوبر الماضي إلى بقاء الحكومة، كما أكّد أن حزبه لن يسمح بسقوط العهد، عهد ميشال عون.
 
ورأت الأوساط السياسية اللبنانية أن إصرار حزب الله على أن يتمثل في الحكومة اللبنانية سيطيل الأزمة الحكومية، خصوصا في ضوء إصرار رئيس الجمهورية على أن يكون الحزب موجودا في الحكومة نظرا إلى انّه “يمثل ثلث لبنان”، على حد ما ورد في العبارة التي استخدمها في المقابلة التلفزيونية التي أجريت معه حديثا.
 
في المقابل، أكدت هذه الأوساط أن ليس في استطاعة سعد الحريري، الذي يدرك معنى العقوبات الأميركية على حزب الله وتأثيرها على النظام المصرفي اللبناني، إشراك الحزب في حكومة جديدة يشكلّها، في حال طُلب منه ذلك.
 
وقالت إن الحريري يستوعب كليا أن الذهاب في مواجهة مع الإدارة الأميركية، بسبب إشراك حزب الله في الحكومة كما يريد رئيس الجمهورية، ستكون له نتائج كارثية على الاقتصاد اللبناني وعلى النظام المصرفي فيه.
 

ورأت مصادر مراقبة أن برقية ترامب تعكس موقفا أميركيا يدرك حساسيات الظرف الداخلي اللبناني ولا يدفع باتجاه التعبير عن موقف مباشر من الأزمة اللبنانية.

واعتبرت أن مواقف واشنطن السابقة واضحة في فرض موجات من العقوبات ضد حزب الله، والتمسك بدعم الجيش اللبناني، على الرغم من تحفظات ظهرت مؤخرا داخل الكونغرس، ورعاية اتفاق لتسوية النزاع الحدودي، البري والبحري، بين لبنان وإسرائيل.

ولفتت إلى أن موقف ترامب المقتضب جاء بعد اجتماع دبلوماسي ثلاثي مهم جرى في باريس، الثلاثاء، بين مدير الشرق الأوسط في الخارجية الفرنسية السفير كريستوف فارنو (الذي زار بيروت الأسبوع الماضي)، والمبعوث الفرنسي لمؤتمر “سيدر” السفير بيير دوكين، والمسؤول عن الشرق الأوسط في قصر الرئاسة باتريك دوريل، ومساعد وزير الخارجية الأميركي للشرق الأوسط دافيد شينكر، ومديرة الشرق الأوسط في الخارجية البريطانية ستيفاني القاق.

واعتبرت مصادر دبلوماسية عربية أن برقية ترامب تتسق مع أجواء هذا المزاج الأميركي الأوروبي الذي نقله شينكر لواشنطن، علما أن الأخير مكلف من قبل الإدارة الأميركية بمتابعة الملف اللبناني.

وقالت إن الإدارة الأميركية بصدد إظهار مواقفها من الأزمة اللبنانية بشكل متصاعد وفق قاعدة تشكيل حكومة تتماشى مع متطلبات المرحلة التي فرضها الحراك الشعبي اللبناني منذ أكثر من شهر.

وأتت برقية الرئيس الأميركي بموازاة زيارة قام بها، الخميس، السفير الفرنسي في لبنان برونو فوشيه إلى قصر بعبدا تناول خلالها مع الرئيس عون الأوضاع العامة في لبنان، وأطلعه على أجواء الاجتماع الثلاثي الفرنسي-الأميركي-البريطاني الذي عقد في باريس، حيث أكد المجتمعون استمرار دعم بلدانهم لاستقرار لبنان وسيادته واستقلاله ووجوب عودة المؤسسات الدستورية إلى العمل.

وقالت المصادر إن برقية ترامب تتوج اتصالات غربية يراد منها إبلاغ بيروت موقفا واضحا وحازما حيال الممكن والمستحيل، وسط أنباء عن حركة لموفدين لعون والحريري صوب موسكو.