لبنانيون يحذرون من مخاطر فض الاعتصامات بتحريك ميليشيات حزب الله والتيار العوني.
 
كشفت مصادر سياسية لبنانية عن خطط أمنية تم الإعداد لها للتصدي للحراك الشعبي في لبنان وفرض الأمر الواقع بالقوة، عبر سلسلة تدابير وإجراءات وعمليات أمنية، هدفها ترهيب الشارع كحل نهائي لمواجهة تصاعد المد الشعبي في كل المناطق اللبنانية، في وقت تبعث الأوساط السياسية برسائل تهدئة لامتصاص النقمة المتفاقمة عبر الإعلان عن حلول سياسية لتغيير النظام السياسي بقيادة نبيه بري رئيس حركة أمل الشيعية ورئيس مجلس النواب.
 
وذكرت المصادر في تصريح لـ”العرب” أن المناورتين الأمنية والسياسية تسيران بخط متواز من قبل القوى السياسية المتشبثة بالسلطة، بعد ارتفاع مطالب الشارع اللبناني بإسقاط الوجوه السياسية برمتها.
 
وسعى رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري إلى إظهار تفهمه لموجة الغضب الشعبية الواسعة، وذلك بتقديم “مبادرة” تتبنى شعارات المحتجين مثل “تغيير النظام” والدفاع عن بناء “دولة مدنية”، في خطوة قال مراقبون محليون إنها لا تعدو أن تكون مناورة من زعيم حركة أمل لامتصاص غضب الشارع ومنع الاستمرار في التغيير الجذري الذي يهدد قبضة الثنائية الشيعية على لبنان.
 
وقال بري، الأربعاء، إن “الظرف الراهن موات جدا لقيام الدولة المدنية و(إقرار) قانون انتخابات نيابية يعتمد لبنان دائرة واحدة على قاعدة النسبية”، دون أن ينسى التحذير من الفراغ، وأنّ “البلد لا يحتمل أن يبقى معلّقا”، وتخويف اللبنانيين من تجارب الماضي سواء من الحرب الأهلية، أو من خلال اشتباك الميليشيات المختلفة وبينها حركة أمل مع الوجود الفلسطيني في لبنان.
 
وحذر مراقبون من أن كلام بري، الذي جاء خلال لقاء الأربعاء النيابي، قد يكون جزءا من طبخة سياسية تتبناها بعض الأطراف السياسية بهدف استرضاء الآلاف من المحتجين ودفعهم إلى التراجع وإثارة الخلافات بينهم، وأن ذلك ربما يكون جزءا من خطة أوسع لتقويض الانتفاضة التي تشمل أيضا توظيف الجيش لتفكيك الاعتصامات وإجبار المحتجين على إخلاء الساحات.
 
ويوظف رئيس مجلس النواب خبرته الطويلة في قلب اللعبة السياسية اللبنانية لإدامة سيطرة ما بات يعرف بالثنائية الشيعية على المشهد اللبناني من خلال بناء تحالفات تمكّن من التحكم في البرلمان والحكومة ورئاسة الجمهورية وجعلها في خدمة السيطرة الأمنية والسياسية لحزب الله على اللبنانيين، ومن وراء ذلك حماية النفوذ الإيراني من بوابة حماية مصالح الطائفة.
 
وحرص بري على تأكيد أنه كان من أوائل من طالبوا بإصلاحات اقتصادية قبل أن يرفضها الشارع بأكثر حدة هذه المرة من خلال موجة غضب وضعت السياسيين في سلة واحدة وطالبت بإقالتهم ومحاسبتهم وإسقاط النظام الطائفي الذي استثمروه ليستمروا زمنا طويلا في مواقعهم مثل بري الذي يتزعم حركة أمل منذ 1980.
 
وقال بري إنّ “مطالب الحراك في الجانب الاقتصادي كانت من جملة البنود الـ22، والتي كنا من السبّاقين في تكرار صرختنا منذ العشرات من السنين لمعالجتها، ويسجّل للحراك تحقيقها من خلال الضغط الشعبي، لأن النصيحة كانت بجمل، صارت النصيحة بثورة”.
 
كما نأى بنفسه عن الحكومة التي تشكلت في سياق تسوية أشمل كان هو أحد المساهمين في تثبيتها، قائلا “يسجّل للحكومة إقرارها الورقة الاقتصادية التي رغم جودتها، تبقى العبرة في التنفيذ”.
 
ولم يقف التخويف من الفراغ عند رئيس مجلس النواب، بل بات سمة تسيطر على أغلب تصريحات المسؤولين اللبنانيين. وأكد رئيس الحكومة سعد الحريري، الأربعاء، ضرورة الحفاظ على الأمن والحرص على فتح الطرق وتأمين انتقال المواطنين بين كافة المناطق.
 
