يخطئ حتماً من يظن أن الشعب اللبناني خرج غاضباً لأجل «واتساب»، بل هي القطرة التي أفاضت كأس المواجع، وقشعت الضباب عن أوجاع مكتومة، بسبب تراكم السياسات المزمنة والخاطئة.
مظاهرات لبنان، حيث قطع محتجون طرقاً في شمال لبنان وجنوبه، وفي قرى البقاع، واشتعلت النيران في وسط العاصمة بيروت تسببت في اشتباكات في محيط ساحة رياض الصلح، أسفرت عن 22 حالة إغماء بسبب القنابل المسيلة للدموع التي أطلقتها قوى الأمن، بل إن أحد مرافقي موكب وزير التربية والتعليم العالي، الذي تصادف وجوده في محيط المكان استخدم الرصاص الحي لتفريق المتظاهرين، كما أفادت الوكالة الوطنية للإعلام بأن «مرافق إحدى الشخصيات أطلق النار باتجاه المتظاهرين ودهس أحدهم»؛ مما تسبب في زيادة حالة الاحتقان، رغم محاولات وليد جنبلاط تطويق حادثة إطلاق النار، بالقول عبر «تويتر»: «إنني طلبت من الرفيق أكرم شهيب، تسليم الذين أطلقوا النار».

 


العجز الحكومي والفشل النيابي وابتعادهم عن حلحلة مشاكل المواطن، وحالة التضخم والثراء الفاحش لدى البعض، والفقر المفجع لدرجة الجوع لدى آخرين، هما طرفا المعادلة اللبنانية التي في حاجة إلى إعادة توازن، وإلا فإن خروج مارد الفقر والجوع والمرض ممتشقاً سيف الغضب لن يتوقف بإطلاق رصاصات في الهواء كتلك التي أطلقها مرافقو وزير التربية والتعليم، الذي كان عليه اتخاذ إجراء سريع ضد مرافقيه الذين أطلقوا النار، وبخاصة أن موكب الوزير لم يكن في حالة خطر حتى ولو ترجل من عربته المصفحة.
العجز الحكومي الذي برز في عجز الحكومة في إطفاء الحرائق التي انتشرت في الغابات والمزارع الأيام الماضية، يعكس حالة من العجز قد يكون سببها الرئيسي شح الموارد المالية، ومحاولات وحوش الدولار التلاعب بالعملة الصعبة لإضعاف العملة المحلية لإحراج الحكومة وإظهارها بحالة العجز التام.

 


مظاهرات بيروت الغاضبة ردد فيها اللبنانيون شعار «الربيع» العربي «الشعب يريد إسقاط النظام»؛ الأمر الذي يمكن تفسيره على أنه حالة مزمنة مكتومة وليست حالة طارئة تسببت فيها الضرائب الأخيرة، وقد تنزلق فيها البلاد نحو استنساخ نماذج «الربيع» العربي المأسوية التي لم تسلم منها بلدان النسيج الاجتماعي والديني والطائفي الواحد مثل ليبيا، فما عساها تكون النتيجة في لبنان البلد المتعدد الطوائف.
أسباب الاحتقان كثيرة ومتنوعة بدءاً من الفساد المنتشر وحالات غسل الأموال والثراء الفاحش وغير المبرر بوجود تجارة أو صناعة أو ميراث أجداد لبعض المسؤولين كما ردد بعض المتظاهرين، الذين قال أحدهم مخاطباً حسن نصر الله زعيم ميليشيا «حزب الله» بالقول: «انظر إلى نوابك وحجم ثرواتهم ومن أين جاءت وكيف كانوا وكيف أصبحوا»، اتهامات صريحة أطلقها المتظاهرون في مداخلاتهم التلفزيونية رافعين شعار «من أين لك هذا؟».

 


الأزمة اللبنانية ليست وليدة اليوم ولا المتسبب فيها الحكومة الحالية التي هي مغلوبة على أمرها؛ لأنها هي عبارة عن تجمع وزراء كتل وأحزاب ليس رئيسها من اختار أغلبهم، بل هم جاءوا من خلال محاصصة حزبية، وبالتالي يتصرفون كممثلين لأحزابهم وكتلهم لا كوزراء في حكومة لها رئيس، وأبرز الأمثلة تصرفات الوزير باسيل، الذي اتهم بالعنصرية حول تصريحات أداى بها.

 


جبران باسيل وزير الخارجية تحدث عشية جمعة المظاهرات في سابقة دبلوماسية، إذ لم يكن من العادة أن يتحدث وزير خارجية في شأن داخلي مستبقاً خطاب رئيس الحكومة، رامياً بأسباب الأزمة في حضن خصمه غير المعلن الحريري، معلنا عن سلة من الإصلاحات.
جبران باسيل الذي تحدث بصفة صهر الرئيس الصفة، التي لا وجود لها في وظائف الدولة، جعل من أسباب الأزمة اللاجئين في حين أن اللاجئين هم جزء من الحل بسبب أن المساعدات الدولية إلى لبنان سببها وجود هؤلاء اللاجئين الذين يسعى باسيل لطردهم.

 


أزمة لبنان لا يمكن اختزالها في ضريبة اتصالات تم التراجع عنها، بل هي أزمة متراكمة، بدءاً من ميليشيا «حزب الله» التي تعتبر نفسها دولة داخل الدولة، بل وتشارك بمقاتلين في صراعات إقليمية منها العراق وسوريا واليمن، بل وثبت تدخلها بمقاتلين في ليبيا أيضاً رغم الاختلاف المذهبي.

 


للخروج من الأزمة اللبنانية، وإبعاد شبح فوضى «الربيع» العربي، لا بد من معالجة مكامن الخلل، وبخاصة السياسي البنيوي، ومعالجة مكامن الهدر والفساد المالي عند بعض المسؤولين، وتشكيل حكومة تكنوقراط بدلاً من حكومات المحاصصة الحزبية، التي يشد ويطلق الوزير بأوامر من حزبه وكثيراً ما يكون خارج سلطة رئيس الحكومة.