يتفق الجميع على حق إبداء الرأي والتظاهر، فللناس الحق في ان تنزل الى الشوارع لتتظاهر وتوصل صوتها في محاولة تغيير ما تراه خاطئاً وتحقيق مطالب تراها محقة. هذا حق اساسي في حقوق الانسان والمنطق العام يدعمه، بصرف النظر عن القوانين الدولية لحقوق الانسان، هذا حق مشروع وطبيعي.

والمنطق ايضاً يقول، إنّ حرّية الفرد تقف عند حقوق الآخرين، وبالتالي إنّ فرض الرأي عبر قطع الطرق والتضييق على تنقّل الناس هو أمر غير مقبول ايضاً من منطلق حقوق الانسان وحق الفرد في التنقّل والعمل بحرّية، وبالتالي لا يحق لأي فرد يمارس حقّه في التظاهر ان يعتدي على حق انسان آخر يريد التنقّل أو التظاهر في مكان آخر او حتى العمل أو الذهاب الى المدرسة والجامعة. فمن غير المقبول ان يفرض أحدهم رأياً على فرد آخر عبر منعه من التنقل واقفال الطريق عليه.

هذا المنطق الذي لا يحتاج الى قوانين دولية ومحلية لتؤكّده، هو أساس الاحترام المتبادل حقوق بعضهم البعض في أي مجتمع. فلا منطق لإضراب وثورات بالقوة، أي أنّه اذا دعت الثورة الى اضراب عام واقفل الجميع واختار احدهم عدم الاقفال واستكمال عمله، لا يحق لأحد منعه عن العمل واجباره على الاقفال بالقوة. فانخراط الناس في التظاهر والاعتصام والحراك يجب ان يأتي من قناعة فردية وليس عبر الفرض او بالقوة.

إنّ ما يقوم به من يقطع الطريق اليوم بالقوة وضمن صدام دائم مع القوى الامنية والجيش، هو فرض الاقفال بالقوة. وهذا يأتي من قناعة داخلية بأنّ الاكثرية ربما ليست مع التحرّك. وبالتالي اعتماد هذه الطريقة هو محاولة فئة فرض رأيها بالقوة على فئة أخرى من المجتمع غير مقتنعة بجدوى إقفال الطريق، وهي ربما مع المطالب انما تعارض اقفال الطرق تحديداً.

الى ماذا يدلّ قطع الطرق اليوم؟ يدلّ الى انّ فئة مقتنعة بأنّ عدد مناصريها غير كافٍ، وبالتالي ان فتحت الطرق ودعت الى التظاهر سلمياً فربما لن تتمكن من جذب اعداد كبيرة وسيُعرف حجمها الحقيقي، وهذا ما لا تريده، فتقوم بقطع الطريق، او الأسوأ ربما، هي تدرك جيداً أنّ قطع الطرق سيؤدي الى استفزاز او صدام يأخذ البلد كله الى فوضى منظمة، وتملك اجندات خاصة تختلف عن الحقوق المطلبية والمطالب المعيشية، وتحاول عبر ذلك خطف الحراك لصالحها. فأغلب الثورات خطفتها أقلية منظّمة عرفت كيف تستغل مطالب الشعوب لتختزل التسويات وتنشئ سلطة جديدة على حساب المطالب الشعبية المحقة. نذكر مثلاً الثورة الروسية، التي أوصلت الاقلية الشيوعية الى الحكم، فحكمت وتحكّمت وخنقت الحرّيات لفترة طويلة.

وكانت منظمة العفو الدولية أعلنت على «تويتر»، أنّ «إغلاق الطرق بشكل سلمي كجزء من الاحتجاج، يُعدّ شكلاً مشروعاً للتجمع السلمي وفقًا للمعايير الدولية لحقوق الإنسان. وأي محاولة لإزاحة المحتجين بالقوة من قِبل السلطات اللبنانية ستمثل انتهاكًا لحقهم في الاحتجاج السلمي. كل ما يريده المتظاهرون اللبنانيون هو أن تُسمع أصواتهم».

ما أعلنته المنظمة يعارض حقيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته الـ 13 بمنع قطع الطرق على الناس. وتصريحها خطأ ومشبوه. فهو إمّا يأتي عن سوء فهم، أو يُراد به سوء او اجندات خاصة عبر دعم فئة معينة. وهذا غير مقبول من منظمة دولية تحرّض على قطع الطرق.

وكما في كل مرة ، أذكّر مجدداً بضرورة أن يخرج المتظاهرون اليوم من حراكهم بقوانين أساسية فاعلة، يضمنون فيها الشفافية المطلقة في مرحلة الحكم المقبلة. فما اوصلنا الى هذه الفوضى في الدرجة الاولى هو انعدام الشفافية وعدم قدرة المواطن على متابعة عمل الحكومات وكيفية صرف المال العام والقرارات المتخذة.

ومن هنا اصراري على إقرار وتطبيق قانون الشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة، وينص: «على الإدارة أن تعتمد سياسة البيانات المفتوحة، اي ان تجعل كافة بياناتها الادارية مُتاحة للعموم عبر مواقعها الالكترونية (في المرحلة الاولى) أو على بوابة منفصلة للبيانات المفتوحة (في مرحلة لاحقة)».

هذا القانون سيعطي كل متظاهر في الساحات حق الاطلاع على كل قرش تصرفه الحكومة في المرحلة المقبلة. والأهم ان لا نعود الى حلقة مفرغة من الفساد يكون روادها من هم اليوم في الساحات. فعندما يتسلّمون الحكم قد يضعفون امام آفة الفساد، عندها من سيحاكم؟ هل نعود الى الطرق مجدداً؟

المطلوب اليوم الوعي كي لا تركب الثورة اجندات سياسية ويضيع معها مطلب محاربة الفساد وتطبيق الشفافية المطلقة. وكي لا نبقى بشعار «كلن يعني كلن»، يجب ان يكون الشعار «افتحوا البيانات لأعرف الفاسد من الآدمي».

افتحوا البيانات لأضمن حقوقي ولتبقى السلطة الفعلية للشعب.

افتحوا البيانات كي لا تبقى شبهة فساد وتتحول كلها الى وقائع.

افتحوا البيانات لأنّ المعلومات ليست منّة من أحد، بل هي ملكي الشرعي وحقي المقدّس.