وذكر بيان صادر عن مكتبه الإعلامي أن الحريري يتابع التطورات الأمنية في البلاد حيث “أجرى سلسلة اتصالات مع القيادات الأمنية والعسكرية واطلع من خلالها على الأوضاع الأمنية في مختلف المناطق”.
 
 
وكشفت مصادر مطلعة في بيروت عن خطط يتم الإعداد لها للتصدي للحراك الشعبي في لبنان، عبر سلسلة تدابير وإجراءات وعمليات أمنية، كحل نهائي لمواجهة تصاعد المدّ الشعبي.
 
وقالت المصادر إن قيام الجيش اللبناني بفتح الطرقات، يهدف إلى محاولة ضرب الزخم الذي تحظى به التجمعات المناطقية، والسعي إلى احتواء المظاهرات داخل الساحات، على نحو لا يؤثر على الحياة اليومية للبنانيين.
 
وأضافت المصادر أن عمليات الجيش اللبناني تهدف أيضا إلى تأجيل احتمالات ذهاب بعض قوى السلطة اللبنانية، لاسيما حزب الله والتيار الوطني الحر وحركة أمل، إلى الاصطدام بمتظاهرين بحجة تحريك الشارع المضاد في مواجهة الحراك الرافض لكل المنظومة السياسية في البلد، وسط أنباء عن أن حزب الله والتيار العوني قد أشاعا عزمهما على القيام بفتح الطرقات بالقوة إذا عجز الجيش عن القيام بهذه المهمة.
 
وتسعى الحكومة اللبنانية وقواها العسكرية والأمنية لتحويل الحراك الشامل إلى حالة مسيطر على مساحاتها وبالإمكان التعايش معها طويلا، من خلال إعادة فتح المؤسسات التربوية والمصارف وفتح الطرقات واستئناف الحياة العادية.
 
ويقول مراقبون إن المحتجين يعون هذه الاستراتيجية وسيعمدون إلى منع البلاد من استعادة الحياة الطبيعية قبل أن تتخذ السلطة الحاكمة قرارات وإجراءات تلبي مطالبهم.
 
وترى الأستاذة المساعدة في الإدارة العامة في الجامعة الأميركية في بيروت كارمن جحا أن التظاهرات الراهنة تختلف عن تظاهرات عام 2015 التي اندلعت احتجاجا على أزمة النفايات، لناحية تأييدها من مجموعات اقتصادية مختلفة وفي كافة أنحاء البلاد.
 
لكنها حذرت من أن “التحركات التي لا قيادة لها قد تتبدّد ويتم استغلالها”.
 
وبدأت البيانات الصادرة عن الحراك تبلور السمات الأولى لهذه المطالب والشروط المتمثلة في اعتبار القرارات الاقتصادية التي أعلن عنها الحريري غير كافية، وفي المطالبة باستقالة الحكومة وتشكيل حكومة كفاءات انتقالية تشرف على إجراء انتخابات تشريعية مبكرة خلال شهرين.
 
وكشفت مصادر سياسية لبنانية عن قيام التيار الوطني الحر برئاسة وزير الخارجية جبران باسيل بإعداد رد ميداني في الشارع ضد الحملات التي شنها الحراك الجماهيري الشامل ضد رئيس الجمهورية ميشال عون وصهره الوزير باسيل.
 
وقالت المصادر إن رسائل قد تم تبادلها بين القيادات الوسطى للتيار العوني للاستعداد لتحركات شعبية لدعم العهد ورئيسه، ما أثار مخاوف من أن يؤدي الأمر إلى تصادم أهلي لاسيما داخل المناطق المسيحية.
 
ورصدت أوساط سياسية لجوء قيادات وشخصيات ومنابر تدور في فلك عون وباسيل إلى لغة التخويف من مغبة انفجار الأمر في لبنان إذا لم يحكّم المتظاهرون العقل ويتركوا للحكومة تنفيذ الإصلاحات التي أعلنتها، مرددة أن لبنان بلد معقد وظروفه الإقليمية لا تسمح بهذا “الفلتان”.
 
ويذكّر هذا الخطاب بذلك الذي راج بعد المظاهرة العملاقة للقوى السيادية في الرابع عشر من مارس 2005 بعد شهر على اغتيال رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، والذي تحدث عن أن “لبنان ليس أوكرانيا”، على حد تعبير الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، وما تبع ذلك من سلسلة اغتيالات وانفجارات شهدتها البلاد بعد ذلك.