هل تريد وصفة جاهزة لأحداث الانفجار الذي وصلنا اليه اليوم؟ الوصفة كما يلي: الاستمرار بالعقلية الاقتصادية نفسها مرة بعد مرة ، والاصرار على فرض ضرائب جديدة وعدم جباية الضرائب المفروضة! في ظل اقتصاد متعثر وازمة اجتماعية متزايدة. والاصرار على عدم الدخول في عصر الشفافية ، كل هذه النقاط أردّدها يومياً ولا من يسمع .

طالبت منذ سنة اعلان حالة طوارىء اقتصاديّة، وهي ضرورة قصوى في المرحلة الحالية، ووضع برنامج عمل يقوم بشكل اساسي على هدم المحميّات والاحتكارات.

وما كان لافتاً للنظر أنّ المسؤولين في لبنان لم يكونوا مصابين بالهلع، والمطلوب في هذه الظروف، وهو ما كان ليحصل في أيّ بلد يتعرّض للضغوط التي نتعرض لها، لم يقوموا بذلك، فأتت ثورة الشعب لتذكرهم بالهلع الذي كان يجب أن يشعروا به قبل اليوم، يشعرون بغصة المواطن الذي فشل في الحصول على عمل، غصة الأب غير القادر على تعليم أطفاله في مدرسة رسمية لائقة، غصة الصناعي الذي يتخبط في بيئة عمل غير تنافسية، غصة المزارع الذي يستنجد في نهاية كل موسم، وغصة من لا يستطيع أن يصدّر برّاً!

تستمرّ المحاولات العقيمة في محاولة إنتاج موازنة مُنتجة تنقل البلاد من المراوحة والتشنّج الاقتصادي الى الإنتاجية الحقيقيّة، والأهمّ تخفيف الهدر الهائل وإيجاد موارد بديلة من دون فرض ضرائب تُصيب المواطن والمنتجين في البلاد.

والملاحظ أنّ التغييرات ليست جذرية حتى اليوم في إعادة إنتاج موازنة، حيث أنّ جُلَّ ما يجري هو محاولة ترقيع أو عملية تجميل لنظام فشل في خلق اقتصاد منتج ودائماً في جوٍّ من الاستعجال و»قلّة الخصيّة» الممزوجة بعقم اقتصادي والاستعانة بالمحاسبين بدلاً من الاستعانة باقتصاديين.

قد يكون الاعتراف بالخطأ المرتكب على مرّ السنين هو المدخل الرئيسيّ لإعادة إنتاج موازنة، والموازنة في عُرف كل الدول لا تعني ممارسة دور الجابي و»المحاسبجي» الضيّق، كما فشلت المحاولات في تطبيق الشفافية المطلقة، التي تهدف الى إقناع الجميع بأنّ عمل الحكومة سليم ولا سرقات وإن وجدت السرقات يستطيع المواطن تقصّي الموضوع .

نحتاج الى الشفافية المطلقة لإقناع المستثمر في الداخل والخارج، أننا نبدأ عهداً جديداً من الوضوح والفعالية والإنتاجية. وبعد الشفافية المطلقة يجب إيجاد طرق لزيادة الإنتاجية العامة وتكبير الثروة وتعميم البحبوحة وتأمين الحقوق للجميع، بنحو يوفر استدامة وتأمين فرص للإنتاج والعمل. لقد حوّلنا هذا البلد بلداً غير صديق للمستثمر. الشفافية المطلقة، هي لازمة أُرددها في كل مناسبة وفي مطلع وخاتمة أي حديث ومقال: «لا اصلاح من دون الشفافية المطلقة».

المعادلة اليوم واضحة، لا يُمكن ان تطلب من المواطن ان يتحمّل الأزمة ويكون شريكاً في الحل، ويدفع ضرائب والمزيد من الضرائب ما لم يعرف ما يحصل فعلياً في مالية الدولة، وكيف تُدار الدولة، وما يتمّ صرفه من المال العام.على الدولة اللبنانية في المرحلة المقبلة ان تكون شفافة الى أبعد حدود. وحيث إنّ قانون الحق في الوصول الى المعلومات شابه العديد من العقبات ومن سوء التفسير ورفض التنفيذ، نقترح اليوم ان يُصار الى إقرار قانون جديد يُلزم الحكومة اللبنانية بالانتقال الى الحكومة المفتوحة. وفي تعريف الامم المتحدة للحكومة المفتوحة، بأنّها «الحكومة التي تعرض معلوماتها للمشاركة وتشجّع مشاركة المواطنين في صنع القرار، وتقدّم للجمهور الأدوات التي تسمح بإخضاع الحكومة للمساءلة (World Justice Project, 2016)، وانطلاقاً من ذلك اقترح قانوناً جديداً، «قانون الشفافية والبيانات المفتوحة» يتخطّى الفكرة التقليدية في الوصول الى المعلومات، وأعرف انّه سيُقال إنّ القانون حلم وصعب التحقيق، من أحلام المدينة الفاضلة، وانه قد طُبّق في بعض الدول، إلا أنّ تطبيقه صعب وتعترضه العراقيل، ولكن الّا نتباهى باختراع الحرف، ربما آن الاوان لنخترع شيئاً جديداً بعد ان توقّف الزمن بنا في فترة اختراع الحرف.

بحثت عن نواب ليتبنوا هذا القانون ، ولكن حلمي اليوم ان يبادر من نزل الى الارض الى جعل هذا القانون مطلباً أولياً وأساسياً ، لضمان الاشراف الدائم على عمل المسؤولين في المرحلة المقبلة .