دعوة رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع رئيس الحكومة سعد الحريري الى الاستقالة، أعادت الى أذهان البعض، مشهدية استقالة الحريري من الرياض عام 2017، وما تلاها من مواقف. حينها اعتبر جعجع أنّ الاستقالة كانت ضرورية، لأن «حزب الله» بات شبه حاكم في لبنان. أمّا الآن فعلى رغم أنّ جهات سياسية عدة تعتبر أنّ «حزب الله» هو الحاكم الفعلي وأنّ التسوية الرئاسية التي غطته رسمياً أدّت الى الوضع الراهن، إلّا أنّ لدعوة جعجع حليفه الى الاستقالة هذه المرة أسباباً وخلفيات أخرى.
 

تيقّن جعجع بالأمس أنّ النقمة الشعبية أكبر من أن تُحتوى بخطابٍ أو وعود، فدعا الحريري الى الاستقالة، ثمّ دعا «القواتيين» الى المشاركة في التظاهرات. كلمتا الحريري ورئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل أثبتتا صحة وجهة نظر رئيس «القوات»، فلم تخرجا المعتصمين من الشارع.

بموقفه بدا جعجع وكأنه تخلّى عن الحريري، ورأى البعض أنّ رئيس الحكومة لام «الحكيم» على موقفه خلال كلمته أمس، بقوله: «ربما هناك جهات في الداخل فرحت بما يجري وقامت «بقبة باط» للنزول الى الشارع»، تماماً مثلما سبق أن لام الحريري جعجع على موقفه خلال فترة استقالته في 2017.

رفض مصادر «القوات» وضع دعوة جعجع رئيس الحكومة الى الاستقالة في خانة «التخلي» عنه، مشيرةً إلى أنّ جعجع عندما وجّه دعوته هذه أثنى على جهود الحريري، وقال إن عملية تعطيل الإصلاحات ليس الحريري مسؤولاً عنها، بل الأكثرية الوزارية القائمة. وتركّز على أنّ «هذا الموقف ليس مستجداً، بل سبق أن أعلنه جعجع في حضور الحريري في اجتماع بعبدا السياسي - الاقتصادي».

وتوضح أنّ دعوة الحكومة الى الاستقالة تنبع منذ لحظة طرحها، من أنه «لا يمكن إحداث صدمة إيجابية في ظل الحكومة الحالية، بل يجب الذهاب الى حكومة جديدة من اختصاصيين، ولا يُمكن معالجة الوضع بالمسكّنات». وتذكّر بـ»أننا حذرنا منذ أشهر من أنّ الأوضاع تتّجه نحو الانهيار وفورة غضب شعبية، في حين لم تقتنع أطراف سياسية أخرى بذلك لأنها موجودة في مكان آخر حيث لا تلمس وجع الناس».

وعلى رغم التحالف مع الحريري، تعتبر «القوات» أنّ في الشأن العام لكل طرف سياسي وجهة نظره. وتؤكّد المصادر «القواتية» أنّ جعجع «كان ولا يزال

الى جانب الحريري في خطوات كثيرة. لكن المسألة ليست عواطفَ، بل هناك مصلحة البلد التي تفوق أيّ اعتبارات»، مشيرةً إلى أنّ «القوات» تواصلت مع الحريري قبل أن يُلقي كلمته أمس، ولا تعتبر أنّه وجّه اللوم إليها، بل الى الفريق الآخر، فاتهم الوزير باسيل بعرقلة خطة الكهرباء من دون أن يسميه، واتهم الثنائي الشيعي بعرقلة الخطة الإصلاحية ومن خلفهما الوزير باسيل».

البلد دخل مرحلة جديدة، بالنسبة الى «القوات»، والمزاج الشعبي أبعد من أن يستمع الى خطابات ومواقف، والناس يريدون أفعالاً، والأفعال لا تكون من خلال التذكير بخطط ذهبت تحت أقدامهم في الشارع. أمّا اتخاذ جعجع قرار استقالة وزراء «القوات» من الحكومة فليس كافياً، إذ إنّه ليس مطلب المعترضين ولن يُطفئ نار ثورتهم، بل يريدون استقالة الحكومة بكاملها.

البديل من الحكومة الحالية بالنسبة الى «القوات» هو حكومة اختصاصيين، وعلى رغم أنه لا توافق على حكومة كهذه الى الآن، لا تتخوّف «القوات» من سيناريو تأليف حكومة من قوى 8 آذار حصراً ما يُعرّض البلد لأخطارٍ مُضاعفة. وتعتبر أنّ «المسألة ليست من يستطيع وضع يده على لبنان فلسنا في مرحلة 2005 - 2011، إذ إنّ البلد اليوم وصل الى حافة الانهيار، ولا يستطيع أيّ فريق سياسي أن يأخذ الأمور في اتجاهه، لأنّ البلد معرّض للسقوط». كذلك ترى أنّ «ما يحصل اليوم ثورة شعبية رفضاً للواقع المعيشي وليست من طبيعة سياسية، وبالتالي أيّ حلول ستُعتمد يجب أن ترضي الناس وتوحي بالثقة وتنقذ البلد من الواقع الراهن».