التلويح بالشارع ورقة الرئيس الجديد لانتزاع صلاحيات موسعة.
 
حقق المرشح المستقل أستاذ القانون الدستوري قيس سعيد فوزا ساحقا في جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية بمجموع أصوات فاق لوحده أصوات جميع الأحزاب في الانتخابات التشريعية، وهو وضع سيساعده على انتزاع صلاحيات أكبر من تلك التي يخولها له الدستور الذي يتبنى نظام حكم برلماني تكون فيه الصلاحيات الأكبر بيد رئيس الحكومة.
 
ولا تستبعد أوساط سياسية تونسية أن يصطدم سعيد، المسنود من الشعب بنسبة تفوق السبعين بالمئة، وخاصة من الشباب، مع الحكومة القادمة التي يفترض أن تتولى حركة النهضة تشكيلها في قادم الأيام.
 
وتشير هذه الأوساط إلى أن النهضة تريد تحجيم دور سعيد وهامش تحركه مثلما فعلت مع الرئيس الأسبق منصف المرزوقي، وهو ما قد يقود إلى توتر العلاقة بين الجانبين وتلويح الرئيس الجديد بالعودة إلى الشارع، وربما باللجوء إلى الاستفتاء لانتزاع صلاحيات جديدة.
 
والنظام السياسي في تونس برلماني معدل، إذ يفوّض الدستور سلطات واسعة لرئيس الحكومة التي تشكلها الأغلبية الفائزة في البرلمان، مقابل صلاحيات محدودة لرئيس الجمهورية، لكنها مهمة.
 
وتشمل تلك الصلاحيات حصرا مجالات الدفاع والأمن القومي والسياسة الخارجية، بجانب مشاريع القوانين التي يمكن أن يتقدم بها إلى البرلمان.
 
ولكن مع ذلك، فإن الفوز الكبير لأستاذ القانون الدستوري المتقاعد بنسبة تفوق 70 بالمئة من مجموع الأصوات، أي حوالي ثلاثة ملايين صوت، يلقي بالضغط على البرلمان بسبب حصوله على مشروعية شعبية أوسع، مقارنة بكافة الأحزاب الفائزة بمقاعد.
 
ولا يتعدى عدد الأصوات التي حصل عليها حزب حركة النهضة الإسلامية في الانتخابات التشريعية 500 ألف صوت ما منحها أغلبية غير مريحة بواقع 52 مقعدا، مقابل 38 مقعدا لمنافسه الحزب الليبرالي قلب تونس.
 
وتتمثل المخاوف التي سبقت فوز سعيد في افتقاره لغطاء سياسي واضح ما قد يجعله في عزلة في القصر الرئاسي.
 
ولكن النتائج الحالية قد تعني الكثير في مستقبل العلاقة بين الرئيس والبرلمان من جهة، وبين الرئيس ورئيس الحكومة من جهة ثانية.
 
وأيا كان الدعم الذي يجده في البرلمان من كتلة متوسطة أو صغيرة، فإن سعيد سيكون في حاجة إلى كتلة حركة النهضة وحليفها ائتلاف الكرامة (73 مقعدا مع بعض)، أو الالتجاء إلى حزب خصمه نبيل القروي، حزب قلب تونس، وهو ما سيجعل من الصعوبة بمكان عليه تمرير مشاريع القوانين التي ينوي تقديمها، وخاصة ما تعلق بالاستفتاء لتعديل النظام الانتخابي وأفكاره المثيرة للجدل.
 
ومن بين الأفكار التي سوق لها سعيد، تعزيز سلطة الحكم المحلي، ومنح النائب حق سحب الوكالة (صوته) في حال أخلت المجالس المحلية المنتخبة ببرامجها.
 
ويعتبر سعيد أن هذا المشروع سيعزز التنمية في الجهات ويقلص من الفساد. لكنه يتطلب تعديلا للدستور.
 
وبرغم الدعم الكبير الذي لقيه سعيد من عدة أحزاب في انتخابات الدور الثاني من الرئاسية، فإن مشروعه القانوني ليس مضمونا في البرلمان، لأنه لا يملك حزبا وقد ترفضه الأغلبية، وقد علق سعيد على ذلك بقوله “إذا رفض البرلمان، فإن الشعب يتحمل مسؤوليته”.
 
وفي أول رد فعل له عقب إعلان النتائج التقديرية، ليل الأحد، وصف سعيد فوزه التاريخي بـ”الثورة في إطار الشرعية الدستورية”.
 
وقال في المؤتمر الصحافي “ليطمئن الجميع أني سأحمل الرسالة والأمانة بكل صدق وإخلاص”.
 
كما بعث برسالة طمأنة للخارج في كلمته، فيما يرتبط بالتزامات تونس الدولية مع شركائها، مضيفا “الدولة ستستمر بقوانينها وبتعهداتها الدولية. الدولة ليست أشخاصا وليطمئن الكثيرون أننا نعي ما نقول؛ لأننا نعرف ما حجم المسؤولية وما معنى الدولة”.
 
وستكون أولى مهام الرئيس الجديد بعد إعلان النتائج الرسمية والنهائية، تكليف مرشح لتشكيل الحكومة الجديدة، وفقا للنتائج التي أسفرت عنها الانتخابات التشريعية التي جرت الأحد 6 أكتوبر الماضي.
 
وفازت حركة النهضة الإسلامية بأغلبية غير مريحة بـ52 مقعدا، في مقابل 38 مقعدا لحزب قلب تونس الذي حل ثانيا. وتحتاج الحكومة إلى أغلبية مطلقة (109 أصوات من أصل 217) للمصادقة عليها في البرلمان.